عنوان: تونس بين "غاغة" الانتفاضة و"الزّهايمر السّياسي" للأحزاب بقلم د. مصباح الشيباني
حلقة الوصل : تونس بين "غاغة" الانتفاضة و"الزّهايمر السّياسي" للأحزاب بقلم د. مصباح الشيباني
تونس بين "غاغة" الانتفاضة و"الزّهايمر السّياسي" للأحزاب بقلم د. مصباح الشيباني
لقد كشفت الأحداث الأخيرة التي قامت في تونس تحت شعار "فاش نستناو" ضد قانون المالية لعام 2018 وقبلها "مانيش مسامح" ضد "قانون المصالحة" وغيرها، أن أحزاب "المعارضة" تمر بحالة من الضعف والتشتت لم سبق لها مثيلا، وأنها مازالت تتعامل بعشوائية ومزاجية سياسية مع التحولات المجتمعية الراهنة. وهذه الحالة من المزاج الذي يمكن ننعته بـ"الزّهايمر السياسي" لدى هذه الاحزاب عمق الاختلافات والتعارضات، بل ارتفع منسوب الصراع بينها عوض أن يعيد بناء وحدتها وتكتلها لمواجهة الأخطارالمهددة لوجودها. ولم تتمكن القوى السياسية التقدمية من قطع الطريق على أصحاب النّوايا السّيئة الذّين يريدون أن يصنعوا وجها "عنفيّا" أو "إرهابيّا" لهذا الحراك من أجل خدمة أهداف بعض القوى الرّجعية والأجندات الخارجيّة. أو من أجل تحويل هذه الانتفاضة الشعبية إلى "تمرّدات شوهاء"، والى اضطرابات وطنيّة يمكن ترميمها بالمال حينًا وبالأمن حينا آخر، أو إلى خلق مصدّات لحماية ما تبقّى من قلاع الدّيكتاتوريات الجديدة ــ القديمة. لذلك، سرعان ما تحوّل المشهد المجتمعي في تونس الى خليط من الفوضى والإذلال.
ولعلّ من أبرز "الدّروس" التي قدّمتها لنا مآلات هذه الأحداث، مثل سابقاتها على مدى سبع سنوات، تتمثّل في أن كل شيء يمكن أن يتفكّك ويتصدّع إن لم تلتزم القوى السياسية التي تعمل على تغيير الواقع باحتياجات هذا التّغيير، وباشتراطات إعادة البناء على نحو صحيح ومدروس وبشكل موضوعي بعيدا عن الغوغاء والغباء السياسيين، وإلا فإنّ مشاريعها السياسية والاقتصادية لن تكون أكثر من " أمنيات سرابيّة".
ينبغي على هذه القوى أن تنتبه وبكامل وعيها، إلى خطورة المنعطف التاريخي الذي يعيشه مجتمعنا وكثرة منعرجاته، وأن تدرك الانسداد التاريخي الذي بات يشعر به الشعب ويشل حركته شللا يمنعه من التفكير في إمكانية التقدم، وأنّ فتح هذا الانسداد لن يحصل هذه المرة عن طريق أنصاف الحلول أو عبر التّسويات العاطفية التي تجبره في كل مرّة على العودة إلى نقطة الصّفر من جديد. لقد قادتنا عشوائيّة هذه التحرّكات والمواقف الانفعالية والنّرجسيات السياسية والسّلوكيات النّمطية إلى معاودة إنتاج الاخفاقات والى ظواهر سلبية مستجدة بعيدة عن تصورات النّاس وانتظاراتهم. ومع ذلك، لم تقتنع بعض الأحزاب الوطنية والتقدمية ، رغم اخفاقاتها التكرّرة ، بأن لا تسْتعجل الأمور أو تتفاءل أكثر من اللّزوم، لأن "روحيّة الثّورة" هي العمل على تغيير العقول ونسيج المجتمع أولا، ثم تغيير بنية الحقل السّياسي ثانيا.
فنتيجة غياب الفعل السّياسي المنظم والمبدئي لهذه التحركات كانت العشوائية والاعتباطيّة سمة بنيتها وديناميتها؛ ولأنّها لم تكن مُؤَطّرة سياسيا، فلم تتح لها حركتها من التعامل مع الواقع انطلاقا من الوعي بجدليته وموضوعيته. كما أنّ من مفارقات هذا الحراك أنّه تتجاذبه أعلى درجات التنظير السياسي والفكري "الثّوري" من ناحية، وأكثر أشكال التخلف في الممارسة السياسية الاعتباطية والقائمة على ردود الأفعال من ناحية ثانية. لذلك، فقدت كلمة "الانتفاضة" أركيولوجيتها المفاهيمية ومصداقيتها الشّعبية نتيجة فرط استهلاكها وتكرارها دون هدف محدّد أو تراكم محقّق؛ فتم تدمير روحها وتشويهها وفقدت جاذبيتها ورمزيّتها. كما لم تعد قادرة على إنتاج ديناميات جديدة تحقق بها الحرية، لأنّها كانت غالبا ما تنطلق من فكرة جيدة ولكن سرعان ما يحوّلها أعداؤها إلى آلية لشرعنة استبداد السّلطة الحاكمة!
فعلى الرّغم من معرفتنا بالجرائم السياسية ( الاغتيالات) والاقتصادية (سياسة التقشف) ومعايشة تجلياتها بالصّوت والصورة أمامنا، من قتل ودهس للمدنيين أو غرق للمهاجرين أو انتحار للمُفقّرين وفساد للحاكمين، يبدو لدى هذه القوى وكأنّ الخروج إلى الشارع أو توقيع احتجاج ألكتروني، أو تغيير واجهة الصّفحة الشخصية على الفيسبوك، أو "التّرويج بـ"هاشتاج" هو الفعل الكافي لتحريرنا من هذا العبء الأخلاقي والمسؤولية السياسية، وهو ما يطلق عليها البعض " بـ" الصنمية التكنولوجية" التي تترجم الخيارات الأخلاقية إلى أفعال احتجاجية افتراضية تخفّف عنا الشّعور المفرط باليأس والخوف. والمفارقة الكامنة في هذا "الصّنم" التكنولوجي والاعلامي ( الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي) هي أن التكنولوجيا الخادمة لنا تساعدنا بالفعل على البقاء في سلبية سياسية، فلسنا بحاجة إلى تحمل المسؤولية السّياسية، لأن التكنولوجيا تقوم بهذا الدّور نيابة عنّا، وهذا "المخدّر" سوف يعوّض الفعل النّاجز.
ويبدو أن الدّرس الذي نسيه بعض الزعماء السياسيين "الثوريين": أنّ الهزائم التي تتعرض لها قوى الثورة ليست بالضرورة نتيجة اختيارات خاطئة، بل هي ناشئة أحيانا من انعدام الخيارات، وفي أحيان أخرى ناتجة عن تعدّد الخيارات وغياب المعايير أو الثوابت التي تعين هذه القوى على الاختيار الصحيح وفق السّياق والزمن المحدّدين. فحتى أنقى القضايا الإنسانية وأطهرها، حين يتم فرضها بالعنف من قبل الشّعب، تتحول إلى خطيئة ضدّه، لأنّه في ظلّ هذه الحالة يستبيح الحاكم كل المسكنات ــ المادية والقانونيةــ بدعوى الحفاظ على الأمن أو من أجل تأمين سلطته. والافراط والولع بالأدلة القانونية حجاجا لأزمة شرعيته، مع انسحاب الرّوح منها كما يقول الفيلسوف الفرنسي "شارل لوي دي مونتسكيو".
هكذا، نتيجة غباء بعض السياسيين في المعارضة، ونتيجة فشلهم في المشاركة في هندسة المشهد السياسي أو اختراق صنمية السّلطة في تونس منذ 2010، لم يبق أمامهم سوى معاودة الأخطاء والتطبّع مع "الزهايمر السّياسي"، فكانوا سببًا في عودة طقوس العربدة والمهانة وانتشار الفساد وعودة سياسة القمع العُنفي والنّاعم معاً، ومنح السّلطة "شرعية" استعمال جميع وسائل "الرّعب" من أجل التحكم في مصير هذا الشعب، مثلما استعملت موضوع "الارهاب" وسيلة للتدبير السياسي. في ظل هذه "الذلقراطية" على حد تعبير الباحث المغربي "المهدي المنجرّة" تبدو إهانة الشّعب العربي عموما وإذلاله والتعدّي على كرامته، واستغلال التفاوت في علاقات القوة بينه وبين حاكمه من أجل العربدة وفرض النظام وكأنّها تتم بإرادته.
وهكذا المادة تونس بين "غاغة" الانتفاضة و"الزّهايمر السّياسي" للأحزاب بقلم د. مصباح الشيباني
هذا هو كل المقالات تونس بين "غاغة" الانتفاضة و"الزّهايمر السّياسي" للأحزاب بقلم د. مصباح الشيباني هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال تونس بين "غاغة" الانتفاضة و"الزّهايمر السّياسي" للأحزاب بقلم د. مصباح الشيباني عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2018/01/blog-post_806.html
0 Response to "تونس بين "غاغة" الانتفاضة و"الزّهايمر السّياسي" للأحزاب بقلم د. مصباح الشيباني"
إرسال تعليق