عنوان: الحرب على الفساد:فرصة للإصلاح أم تنفيس لأزمة! توفيق المديني
حلقة الوصل : الحرب على الفساد:فرصة للإصلاح أم تنفيس لأزمة! توفيق المديني
الحرب على الفساد:فرصة للإصلاح أم تنفيس لأزمة! توفيق المديني
بريد الحرية - تونس تعيش اليوم في ظل تناقض على مستوى رأسي السلطة التنفيذية، بين موقف رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي أكد في خطاب نيل الثقة أمام مجلس النواب على أن مكافحة الفساد هي أولوية كبرى، في حين يصر الرئيس الباجي على المضي في الصفح عن الفاسدين وطي ملف الفساد، لأن الفئات الطفيلية المنتفعة من النظام السابق أصبحت أكثر من أي وقت مضى متشبثة بامتيازاتها، حيث نجد أصحاب النفوذ في نظام الحكم الديكتاتوري السابق ورجال المال السياسي الفاسد وأصحاب المصالح غير المشروعة يعيدون ترتيب أنفسهم لمواجهة آثار الثورة التونسية، و المطالب الشعبية المستحقة، و إجهاضها، و العمل من أجل المحافظة على مكانتهم و ترجيح كفة القوى الدستورية التي تسيطر بقوة على حزب نداء تونس الحاكم ، بوصفها قوى لا تهدد مراكزهم ، أو ثروتهم غير المشروعة،أو نفوذهم، اللذين تحققا لها في ظل نظام الاستبداد و الفساد الذي سقط رأسه، وبقيت مراكز النفوذ لأتباعه، نتيجة غياب بديل وطني ديمقراطي ثوري لنظام الحكم الذي تم إسقاطه.
ومع ذلك يبدو أن عملية تطهير البلاد من الفساد و الفاسدين كانت تطبخ على نار هادئة من جانب حكومة يوسف الشاهد منذ ستة أشهر ، وجاء خطاب الرئيس الباجي الذي ألقاه مؤخرا ، و استخدامه لقانون الطوارىء، بوصفه المخرج القانوني في هذا الشأن الذي باركته جميع الأحزاب ،ليدشن مرحلة جديدة استباقية في هذه المعركة ضد الفساد بعد تداعيات احتجاجات تطاوين وخطر تحولها إلى انتفاضة تطيح بالنظام ، إذ تمت الموافقة الضمنية من جانب حافظ السبسي، حيث كانت زيارته إلى الصين هي بمنزلة المناورة و الإشارة الفعلية للتخلي الفعلي عن أزلامه و مسانديه من رجال الأعمال الفاسدين.
ولعب الرئيس الباجي دورًا مهمًا في هندسة هذه الخطة ، و التي تقوم على ما يلي:
أولاً: التخلص قضائيا من كل من هدّد أمن الدولة العام، وذلك باستعمال المحاسبة من خلال القضاء العسكري ، و استعادة هيبة الدولة المستباحة لفترة طويلة.ومن المنتظر أن يمثل شفيق جراية أمام قاضي التحقيق بالمحكمة العسكرية في العاصمة التونسية لاستنطاقه حول التهم الموجهة إليه و المتعلقة أساسًا ب«الخيانة » و «الاعتداء على أمن الدولة» و«وضع النفس تحت تصرف جيش أجنبي»، والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام.
ثانيًا:إضفاء النجاعة في الحرب على الفساد، التي ستكون من نتائجها استرجاع مليارات من الدينارات ممن استولى على المال العام، وذلك بعد تمرير قانون المصالحة الاقتصادية المقترح من رئاسة الجمهورية، والذي سيقع تزكيته في اللجنة البرلمانية نهائيا يوم الخميس 1حزيران /جوان المقبل .
ثالثًا:إضفاء مشروعية أكبر لحكومة يوسف الشاهد وشخصه في مقبل الأيام ، وفي المحطات الانتخابية المقبلة ،حيث يبدو أن للشاهد طموحات رئاسية.
رابعًا : كسب رضا المؤسسات الدولية المانحة، لا سيما في مسالة محاربة الفساد، التي تعتبرها خطًا أحمر في منح القروض أو دعم السياسات ، وخاصة بعد صدور تقرير مجموعة الأزمات الدولية في مايو 2017، وتقرير مجموعة الشفافية الدولية في جانفي /يناير 2017.
و تستغل الحكومة التونسية المناخ الإقليمي الملائم ، حيث انقلبت موازين القوى بعد تحرير قيادات النظام الليبي السابق ، محمود البغدادي، و الساعدي القذافي، الخ، وضعف الإخوان المسلمين في ليبيا، والوضع الحرج لعبد الحكيم بلحاج صديق شفيق جراية، وبداية نهاية الدور القطري عقب القمة الإسلامية التي أشرف عليها الرئيس الأميركي ترامب في زيارته الأخيرة للرياض.
بغض النظر عما يحدث في تونس ، لا يمكن النظر إلى الحملة التي أعلنتها الحكومة ضد رجال أعمال نافذين من خلال حسن نيات، فتاريخ الوفاقات والدفاع الشرس عن قانون مصالحة اقتصادية يبرّئ بارونات الفساد لا يمكن أن يمنحنا ثقة في هذه الحركة الجديدة التي قامت بها السلطة، فهل هي حرب ضد الفساد؟
المتابع للمشهد السياسي التونسي، يلمس بوضوح أن الحكومات المتعاقبة فشلت جميعها في محاربة حيتان الفساد وكارتيلات المال الذين يتجاوز نفوذهم الاقتصاد نحو الإعلام والأحزاب الحاكمة، بل فيهم (رجل الأعمال شفيق الجراية) من يلعب أدواراً إقليمية مرتبطة بالملف الليبي.وفي المقابل لم يطرح الرئيس الباجي أية حلول جذرية للوضع الاجتماعي والاقتصادي المتأزم في خطابه الأخير ،بل فرض مع كل هذه الإخفاقات الإصرار على تمرير تبييض الفساد الذي سيقسّم الشعب التونسي ،وسيشق الوحدة الوطنية .فقد أظهرت الأزمات الأخيرة التي تعيشها تونس أن الدولة لم تقدر بعدُ على فرض هيبتها بالوجه الكافي،وعلى تحقيق الانتظارات الشعبية،ولا سيما بلورة منوال تنمية جديد يحقق التشغيل والنموالاقتصادي المطلوب، ويرفض خصخصة المؤسسات الحكومية والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية والشركات المتعددة الجنسيات ،ويرفض خضوع الحكومة التونسية لإملاءات وشروط المؤسسات المالية المانحة مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، مع الدعوة إلى صون وحدة البلاد.فبدت الدولة التونسية ضعيفة هشة رغم تركيز سلطات منتخبة ودائمة ومسنودة سياسيًا.
ويعود غياب هيبة الدولة التونسية إلى فقدان الرئيس الباجي قائد السبسي لمشروع وطني وديمقراطي يعيد من خلاله بناء الدولة الوطنية، الأمر الذي دفعه إلى تأسيس شراكة في الحكم بين حزبي « النداء والنهضة»، والباقي تفاصيل في السياسة. فطرح الباجي قائد السبسي تحقيق المصالحة الوطنية ،باعتبارها مطلباً مُلِحًّا للدساترة والتجمعيين الذين ينتمون إلى النظام السابق ، والذين يشكلون العمود الفقري لحزب«نداء تونس» ،وأوصلوه إلى قبة البرلمان في الانتخابات التشريعية الأخيرة، و«أوصلوا» أيضاً قائد السبسي الى «أمنية» العمر وهي كرسي الرئاسة بقرطاج . فالدستوريون والتجمعيون يريدون قانون «المصالحة الوطنية»الذي لن يَمُرَّ إلا إذا كانت النهضة مشاركة في الحكم، لكي يضعوا حدّاً للمضايقات والتتبعات والتجميد والتجويع والشيطنة التي تعرضوا لها منذ أربعة أعوام كاملة.
في هذا السياق ،قدم الرئيس الباجي مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، الذي أصبح حديث الساعة و يلقى معارضة واسعة لدي الرأي العام في تونس، لا سيما أن نص مشروع القانون المقدم يؤكد على استشراء الفساد،والسعي لطي ملفات الفساد من دون أن يعرف الشعب التونسي الحقائق المرعبة حوله، بينما المطلوب هو تفكيك منظومة الفساد .فمشروع قانون المصالحة يؤدي إلى طمس كل الحقائق عن الفساد،حيث و بمقتضى هذا القانون سيتم العفو وإيقاف كل التتبعات القضائية ضد المتورطين في قضايا الفساد من السياسيين الذين سهلوا عمليات الفساد الاقتصادي، أما بالنسبة للمستفيدين من نهب المال العام و الصفقات العمومية، فالقانون يخول لهم التقدم بمطالب صلح إلى لجنة تعمل بشكل سري تمنع كشف حقيقة التجاوزات المالية.وفضلاً عن ذلك، يمثل مشروع هذا القانون خطرًا على الاقتصاد الوطني، لا سيما أن تقارير المؤسسات الدولية المانحة تؤكد أن معطل الاستثمار في تونس هو الفساد، وهذا القانون يرسل رسالة خاطئة للجهات الدولية مفادها أن تونس لم تفتح فعلاً ملفات الفساد وهو ما يعطل الاستثمار الداخلي و الخارجي.
ما أشبه اليوم بالبارحة،ففي سنة 2013 تم إسقاط قانون «تحصين الثورة» و«إقصاء الأزلام»، حين قال الغنوشي عن المراد إقصائهم من الدساترة و التجمعيين «فلتقصهم صناديق الإقتراع». غدا لن يكون المدافعون عن مبادرة الرئيس الباجي أقلية بل مدعومين بكتلة حركة النهضة المتحفظة ـ شكليا ـ حتى الساعة، وسيمر القانون الذي يخدم مصالحهم الحزبية قبل أن يخدم مصالح الآلاف من الإداريين المكبلين والمئات من رجال الأعمال المشلولين. فتمرير قانون المصالحة يعني اقتسام كعكة النظام السابق بتجربته وعدده بين «حزب النداء،» الذي تحول إلى حزب« التجمع الدستوري الجديد» و بين «حركة النهضة» المتورطة أيضًا في ملفات فاسدة ، لتشهد تونس ميلاد حلف جديد بين التجمعيين الدستوريين والإسلاميين، لتأبيد الحكم بينهما، وتعبيد الطريق لتوريث رئاسة الجمهورية لنجل الرئيس حافظ السبسي في انتخابات 2019.
يجمع المحللون أن الخطاب لم يأت بالحلول التي تحتاجها البلاد ، لا سيما في ضوء الأزمة المتعددة المستويات التي ترجع خلفيتها التاريخية إلى بداية سنوات الاستقلال، أزمة هيكلية، ميزتها استمرارية أصول أسبابها وتعدد أحداثها، وهو أمر يجعل قضاياها مرتبطة أشد الارتباط بطبيعة استمرار بنية النظام السابق على الرغم من إسقاط رأسه في ثورة 2011 ، بل و إعادة إنتاج الرأسمالية العائلية الزبائنية القائمة على التبعية و الاندماج في نظام العولمة الليبرالية، وعلى استراتيجياتها المتكلة على اقتصاد التهريب الذي وصل إلى نسبة 60% من الاقتصاد التونسي، والفساد والزبونية في تسيير الشأن العام وفق منطق الاستحواذ والإقصاء خدمة لمصالح العائلات الفاسدة، و لوبيات الفساد الأخرى المتعشعشة في مختلف أجهزة ودواليب الدولة و الإدارة.رأسمالية زبائنية طفيلية ، وعائلات ولوبيات فاسدة تهيمن على مقدرات البلاد ،اخترقت الأحزاب الحاكمة (النداء و النهضة ) التي أصبحت تدافع عن مصالحها،وهي أحزاب لا همّ لها سوى الاحتكار الأعمى للسلطة، و الاستهتار بمطالب الإصلاح والتغيير الجذري الموصل إلى إقامة نظام ديمقراطي مؤسساتي حقيقي، و أنموذج جديد للتنمية المستقلة يخرج تونس من الصورة النمطية التي لم تعد تجدي نفعًا.
وهكذا المادة الحرب على الفساد:فرصة للإصلاح أم تنفيس لأزمة! توفيق المديني
هذا هو كل المقالات الحرب على الفساد:فرصة للإصلاح أم تنفيس لأزمة! توفيق المديني هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال الحرب على الفساد:فرصة للإصلاح أم تنفيس لأزمة! توفيق المديني عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/06/blog-post_4.html
0 Response to "الحرب على الفساد:فرصة للإصلاح أم تنفيس لأزمة! توفيق المديني"
إرسال تعليق