عنوان: لماذا أخفت الحكومة تفاصيل رسالة “الوصاية المالية” التي وقعها الشاهد والعيّاري؟
حلقة الوصل : لماذا أخفت الحكومة تفاصيل رسالة “الوصاية المالية” التي وقعها الشاهد والعيّاري؟
لماذا أخفت الحكومة تفاصيل رسالة “الوصاية المالية” التي وقعها الشاهد والعيّاري؟

24 يوليو، 2017
الوطن الجديد- تونس- وليد أحمد الفرشيشي
استغّلت حكومة يوسف الشاهد انشغال النخب السياسية والاقتصادية بالحرب المفتوحة على الفساد، لتدخل ماراطون من التنازلات، بل ومن التعهدات الخطيرة، في رسالة وقعها الثنائي يوسف الشاهد، رئيس الحكومة التونسية، والشاذلي العيّاري، محافظ البنك المركزي، للحصول على الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي، وتم توجيهها إلى السيدة كريستين لاغارد، مديرة الصندوق، بتاريخ 29 ماي 2017.
ويبدو أنّ الثنائي، استغّل انشغال الجميع، بالوضع الاجتماعي المتفجّر للبلاد، والطبق الميلودرامي الذي اقترحته الحكومة على الشعب التونسي، في ما بات يعرف بالحرب المفتوحة على الفساد، لتقدّم سلسلة من التنازلات الخطيرة، على حساب لا فقط المجموعة الوطنية وإنما أيضا، وهنا الخطير، على حساب معايير الحوكمة والشفافية، تكشف جزءا من القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة، وكآنها قرارات تستجيب للظرفية الاقتصادية الصعبة، في مغالطة مكشوفة لعموم الشعب التونسي ولممثليه في البرلمان وللشركاء الاجتماعيين وللفاعلين الاقتصاديين والمتابعين الذين لم يجدوا تفسيرا واضحا لقرارات البنك المركزي الأخيرة على غرار الترفيع في نسبة الفائدة المديرية في ظرف شهر واحد وغيرها من القرارات التي مسّت الدينار التونسي في العمق.
حكومة المغالطات…والتنازلات المكشوفة !
وقبل استعراض جملة “التنازلات” التي وقع عليها الثنائي الشاهد- العيّاري، في الجانبين المالي والاقتصادي، ثمّة ثلاث ملاحظات جوهرية تفرضُ نفسها فعلاً، في خصوص الطريقة التي تتعامل بها حكومة يوسف الشاهد مع عموم التونسيين، وهي طريقة لا تخلو من الكذب والمغالطة.
الملاحظة الأولى، تتعلّق بالرسالة نفسها، التي لو لم ينشرها صندوق النقد الدولي على موقعه بتاريخ 10 جويلية 2017، هي وملحقاتها، لما تمّ الوقوف عند خطورة ما تمّ التعهد به. فالرسالة، والتي خطت بالانقليزية، تم تضمينها في الملف المرجع “IMF Country Report No. 17/203″، إضافة إلى ملحقاتها، والموجودة بالوثيقة انطلاقا من الصفحة 53، لا نجدُ لها أيّ أثرِ لا على موقع رئاسة الحكومة ولا على مواقع الوزارات المعنيّة. بل أنّ ما ورد فيها يناقض تصريحات عدد من وزراء ومستشاري رئيس الحكومة، في خصوص بعض القرارات التي وقع اتخاذها مؤخّرا، والتي تم تسويقها على أنها قرارات “سيادية” تمّ اتخاذها استجابة للوضع الاقتصادي العام، في حين أنّ الحقيقة غير ذلك.
الملاحظة الثانية، تتعلّق بخلق وضع مرتبك لإلهاء الرأي العام، في الوقت الذي يتعهد فيه يوسف الشاهد والشاذلي العياري، ودون الرجوع إلى مجلس نواب الشعب، وفي إطار من التعتيم الكامل، بجملة من التعهدات، فضحتها الرسالة المنشورة، وهو ما يطرح أكثر من نقطة استفهام حول الطريقة التي تتم بها إدارة الشأن السياسي والاقتصادي في تونس، طريقة منزوعة الشفافية تماما، بل ومناقضة لأحكام الدستور نفسه.
أما ثالث الملاحظات، فتتعلّق بتوكيل توفيق الراجحي، الوزير المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة، لتسويق صورة إيجابية عن الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي، وتقديم جملة من المغالطات التي فضحتها الرسالة علنًا، وهو ما يورط لا رئيس الحكومة فقط في ضرب معايير الشفافية وإنما يؤكد ما سبق وان نشرناه على أعمدة “الشارع المغاربي” من اعتماد الشاهد على حكومة “مصغرة” داخل حكومته توكل إليها مثل هذه المهمات.
تسريح 25 ألف موظف…تجميد الزيادات في الأجور…وتطبيق سياسة التقشّف !
هنا سنقتصرُ على بعض ما ورد في هذه الرسالة الخطيرة، التي أعاد نشرها وترجمتها المحلل الاقتصادي آصف بن عمّار، على موقع “باب نات”. ففي باب الإجراءات التي تهمّ ميزانية الدولة وسياستها الجبائية، تعهّد الثنائي يوسف الشاهد والشاذلي العياري بما يلي:
أوّلا، تلتزم الحكومة التونسية، على حدود شهر جانفي 2018، بتسريح ما بين 20 على 25 الف موظف تونسي في إطار سياسة التقاعد المبكر(صفحة 63 من الوثيقة).
ثانيا، تلتزم الحكومة بتجميد الزيادات في الأجور في القطاع العام إلى حدود سنتي 2019 و2020.
ثالثا، تخفيض كتلة الأجور من 14.1 بالمائة حاليا على 12 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في حدود سنة 2019.
رابعا، الالتزام بتجميد الانتدابات في قطاع الوظيفة العمومية (تربية، صحة، إدارة،…) وتقوم بتعويض موظف على أربعة من الذين غادروا الوظيفة العمومية (صفحة 63 من الوثيقة).
خامسا، تضع الحكومة برنامجا للتصرّف في خمس شركات عمومية مؤسّس على الأداء يهم كل من الخطوط الجوية التونسية، والستاغ، وديوان الحبوب وتعاضدية التبغ والوقيد، على أن ترفع تقارير دورية في خصوص نتائج هذا البرنامج إلى صندوق النقد الدولي.
سادسا، وضع برنامج تدريجي لتقييم الإجراءات الجبائية للدولة التونسية يشرف عليه خبراء أمريكيون ممولون من الوكالة الأمريكية للإنماء الدولي.
سابعا، تحجيم الترفيع في الاستثمار العمومي بنسبة 1 بالمائة كحد أقصى، من الآن وإلى حدود سنة 2020، ليصبح في حدود 6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. وهو ما يعني إيقاف النفقات العمومية الموجهة لرفع نسبة النمو اعتمادا على الاستثمارات العمومية الكبرى (طرقات، جسور، الخ). وهو ما يعني آليا اعتماد سياسة التقشف وهو ما كشفته الرسالة.
ثامنا، تقوم الحكومة بتحويل ما نسبته 0.5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام للصناديق الاجتماعية بما فيها صندوق التأمين على المرض لمعالجة عجزها وتفادي دخولها في فترة من عدم السداد (صفحة 60 من الوثيقة).
تعزيز عملية انزلاق الدينار…والترفيع في نسبة الفائدة المديرية
أما في ما يخص السياسة النقدية، فهنا تتوضحّ أكثر مغالطات حكومة يوسف الشاهد. ففي الرسالة، يلتزم الثنائي يوسف الشاهد والشاذلي العيّاري، باعتماد سياسة نقدية “انكماشية”، من خلال الترفيع في نسبة الفائدة المديرية إلى حدود 5 بالمائة (وهو ما حصل فعلا)، مع إمكانية الترفيع فيها إذا لم يتم تخفيض معدلات التضخم، ومن نافلة القول التأكيد هنا على أنّ هذا القرار يضرب في العمق الاستثمار الخاص والاستهلاك، باعتبارهما محركين اقتصاديين.
كما تلتزم الحكومة والبنك المركزي باعتماد سعر صرف مرن، وهو ما يعني الانزلاق المستمرّ للدينار التونسي. وهنا على النقيض تماما من تصريحات توفيق الراجحي في عدد من وسائل الإعلام، تبرز الوثيقة انّ هذا القرار مملى بالكامل من صندوق النقد الدولي، كما تبرزه الصفحات 12 و13 و14 و66 من الوثيقة. وللتأكيد فقط، فقد الدينار التونسي 11 بالمائة من قيمته تقريبا منذ شهر مارس 2017، وهو ما يعني أن الامر بأكمله سياسة مقصودة من البنك المركزي الراضخ بالكامل لاشتراطات صندوق النقد الدولي.
في جانب آخر تلتزم تونس بتحويل قاعدة بيانات شهرية مكونة من 30 مؤشر اقتصادي ومالي إلى أجهزة صندوق النقد الدولي. وفي هذه النقطة بالذات، سيكون معهد الإحصاء ووزارة المالية ووزارة الطاقة إضافة إلى البنك المركزي، ملزمة بتوفير هذه المؤشرات لفائدة أجهزة صندوق النقد الدولي بصفة شهرية، أما المؤشرات الحساسة فستقدم إلى الصندوق بصفة أسبوعية.
تونس تحت الوصاية الكاملة
وبالمحصّلة فإن الوثيقة التي سنعود لها بأكثر تفاصيل في أعدادنا القادمة، لا يمكن إلاّ أن تفرز إلا قناعة واحدة وهو أن الثنائي يوسف الشاهد والشاذلي العياري، وضعا البلاد تحت الوصاية المالية والنقدية الكاملة، لصندوق النقد الدولي.
وبقطع النظر عن مغالطات الفريق الاستشاري والوزاري لرئيس الحكومة، والتعتيم على هذه الرسالة، فإن الرسالة نفسها تفضحُ أيضا جملة من الأكاذيب على غرار التسويق المفرط لنسبة النمو المحققة، أو نتائج مؤتمر الاستثمار 20-20، وصولاً على الحرب المفتوحة على الفساد وغنائمها الاقتصادية، ذلك أنّ الثنائي الشاهد- العياري، وقّع بالفعل على خارطة طريق أخرى…خارطة طريق تحمل وسما مميزا هو “الوصاية التامة” على تونس من طرف صندوق النقد الدولي.
وهكذا المادة لماذا أخفت الحكومة تفاصيل رسالة “الوصاية المالية” التي وقعها الشاهد والعيّاري؟
هذا هو كل المقالات لماذا أخفت الحكومة تفاصيل رسالة “الوصاية المالية” التي وقعها الشاهد والعيّاري؟ هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال لماذا أخفت الحكومة تفاصيل رسالة “الوصاية المالية” التي وقعها الشاهد والعيّاري؟ عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2019/01/blog-post_687.html
0 Response to "لماذا أخفت الحكومة تفاصيل رسالة “الوصاية المالية” التي وقعها الشاهد والعيّاري؟"
إرسال تعليق