عنوان: الجزيرة العربية .. شعب يموت ببطء .. فمتى يضخ الأوركيد في قلب الرمال؟ بقلم: نارام سرجون
حلقة الوصل : الجزيرة العربية .. شعب يموت ببطء .. فمتى يضخ الأوركيد في قلب الرمال؟ بقلم: نارام سرجون
الجزيرة العربية .. شعب يموت ببطء .. فمتى يضخ الأوركيد في قلب الرمال؟ بقلم: نارام سرجون
لاأريد بهذا المنشور الاعتداء على أحد ولااهانة أحد ولاالتعميم .. ولكني منذ ثلاث سنوات طرحت سؤالا فيه طابع التحدي والتعجيز عندما كان عادل الجبير ومن قبله سعود الفيصل يسخران من حلف الممانعة ورفعه شعار تحدي اسرائيل ويعيدون التذكير بأربعين سنة هادئة في الجولان .. وطلبت من أي شخص في العالم ان يعطيني خلال 100 سنة مضت اسم مجاهد سعودي واحد أو عسكري سعودي او مناضل سعودي او انتحاري سعودي او جريح سعودي او اي مقاتل سعودي سقط على أرض فلسطين .. او على الطريق الى فلسطين .. أو في اية مواجهة مع اسرائيلي .. وتمنيت ان اجد حتى اسم مواطن سعودي تاه ووجد في فلسطين .. او حتى جمل او ناقة سعودية ضلت سبيلها الى فلسطين .. فلم أجد الا البسوس السعودية التي تدخل الى كل ارض الا فلسطين .. حتى في حرب 1948 التي انضم لها كل الجوار العربي وغاب السعوديون والخليجيون تماما .. لمئة سنة كاملة ..
واليوم يتسابق السعوديون والخليجيون وذبابهم الاعلامي لدعم الفوضى في ايران وسورية ومصر وليبيا واليمن ويقولون انها ثورات للحرية .. ويغوون معهم العرب والمسلمين في كل العالم للاحتفال بانتصار هذه الثورات او على الاقل دعمها بالعمل واللسان والقلب والصلاة وفي الحج والصيام .. وقالت لي صديقة مصرية ان الاعلام السعودي في مصر ولوبياته النافذة في الاعلام المصري كانوا يتحدثون عن أحداث ايران الاخيرة وكأنهم أمام فتح عكا والاعلام يزغرد للحرية في ايران ونسي في ثوان القدس وقرار ترامب الذي سبق أحداث ايران بأيام ونسي ان ملك السعودية دفع الجزية لترامب بارقام فلكية .. وغرق هذا الاعلام الموازي على وسائل التواصل في مهاترات وتناقضات في توصيفه لايران الثائرة على الملالي الطغاة .. فايران شيعية ومجوسية في نفس الوقت .. واستغربت كيف يستوي الأمران في عقل المشاهد في ان تكون شيعيا تبكي على الحسين ومجوسيا تعبد النار؟؟ .. وهنا أجد نفسي مضطرا لسؤال كل المواطنين العرب والذباب الخليجي الكبير والصغير الذي يحلق في الفضاء الالكتروني تحديدا .. سؤالا فيه ذات التحدي السابق ونكهته .. وهو:
أنتم تهللون لمظاهرات ايران ولثورات المنطقة .. ولكن لماذا كل شعوب الأرض لديها ثورات ومظاهرات ومطالب الا في المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج التي غاب فيها الناس عن الحضور في أي مهرجان للحرية وينام فيها الناس منذ 100 سنة وكأنهم في كهف منسي أو كومة من الرمال رغم كل الضجيج حولهم وكل الثورات وكل التغييرات ؟؟ .. منذ مئة سنة قامت ثورات تعادل بأعدادها نصف ثورات البشرية .. مئات الثورات في العالم وملايين المظاهرات المطلبية حتى لايكاد هناك شارع واحد في الأرض لم يشهد مظاهرة .. الا شوارع السعودية والخليج .. حتى دول الرفاه الاوروبي والحريات والثروات تعاني من تقلبات مزاج الشارع ونزقه أمام اي تصرفات غير مريحة من الحكومات .. وكذلك تقلب الجوار العربي مئات المرات وكان يغلي كل يوم بالثورات .. فحدثت فيه موجات قومية وموجات بعثية وموجات شيوعية وموجات اسلامية وموجات ليبرالية وموجات علمانية وموجات اشتراكية وموجات تقدمية وموجات ديمقراطية .. وموجات بلا نهاية للتغيير .. والمجتمع السعودي والخليجي مثل صنم هبل لايتحرك ولايفعل شيئا ولايتفاعل وكأنه محنط او تحت تأثير عقار افيوني .. لاتوجد مظاهرة مطلبية واحدة .. لانزق ولاغضب .. لابسبب السياسة ولابسبب غياب الديمقراطية ولا بسبب سوء توزيع القروة ولافساد الأسر الحاكمة .. بل وتخيلوا لاتوجد قصيدة واحدة للحرية من أرض الشعر العربي حيث عنترة والنابغة والحطيئة وزهير والمعلقات والشعر الذي دون به العرب احلامهم وأيامهم .. ولايوجد شعر للحرية من أي منفى .. ولاشاعر واحد ولامثقف واحد كتب بيت شعر او كتابا او قصة عن الحرية أو رواية او مسرحية او كتب لحنا أو أغنية أو زجلا سمعنا به ورددناه جميعا .. لاتوجد قصاصة نثر واحدة كتبت في السعودية عن الحرية ولا نقش في الضمائر الحرة .. كل الشعوب تنتج عناصر الحرية وتفصل شيئا من قماشها وثوب زفافها .. فتونس تكتب لنا عن (الشعب يوما اذا اراد الحياة) .. ومصر تنتج اعظم تجربة للنهضة الناصرية الرومانسية وفلسفة الثورات ولأفكار تغزو العالم وتنافس الشرق والغرب وتنتج منظمة عدم الانحياز .. وسورية تلد أكثر الحركات الشوفينية العربية والوطنية وتقدم ارقى الطموحات والشعارات والقصص والبطولات واجمل الشعراء واعظم الأدباء الذين يكتبون النثر بحبر من دم العاصفة وشرايين الاعاصير .. و العراق يكتب لنا قصيدة (القدس عروس عروبتكم) ويمور بالحيوية والنشاط الثوري ويغير زعماءه وأحزابه وأثوابه وقاداته .. ولكن في الخليج والسعودية فان المثقفين والمجتمع ورجال الدين وكل شيء غائب منذ 100 سنة .. فلم تحركهم موجة واحدة من كل الموجات التي ضربت المنطقة .. ولاهزة ارتدادية من الهزات التي حدثت في العالم والجوار خلال مئة سنة .. حربان عالميتان وسقوط عدة امبراطوريات ونهوض عدة امبراطوريات في القرن الماضي .. ولم يستيقظ النائمون .. فيما كان سقوط مزهرية في اي بيت صامت كفيلا ان يوقظ الموتى .. لم تحركهم مظاهرة واحدة .. ولكن عندما هزتهم الأيدي الصهيونية بالموجة الطائفية المتشددة وجدنا انهم يتحركون بسرعة ويتململون ويتبرعون ويجاهدون وينفرون ..
هكذا هو الحال في مجتمع جزيرة العرب منذ مئة سنة خلت كانت قرنا من الثورات والزلازل في الدنا كلها .. لكن لم نجد ان هذا المجتمع قد انتج الا جهيمان وناصر السعيد كحالة تمرد واحتجاج يتيمتين عابرتين .. الا انه أنتج أيضا عائلتين مشبوهتين برعاية بريطانية كاملة هما الاسرة الهاشمية والاسرة السعودية .. خلال مئة سنة من الظلم والاضطهاد وغياب العدالة والحرية وحكم السيف ..
قد يقول قائل انه القمع وحد السيف الذي يقطع الرقاب كما تفعل داعش لأن داعش كانت مكروهة وممقوتة الا أن الناس لم تتمرد عليها من فرط وحشيتها .. ولكن كل عشاق الموت والانتحاريين في القاعدة وداعش والنصرة هم سعوديون في غالبيتهم .. وهذا دليل على انه ليس الخوف مايمنع ثورة في السعودية .. وربما يقول قائل انه التخدير الديني الوهابي الذي يشبه الأفيون ويحقن في الوريد يوميا خمس مرات في المساجد .. ولكن هذا لايكفي لأن الوهابية تخدر بعض المجتمع أو نصفه ولكنها يستحيل ان تخدره كله .. اذا ماالسبب الذي يجعل المجتمع السعودي وكأنه من ضحايا ذبابة تسي تسي .. كل الأرض تتحرك وتدور وتمور وكل العالم لديه شارع ومظاهرات واحتجاجات حتى في قلب اميريكا بلاد السمن والعسل حركة المجتمع تغلي وتفور ولاتتوقف .. الا في السعودية والخليج حيث المجتمع مثل الرمل تحت أقدام ملوك الرمال ..
أنا شخصيا أفتش عن الحل والتفسير وأتمنى أن نقدر على مساعدة هذا الشعب المسكين في الجزيرة العربية الذي تم التلاعب بقدراته الانسانية وتعطيلها بعمل اجرامي يشبه فن الابادة الجماعية الصامت .. وقناعتي أن هذا المجتمع الضحية في خطر الموت والانقراض لأن هذا الركود الطويل في خضم هذه الغليانات والتغيرات الكبرى ظاهرة تدل على أنه مجتمع يموت .. أو سيموت .. أو بالأحرى اذا توخينا الدقة العلمية والانصاف فانه مجتمع يتعرض للاغتيال والابادة عبر تعريضه لأكبر عملية ركود انساني متعمدة .. لأن نظريات التطور على الاحياء تكاد تتطابق مع علم الحياة الاجتماعية .. فوفق علم التطور في الاحياء فان العضو الذي لايعمل يضمر .. كالعضلات التي لاتتحرك تضمر .. وهذا يمكن سحبه على المجتمع .. حيث أن الجزء من المجتمع البشري الذي لايتفاعل مع تفاعلات البشر وتطورهم وحركتهم فانه يعزل نفسه ويموت بالتدريج او يذوب ويتلاشى ويتم جرفه مع التيارات الهائلة التي تجتاح وجوده .. وهذا ينطبق على المجتمع الخليجي الذي تم تخميده واطفاؤه وفقد القدرة على العمل الايجابي وتحول الى مجتمع استهلاكي معتمد بشكل كامل على التغذية الصناعية والحقن .. ويتم احتلاله بالقواعد العسكرية والشركات متعددة الجنسيات وهو فاقد للقدرة على الحس بالاحتلال كأن أعصاب المجتمع - وهي النخب المثقفة - فشلت في التعاطي بفعالية مع تغيرات القرن الماضي الهائلة وكأنها مصابة بالشلل وموت الاعصاب ..
وهنا دعونا ننظر بانصاف وعقلانية الى هذا الجزء من المجتمع المشرقي - الذي يكاد يفارق الحياة رغم انه ظاهريا ينمو بالعمران - ونسأل ان كان سبب موته هو اهماله المقصود او غير المقصود من قبل قوى الشمال العربي من حيث لم يتم حقن المجتكعات الخليجية بجرعات التطور والتغيير والأفكار التي زخرت بها المنطقة العربية الشمالية .. فباستثناء محاولة ناصر الخجولة التمدد بالقومية الى الحجاز عبر اليمن فان كل التفاعلات في الشمال العربي لم تهبط الى الجزيرة العربية الا عبر مغامرة صدام حسين في الكويت الذي حاول في أسوا توقيت وبأسوأ طريقة تشبه الايقاظ بالصفع والصراخ ان يوقظ المجتمعات الخليجية ويحرضها .. ولكنها مغامرة لم يتم التحضير لها والاعداد جيدا وكانت فيها كل اخطاء المراهقة السياسية ..
وهذا الفشل الذريع في تحريك الرمال ربما يعكس سوء تقدير الشمال العربي ومسؤوليته الجزئية أو الكاملة عن الاخفاق في التحرك جنوبا وتحرير المجتمع من عملية الركود الانساني والحضاري المديد والذي طال جدا لأن ذلك كان مسؤوليته كقائد وقوة محرضة .. وتبين ان هذا الموت الفكري والثقافي الجماعي للجنوب العربي تحول الى كارثة على الشمال لأن تفسخ الجثة المريضة الراكدة جنوبا لابد سيطلق كثيرا من الأوبئة والأمراض الفتاكة حوله .. وهذا ماحدث .. اذ وصل المرض المتسرب من الجثة الخليجية الراكدة في العمق الى خمسة مجتمعات عربية وحوّلها كما يحول الطاعون المدن والسكان الى خراب .. والأخطر أنه بدأ يتسرب الى فلسطين والقدس .. والمقدّس العربي والاسلامي .. لأن كل هذا الهذيان الديني المتطرف والمذهبي كان يتعفن بسبب الركود الديني الذي كان جزءا من الركود العام للمجتمع والثقافة والفكر .. فالتركي والاسرائيلي والاميريكي والبريطاني لم يكن احدهم قادرا على تحريك الفتنة والعنف في الشمال الا باللجوء الى الخزان الراكد في الخليج الذي قدم المال والفتاوى والكراهية السوداء وحمل المشروع العثماني والصهيوني عل ظهره وضرب بحوافره صدر الشمال ..
ولذلك بالرغم من توجيه اللوم الى مشيخات وممالك الخليج الرملية في تثبيت سياسة التجهيل والتكلس فان علينا الاعتراف بأن مسؤوليتنا ليست بالقليلة لأننا استهنّا بنشر التنوير وضخ الفكر المتمرد والقومي والتحرري والعلماني نحو الجنوب الذي كان يستحق منا ان نلتفت اليه ببعض العون والعمل لانقاذه .. وكان هذا أحيانا بسبب اعتقادنا وايماننا بالتفوق الحضاري الذي اصابنا بالغرور وعدم الاكتراث بتعليم من نظرنا اليهم نظرة شفقة كـ "رعاة الابل" فن العزف على البيانو بدل الربابة أو توجيه جزء من مناشيرنا السرية اليهم بدل اغراق مدننا بها ..لأننا اعتقدنا أن ذلك غير مجد واننا نضيع وقتنا وجهدنا جنوبا بسبب تقهقر حضاري لاشفاء منه جنوبا .. ولكن كان اهمالنا ايضا بسبب نوع من الاسترخاء والوهم بأن قاطرة الشرق الأولى في الشمال حيث بغداد ودمشق والقاهرة .. وأن الأمة كلها ستلحق بالقاطرة الاولى عندما تتحرك ولذلك فان الجنوب العربي سيلحق بنا شاء أم ابى ولاداعي لاضاعة الجهد والوقت هناك لأنه تحصيل حاصل .. فالأغنام تتبع الراعي .. ولكن حدث ان القاطرة الأخيرة هي التي جرّت القاطرة الاولى بالاتجاه المغاير للرحلة .. بسبب تعطل محركات القاطرة الاولى اثر هزائم عسكرية كاسحة في 67 وبعد سقوط بغداد .. فكانت قوة العطالة في الجنوب قادرة على الدفع وجذب كل القطار وراءها ..
عندما تضع الحرب أوزارها لابد أن يكون هناك استراتيجية اعلامية وثقافية عابرة للرمال .. ويجب ضخ مايمكننا من التفكير والتنوير والضوء والماء العذب نحو تلك المنطقة التي تموت ركودا .. لأن العدو الذي خمّدها لقرن كامل حركها في يومين اثنين وجعلها تنهش كل ماتلاقيه بأنياب الربيع العربي .. وهذا مايجب التعلم منه ومعرفة ان الجنوب العربي يستحق منا الانتباه بعد أن غبنا عنه قرنا كاملا وان نمد له يد العون ونزرع الرمل بالورد وننشر حدائق الفكر والحرية والثورات والضوء الاخضر في قلب الصحراء القاحلة الموحشة .. انها مسؤولية اخلاقية وواجب انساني ايضا .. كما أنها جزء من ادراك المصلحة القومية والوطنية والانسانية .. للجميع .. شمالا وجنوبا ..
مايحدث اليوم من اهتزاز في الجزيرة العربية فرصة نادرة لايجب تفويتها ويجب ان نضخ الضوء والاوركيد .. فمن يدري ربما يورق الرمل وينبت الأوركيد المضيء على جذوع النخل .. لكن ان تأخر طلوع الأوركيد منذ اليوم فان اللوم لايجب أن يلقى على أحد بل علينا نحن .. نحن فقط من يجب أن يلام بعد كل ماحدث ..
وهكذا المادة الجزيرة العربية .. شعب يموت ببطء .. فمتى يضخ الأوركيد في قلب الرمال؟ بقلم: نارام سرجون
هذا هو كل المقالات الجزيرة العربية .. شعب يموت ببطء .. فمتى يضخ الأوركيد في قلب الرمال؟ بقلم: نارام سرجون هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال الجزيرة العربية .. شعب يموت ببطء .. فمتى يضخ الأوركيد في قلب الرمال؟ بقلم: نارام سرجون عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2018/01/blog-post_586.html
0 Response to "الجزيرة العربية .. شعب يموت ببطء .. فمتى يضخ الأوركيد في قلب الرمال؟ بقلم: نارام سرجون"
إرسال تعليق