عنوان: التطبيع العربي مع دمشق أمام ساعة الحقيقة توفيق المديني
حلقة الوصل : التطبيع العربي مع دمشق أمام ساعة الحقيقة توفيق المديني
التطبيع العربي مع دمشق أمام ساعة الحقيقة توفيق المديني
بعد مرور قرابة ثماني سنوات على الحرب في سورية التي بدأت عقب الاحتجاجات الشعبية في بداية سنة2011،و جعلت من سورية ساحة للصراع بين أطراف إقليمية ودولية، نتج عنها مئات الآلاف من الضحايا،وملايين المصابين،والنازحين،واللاجئين،وتدمير العديدمن المدن والأحياء في محافظات دمشق،وحلب ، وحمص،وغيرها، أثبتت الدولة الوطنية السورية قدرة كبيرة على البقاء والاستمرار.
فقد سعى أعداء هذه الدولة ومعارضوها المحليون، والإقليميون، والدوليون لأسباب متباينة، إلى القضاء على هذه الدولة، وتغيير النمط الذي حافظت عليه منذ الاستقلال عن فرنسا.وكان الكثيرون قد توقعوا انهيار الدولة السورية سريعاً، مع تحالف قوى ضم أطرافاً محلية وإقليمية، ودولية فاعلة ومؤثرة. وإذا كان بعض المحللين يَرُّدُونَ عدم السقوط إلى الدعم الإقليمي والدولي (من روسيا الاتحادية وإيران) فإنّ معارضي النظام قد تلقوا منذ اللحظة الأولى دعمًاهائلاً من قوى عربية، ومن تركيا والقوى الغربية.
بعدمرور ثماني سنوات من هجرة العرب لعروبتهم،وعودتهم إلى الإنتماء للنزعات القبليةوالعشائرية والطائفية والمذهبية،وانخراطهم في الحروب العربية- العربية ذات الطابع الطائفي و المذهبي ضمن سياق المقولة الرائجةأن العرب هم في معظم الأحيان أسوأ عدو لأنفسهم،وبعد مرور ثماني سنوات من الحرب الكونية على الدولة الوطنية السورية،والصعود المباغت للتنظيمات الجهادية والإرهابية على غرار"داعش" و"جبهة النصرة"و"القاعدة" وممارستها الإغواء لأكثر أشكال التطرف دموية على الشباب العربي الذي يعاني الإحباط واليأس داخل البلدان العربية،تعيش المنطقة حالة من التمزق بفعل الحروب المنتشرة في كل من سورية واليمن وليبيا،والتي أصبحت فيها الدول مهددة بالانهيار.
وبعد أن انتصر محور المقاومة في سورية،وتصميم الدولةالوطنيةالسورية على استكمال سيطرتها على ما تبقى من مناطق خارجة عن نطاق السيادة الوطنية لا سيما في منطقة شرق الفرات ،وأجزاء من إدلب،والعمل على إعادة النازحين والبناء والإعمار ضمن عملية سياسية متكاملة،وبعدأن ضرب قرار الانسحاب الأميركي كل الرهانات على إمكانية تحقيق أي انتصار على محور المقاومة الذي ضرب في العمق الإستراتيجية الأمريكية التي بدا عليها التخبط الواضح خلال الأسابيع والأشهر الماضية على خلفية التقدم والسيطرة للدولة السورية على كامل الجغرافيا السورية، بعد انهيار واندحار المجموعات الإرهابية التي تمثل أدوات وأذرع الولايات المتحدة . إذ إنه عندما تكمل أمريكا انسحابها من مناطق شرق الفرات، فإنها بذلك ستكون قد تحوّلت إلى طرف هامشي بدون أي فاعلية، سوى المساومة على ورقة إعادة الإعمار، وهو أمر غير مضمون بدوره مع شخص مثل رئيس الإدارة الأميركية، دونالد ترامب، الذي يتبدل ويتغير في كل لحظة، وبعد أن تخلت تركياعن أهدافها الأساسية لجهة إسقاط النظام في سورية، إلى درجة أنها باتت تسير في سياسة التوافق التي كرستها مؤتمرات أستانة بين أنقرة وموسكووطهران لحل الأزمة السورية ، وحصرت أولوياتها في إطار محاربة حزب العمال الكردستاني، ومنع تشكيله قاعدة تجميع وإنطلاق في سورية، لما لذلك من تأثير على الأمن القومي التركي ،ويبدوأن تركيا باتت مقتنعة بمراعاة مصالحها الاقتصادية من السوق السورية،التي تعود عليها بالمنفعة. فهاهو الكاتب والخبير العسكري الإسرائيلي عامي روحكس دومبا،عن المركز الإسرائيلي لأبحاث الاستخبارات ومعلومات الإرهاب، يقول أن "المعطيات المتوفرة تشير إلى أن تركيا وسعت بصورة جوهرية من نشاطاتها الاقتصادية في سورية خلال العقد الأخير على حساب إيران، فالصادرات الإيرانية إلى سورية غير القائمة على النفط تراجعت في العقد الأخير من 377 مليون دولار سنويا إلى 172 مليون دولار سنويا".وأوضح أن "تركيا زادت من صادراتها إلى سورية بصورة حيوية ولافتة، وتحولت لتصبح الدولة المصدرة الكبرى في العالم إلى سورية، بما يساوي 1.3 مليار دولار في السنة، وفي حين أن نسبة التأثير الإيراني في السوق السورية يصل إلى 3% فقط، فإن نصيب تركيا في السوق السوري ارتفع من 9% عام 2010 ليصل إلى 24% في عام 2017".
وبعدكل هذه التطورات ، اقتنعت الأطراف العربية لا سيما الدول الخليجية،بأن واشنطن لم تعد معنية بتغيير النظام في سورية ، وبالتالي لم يبق لها من خيار سوى العودةإلى طرق أبواب دمشق قلب العروبة النابض، والقيام بالتطبيع مع الدولةالوطنية السورية.فمفهوم العروبة يضم في طياته قوة غير مألوفة تقود نشر المكتسبات الثقافية خارج الحدود الوطنية،ومن ضمنها اللغة العربية المشتركة، وتوزيع مواصفات سياسية من وراء ظهور أنظمة الحكم المعنية.
زيارة الرئيس السوداني
ضمن هذا السياق التاريخي،جاءت زيارة الرئيس عمر حسن البشير إلى دمشق،لتكسرحالة العداء أوالجفاء أو الحياد، التي طبعت العلاقات بين العديد من الدول العربية وسورية، إذيعتبر اللقاء الرسمي السوري –السوداني في دمشق هوأول اجتماع على هذا المستوى بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس دولةعربية ، والحال هذه رئيس دولة السودان عمر حسن البشير. فقد أكد الرئيسان الأسد والبشير خلال المحادثات أن الظروف والأزمات التي تمر بها العديد من الدول العربية تستلزم إيجاد مقاربات جديدة للعمل العربي تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وهذا بدوره كفيل بتحسين العلاقات العربية العربية بما يخدم مصلحة الشعب العربي.
وجاءت زيارة السوداني إلى دمشق، في ظل سقوط النظام الإقليمي العربي إلى قاع البئر منذ الغزو الأميركي للعراق في سنة 2003، وفي ظل تزايد الأهمية الإستراتيجية لأقليم الشرق الأوسط في الإستراتيجيات الكونية و الإقليمية، وفي ضوء اللعبة الكبرى المسماة لعبة ملء الفراغ، من أجل الوصول إلى اتفاقات كبرى تتيح تثبيت توازنات جديدة،عبر صراعات ضارية، وعبر بعث نيران كثيرة خامدة، وذلك حتى تستقر التوازنات الجديدة الآخذة بالنشوء،وتقتنع الأطراف المتراجعة،وكذلك المتقدمة كل بدوره. وهي لحظة تبدو بمنطق المقايسة والمشابهة كما مرحلة الخمسينات، حين كان لابدّ من ملء الفراغ الناشئ عن تراجع الدور الإمبراطوري البريطاني، عن طريق تقدم الدور الأميركي، كما جاء في مبدأ أيزنهاور "ملء الفراغ". فكان أن شهدت المنطقة اضطراباً عظيماً في تلك الفترة.
زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى دمشق،الذي تعامل بحياد سلبي مع الأزمة السورية،ولم يقطع العلاقات الديبلوماسية مع دمشق،بل فتح أبواب السودان لاستقبال السوريين على اختلاف توجهاتهم السياسية ،ومنح الجنسية لألاف السوريين المقيمين على أرض السودان،جاءت في ظل تراجع الدور الأميركي بعد فشل الإستراتيجية الأميركية في إدارة الصراعات الإقليمية في كل من العراق وسورية لتأسيس نمط من تقسيم المنطقة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية بين كيانات متناحرة ،يستنزف بعضها بعضا،ولا يمكن لأي منها الانتصار أو الهيمنة، بما يخفض أي تهديد بالنسبة للكيان الصهيوني .غير أنّه في ظل هزيمة هذا المخطط الأميركي –الصهيوني لإسقاط الدولة السورية، وتحقيق مشهد التقسيم لسورية، بالاعتماد على القوى الطائفية والمذهبية الذي ثبت أن خطر التطرف الذي تفرزه بات يُصِيبُ بنيران الإرهاب مختلف بقاع الأرض بلا استثناء، ويُهَدِدُّ بصعود تيارات يمينية فاشية ، في الدول الغربية الأوروبية والأميركية،أصبحت المعضلة الرئيسية التي تتجلى أمام الولايات المتحدة الأميركية تتمثل في بناء نظام أمني تعددي، يخضع في الوقت عينه لإدارة أميركية معقدة ومتوازنة،ولكن الخلافات المتكررة بين الموقف الروسي من الأزمةالسورية والمخطط الأميركي في سورية،يطرح إشكالية حقيقية حول إمكانية نجاح الولايات المتحدة الأميركية في مثل هذا النظام الأمني،خاصة في ظل طموحات روسيا لبناء نظام دولي تعددي.
ماكان لزيارة الرئيس عمر حسن البشير أن تتم لدمشق ،من دون التنسيق مع المملكة السعودية، التي قدمت الدعم المادي و العسكري للحركات الجهادية المعارضة للنظام السوري، وحيث شارك الرئيس السوداني بقوة عسكرية في التحالف السعودي –الإماراتي الذي يخوض الحرب ضد الحوثيين في اليمن منذ ثلاث سنوات، وطرد جميع البعثات الديبلوماسية الإيرانية من الخرطوم .ومن الواضح أن الرئيس عمر البشير كان يحمل رسالةخليجية إلى الرئيس السوري بشار الأسد مفادها، أن الدول الخليجية، لا سيما السعودية والإمارات ، مستعدة لفتح سفاراتها في دمشق ، مقابل تخفيف سورية من علاقاتها مع إيران .وعلى الرغم من أن المملكة السعودية وإيران لم يتواجها عسكريا على نحو مباشر، فإنهما أسهمتا في تقسيم إقليم الشرق الأوسط إلى معسكرين مسلحين على أسس أيديولوجية، طائفية،ومذهبية،وأثنية، وبعبارة أخرى دفع الصراع التنافسي بين الدولتين إلى توظيف الأدوات الأديولوجية والطائفية داخل الدول الأخرى بالإقليم، لا سيما تلك التي تأثرت بالإحتجاجات الشعبية في 2011.
زيارةالبشير إلى دمشق ، جاءت في سياق انتقال ميزان القوى الإقليمي بشكل متزايد لصالح دول الحزام الشمالي في الشرق الأوسط، حيث يتحول ميزان القوى لصالح تركيا وإيران وروسيا، وأفول قوة الحزام الجنوبي، بالمقارنة مع قوة دول الحزام الشمالي، وأساس هذا يعود إلى انهيار الدور المصري، بحيث لم يعد أحد يحسب له حساباً تقريباً. وقد بدأ هذا الانهيار منذ وقت طويل، لكنه اتخذ في السنوات الأخيرة طابعاً دراماتيكياً،وتفجر العراق ونهايته كقوة إقليمية، أو كقوة يمكن لها أن تنهض لتصبح قوة إقليمية من جديد بعد الغزو والاحتلال الأميركي،وتسارع وتيرة أزمة النظام السعودي بعد جريمة عدنان الخاشقجي، حيث لم يعد للمحمور السعودي ذلك التأثير على السياسة الأميركية في المنطقة العربية، وهو الأمر الذي كان الرئيس البشير يعول عليه لتحسين علاقة السودان مع أميركا.كما أن الأحوال في السودان لا تبشر بخير ، في ضوء الأزمة الاقتصادية التي يعيشها،حيث لم تتدفق الاستثمارات السعودية والأميركيةإلى السودان، كما كان متوقعا.
وفي ضوء خيبة الأمل الاقتصادية التي كان ينتظرها السودان من السعودية وأميركا، قام الرئيس البشير باستدارة كبيرة في علاقاته معهما لأنهما لم يقدما له شيئًا ملموسًا على صعيدالاستثمالارات المالية في البنية التحتية الزراعية ، فحسم خياراته الجديدة ، لجهة تطويرعلاقات السودان الاستراتيجية مع روسيا ، حيث قال الرئيس البشير من قلب موسكو بعد استقباله من قبل الرئيس بوتين في أواخر العام الماضي: "إنّ ما يحصل اليوم في سوريا هو نتيجة التدخل الأمريكي، ولا تسوية سياسية من دون الرئيس السوري بشار الأسد".كما لاقي الرئيس السوداني ترحيبًا كبيرًا في زيارته الأخيرة لبيلاروسيا حليفة روسيا، وأبرم معها اتفاقيات كبيرة.
ورغم أنّ زيارة الرئيس البشير إلى دمشق ، تأتي في سياق حملة التطبيع الجارية على قدم وساق بين الكيان الصهيوني و الدول الخليجية والإفريقية ، فإنّ بعض المحللين يعتبرونها بمنزلة الردِّعلى تصريحات صادرة من أوساط صهيونية عن أن السودان ستكون إحدى الدول التي سيزورها نتانياهو مستقبلاً. وكان نتانياهو قد زار أواخر أكتوبر 2018سلطنة عمان في أول زيارة رسمية معلنة لدولة خليجية لا تربطها علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني.
ومهما يكن من أمر، فإن زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق،ليست منفصلة عن التحولات في مواقف الدول الخليجية،والإقليمية،والدولية،من الأزمة السورية، فهاهو وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو يعرب في كلمة ألقاها الشهر الماضي في منتدى الدوحة الثامن عشر عن استعداد أنقرة للنظر في إمكانية التعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد في حال أعيد انتخابه بانتخابات ديمقراطية ذات مصداقية.
اللقاء بين رئيسا المخابرات المصرية والأمن الوطني السوري
في خطوة تعد الأولى من نوعها، التقى رئيس جهاز المخابرات العامة المصري اللواء عباس كامل، في القاهرة، بأحد أبرز المسؤولين في الدولة الوطنية السورية ، وهو اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني وذلك في مقر الجهاز بمنطقة كوبري القبة في القاهرةيوم23كانون الأول 2018.وتأتي الزيارة بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس السوداني عمر البشير العاصمة السورية دمشق.وتقول المصادر المصرية المقربةمنصصناعة القرار، إن زيارة علي مملوك تضمنت تبادُل رسائل وصفتها المصادر بـ"الإقليمية"، لافتة إلى أن "من بين ما جرى التباحث بشأنه هو البحث عن صيغة لإشراك سورية في القمة العربية المقبلة على مقعد سورية"، كما تضمن اللقاء، بحسب المصادر، "نقل رسائل سعودية إلى الأسد بشأن ترتيبات المرحلة القادمة".
وأوضحت المصادر أن التحالف الرباعي، الذي يضم كلا من مصر والسعودية والإمارات والبحرين، يرغب في توسيع قنوات الاتصالات مع الدولة السورية ، بادعاء تضييق مساحات الحركة الإيرانية في دمشق، لافتة في الوقت ذاته إلى أن "انفتاحا سعوديا ستشهده المنطقة على الأزمة السورية".
وأكدت المصادر أن "كافة التحركات في الوقت الراهن ليست ببعيدة عن مجموعة اتفاقات سياسية وإقليمية جرت على ضوء الأزمة التي تمر بها السعودية في أعقاب مقتل الصحافي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، وتورُّط الأمير محمد بن سلمان ولي العهد بشكل مباشر في تلك الجريمة".ويذكر في هذا الصددأن علي مملوك قام بزيارة غير معلنة إلى القاهرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، التقى خلالها عددا من المسؤولين الأمنيين المصريين، وتم وقتها الاتفاق على تنسيق المواقف سياسيا بين الدولتين السورية و المصرية .
الزيارة المرتقبة للرئيس الموريتاني
بعدزيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى دمشق في شهر كانون الأول 2018، هاهورئيس دولة عربيةأخرى ، والحالة هذه رئيس مورريتانيا ، محمد ولد عبد العزيز، سيقوم بزيارة رسمية لىسورية تستغرق يومين ،قبل منتصف يناير/كانون الثاني الجاري،ت ليكون بذلك ثاني رئيس عربي، بعد السوداني ، يزور دمشق، ويلتقي رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد .وتقول بعض المصادر الخليجية أن زيارة الرئيس الموريتاني تأتي بإيعاز من دولة الإمارات، حيث سيزور الرئيس محمد ولدعبد العزيز دمشق قبل مشاركته في القمة الاقتصادية والاجتماعية المقررة في بيروت بين السادس عشر والعشرين من الشهر الحالي، حسب المصدر نفسه.علمًا أن موريتانيا احتفظت بعلاقتها الدبلوماسية مع الدولة الوطنية السورية
منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في عام 2011 ولغاية اليوم، وكان لديها سفير مقيم في دمشق، قبل أن ينتقل منها للإقامة في لبنان، ثم الأردن، بفعل تزايد الظروف الأمنية بسبب الحرب السورية. ويرى مراقبون أن زيارة الرئيس الموريتاني إلى سورية تدخل ضمن التقارب العربي مع سورية الذي تقوده دولة الإمارات.ولا تزال أوساط داخل جامعة الدول العربية تُنكر وجود نية لدى النظام العربي الرسمي بدعوة الرئيس بشار الأسد إلى القمة العربية المقررة بتونس في مارس/آذار المقبل.
التطبيع بين تونس وسورية
كل الإشارات باتت تؤكد أن نهاية 2018 تشهد شيئا فشيئا انفراجا في الأزمة السورية.. طبعا لن يعني ذلك اختفاء كل الجماعات المسلحة نهائيا وزوال مظاهر الخراب والدمار التي لحقت بسوريا والتي ستحتاج أكثر من 400 ملياردولار لإعادة بناء ما هدمته الحرب.. ففي نهاية عام 2018 حطت طائرة "أجنحة الشام" في أول رحلة طيران قادمة من دمشق إلى مدينة المنستير منذ أوائل عام 2011, و قد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا مثيرا بين التونسيين ترحيبا بالحدث .مائة وخمسون سائحا سوريا اختاروا قضاء عطلة نهاية العام في أحضان تونس اذ ورغم القطيعة الديبلوماسية التي استمرت سبع سنوات بين البلدين فإنها لم تمتد الى التونسيين والسوريين الذين تتجاوز علاقاتهم الإنسانية كل الحدود الجغرافية والخلافات الحكومية..
وعلى الرغم من هذه المبادرة المهمة للوفد السياحي السوري الذي حملته "أجنحة الشام" إلى مطار المنستير ،والتي لاقت ترحابًا كبيرًا من الشعب التونسي ،و تفاعلاً إيجابيًا جدًا من مكونات المجتمع المدني ،فإنً رئيس الدولة التونسية الباجي قائد السبسي مطالب باتخاذ قرار سيادي وطني شجاع غير خاضع للضغوطات الدولية والإقليمية ، لإعادة العلاقات الديبلوماسية كاملة مع سورية مع مطلع 2019،وتعيين سفير تونسي جديد في دمشق ، وتوجيه الدعوة بشكل رسمي للرئيس بشار الأسد لكي يحضر أعمال القمة العربية الثلاثين التي ستعقد في تونس في أواخر شهر مارس المقبل.كما أن على الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي سيحضر القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الرابعة التي ستلتئم يومي 19 و20 كانون الثاني /جانفي 2019 بالعاصمة اللبنانية بيروت،التحلي بالإرادة السياسية ،لكي يقتلع قرار عودة سورية إلى احتلال مقعدها في جامعة الدول العربية، بالتنسيق مع من يقاسمه نفس الإرادة من قادة الدول العربية الذين سيجتمعون في قمة بيروت ، وليس أثناء القمة العربية المنتظرة في تونس حتى تتسنى دعوة سورية إليها، كما أشار إلى ذلك وزير الشؤون الخارجية التونسية،مستندأ في ذلك إلى الخطوات التي اتخذتها بعض الدول الخليجية لفتح سفاراتها في العاصمةالسورية دمشق، ومبادرات التطبيع العربية مع سورية التي تتم في العلن وفي السرّ.
التطبيع الخليجي مع سورية
يعتقد المحللون المتابعون لمسار التطبيع العربي مع دمشق ،أنه لا وجود للصدفة في لعبة المصالح السياسية المتحولة في منطقة متأججة تعيش منذ نحو عقدين على مشاريع حروب بالوكالة لا تكاد تنتهي الا لتنتهي.. وقد لا تكون الصدفة وحدها شاءت أن تتزامن هذه العودة مع إعلان الإمارات ثم البحرين بدورهما افتتاح سفارتها في دمشق بعد سبع سنوات من الغياب.فضلاً عن إعلان المملكة السعودية عن أوسع تعديل وزاري في المملكة أزاح وزير الخارجية عادل الجبير الذي كان يردد كلما خرج للإعلام انه لا مجال لبقاء الأسد في السلطة ...غادر الجبير كما غادر آخرون من قبل وبقي الأسد.. والمثير أن وزير الخارجية السعودي الوافد الجديد على العالم الديبلوماسية يعد من رجال المال المتنفذين في المملكة ويبدو أنه كان بين قائمة رجال الأعمال الذين اعتقلهم ولي العهد في فندق الريتز بتهمة الفساد قبل أن يقع تبرئته ويبدو أيضا أن علاقاته بالأمريكيين متميزة ..
وبعد يوم على إعلان ترامب سحب قواته من هذا البلد، كتب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب
، في تغريدة نشرها على حسابه بموقع "تويتر": "وافقت المملكة العربية السعودية الآن على إنفاق الأموال اللازمة للمساعدة في إعادة إعمار سورية بدلاً من الولايات المتحدة".وأضاف: "أترون؟ أليس من الجيد أن تقوم الدول فاحشة الثراء بالمساعدة في إعادة إعمار جيرانها بدلًا من دولة عظمى، الولايات المتحدة، التي تبعد 5 آلاف ميل.. شكرًا للسعودية".ولم يصدر أي تعليق فوري من السلطات السعودية بشأن ما أعلنه ترامب حول إعادة إعمار سورية.. وتأكيده أيضا استعداد السعودية إعادة أعمار هذا البلد وهي مسألة ليست بمنأى أيضا عن التحولات المتسارعة والمثيرة التي تعيش على وقعها المنطقة.. بالتأكيد أن دول عديدة بما في ذلك الدول الأوروبية لم تشأ إغلاق سفاراتها في دمشق مع بداية الأزمة السورية.
الخاتمة
المحللون المتابعون لأوضاع المنطقة، يعتقدون أنه في ظل تراجع الريع النفطي ،وصعود الحركات القومية العربية وانهيارهابسبب عدم قدرتها على أن تستوعب داخل منظومتها الفكرية الأقليات العرقية والثقافية،ولجوئها إلى تحطيم الحدودبين الدول العربية أكثرإلى الفصل بين السلطات، وهزيمة المخطط الأمريكي –الصهيونيى –الخليجي –التركي في الحرب الكونيةعلى سورية ، الذي كان يريد تفتيت سورية إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية،وتجريد سورية من هوية العروبة التي تجمع كل مكونات المجتمع السوري وتتيح الدفاع عن أرضها،ونزع صفة "العربية" في الجمهورية السورية والجيش العربي السوري ،علمًا أن الهوية العربية السورية كانت رِحبة ومُتسامحة ولاتزال،ولو كانت "عنصرية" لما بقيت في سورية إثنيات وقوميات أخرى غير العربية، يمثل درسًا مفيدًا للحاضر،يمكن أن يزيد في مساحة الأمل في إمكانية التوصل إلى صيغة تسويةٍ للمسألة السورية التي طال أمدها، تفسح في المجال لإعادة بناء الدولة الوطنية السورية ، تضمن هامشا ديمقراطيا مدنيا مقبولا، والدفع بالبلد إلى حال الاستقرار، وكذلك أن تدفع المصالح المشتركة بين الدول العربية إلى تحقيق مزيد من التكامل الاقتصادي، في زمن أصبح فيه العالم العربي يواجه تراجع العائدات النفطية ، الأمر الذي يحثه على الاعتماد على الذات،لأن معظم المشاريع الإقليمية والدولية لا مصلحةاستراتيجية لها في إعادة بناء نظام إقليمي عربي فاعل،بل تستهدف استبدال سيطرة بسيطرة أخرى بديلة.
ومع ذلك،في ظل غياب زعامةعربية قادرة على إنجاز تسويات بين نظرائها، حيث لعبت مصر هذا الدور في السابق لكنها الآن لم تعدتمثل المركز السياسي والثقافي للمنطقة، أما المملكة السعودية فهي بارزة بثروتها أكثر من بروزها بالقدرة على تزعم جيرانها، تبقى سورية تحتاج إلى "تسويةٍ تاريخيةٍ"، تضمن وحدة البلاد وحرية المواطن،إضافة إلى إعادة بناء المشروع القومي العربي الذي تشكل فيه العروبة الجديدة المؤمنة ببناء دولة المواطنة ،ودولة الحق والقانون القائمة على المؤسسات، العمود الفقري لما يمكن أن يسمى المجال العام الإقليمي حيث تنتقل الأفكار والصور و الأخبار بحرية داخل المجتمعات العربية ، لا سيما عن طريق وسائل الإعلام و شبكات التواصل الاجتماعي، لتهيئة الظروف المثالية لإعادة تسجيل مشروع التكامل الإقليمي على جدول أعمال الدول العربية.
وهكذا المادة التطبيع العربي مع دمشق أمام ساعة الحقيقة توفيق المديني
هذا هو كل المقالات التطبيع العربي مع دمشق أمام ساعة الحقيقة توفيق المديني هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال التطبيع العربي مع دمشق أمام ساعة الحقيقة توفيق المديني عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2019/01/blog-post_51.html
0 Response to "التطبيع العربي مع دمشق أمام ساعة الحقيقة توفيق المديني"
إرسال تعليق