عنوان: مناهضة التطبيع.. أم المعارك في تونس سفيان بنحسن
حلقة الوصل : مناهضة التطبيع.. أم المعارك في تونس سفيان بنحسن
مناهضة التطبيع.. أم المعارك في تونس سفيان بنحسن
تحدثنا الميثولوجيا الإغريقية عن عقاب إلاهي أزلي أنزله كبير الآلهة على سيزيف الماكر يقضي بأن يرفع صخرة كبيرة على كتفيه من سفح الجبل إلى قمته، وفي اللحظة التي يعتقد فيها أنه قد وصل إلى مبتغاه تتدحرج الصخرة إلى الوادي السحيق فيعيد الكرة لتستمر محاولاته العقيمة إلى الأبد مسطرة رحلة عذاب لا تنتهي لسيزيف جزاء مكره وخداعه وخيانته، والعذاب هنا يتجاوز مفهومه الجسدي إلى الشعور المستمر بالفشل الذريع. وربما تشاء الأقدار أن تتكرر معاناة سيزيف كل يوم مع دعاة التطبيع في بلدي تونس فيتجرعون من كأس الفشل والهزيمة مرارا وتكرارا وفي اللحظة التي يعتقدون أنهم قد نجحوا في تسويق أفكارهم الموبوءة تثبت لهم الجماهير أن لها ثأرا مع كيان العدو لا يسقط بالتقادم فيعودون إلى مربعهم الأول أو إلى سفح الجبل.
على المستوى الرسمي ورغم عدم وجود سفارة للكيان الصهيوني في تونس إلا أن العلاقة بين النظامين قد بدأت مع سنوات النكبة الأولى وتحديدا سنة 51 حين طلب ممثل الحبيب بورقيبة آنذاك الباهي لدغم من الوفد الصهيوني في الأمم المتحدة دعم مطلب تونس في الإستقلال من ربقة الإحتلال الفرنسي، وتكررت بعد سنة 56 اللقاءات مع السفير الصهيوني بفرنسا يعقوب تسور بهدف وضع أسس العلاقة السرية بين نظام بورقيبة وبين العصابة الصهيونية، ويمكن القول إن أولى الثمار السياسية للتطبيع السري قد خرجت إلى العلن مع خطاب بورقيبة الشهير في أريحا سنة 65 والذي دعا فيه صراحة إلى قبول حل التقسيم متحديا الإجماع العربي الذي كان قائما آنذاك ليثبت للغرب والأمريكان قدرته على قيادة تيار جديد داخل الأنظمة العربية يؤسس لتطبيع شامل بينها وبين كيان الإحتلال، وفي اللحظة التي إعتقد فيها بورقيبة أنه قد تمكن حمل صخرة سيزيف إلى قمة الجبل تندلع الحرب سنة 67 ويخرج الشارع التونسي رافعا صور عبدالناصر وتعج طوابير المتطوعين بالشباب التونسي الثائر لتعصف معركة النكسة على مرارتها بأحلام المطبعين ولتضعهم أمام حقيقة أنهم منفصلون عن جماهيرهم وأن لغة المفاوضات الوحيدة التي يطالب بها شباب هذه البلاد مع الكيان الصهيوني هي لغة أزيز الرصاص التي لا يفهم المحتل سواها. وبدهائه المعهود أدرك بورقيبة أن عليه الإنحناء أمام العاصفة فأبرق إلى عبد الناصر رغم مرور عام على القطيعة بين البلدين مؤكدا له وقوف تونس بكل إمكانياتها مع دول المواجهة في هذه المعركة.
لم يكن بورقيبة سوى رجل براغماتي مستعد لتبني كل الوسائل في سبيل الوصول لغايته المنشودة، وكان يدرك أن الكفة مائلة لصالح الكيان الصهيوني في معاركه مع العرب وهو المدعوم بشكل مطلق من الولايات المتحدة ومن أوروبا كما أيقن أن التقرب من الولايات المتحدة يمر وجوبا عبر خطب ود الدولة العبرية وزاد على ذلك تبني بورقيبة ورفاقه لنظرية “القومية التونسية” التي تجلت في كتابات وأفكار السياسي التونسي علي البلهوان صاحب كتاب “نحن أمة” وهو ما يعني السعي للنأي بتونس بعيدا عن الأمتين العربية والإسلامية، وإن كان البعض يصف اليوم خطاب أريحا بأنه دليل على واقعية الرجل فإن السواد الأعظم في الشارع العربي لم يتقبل إلى اليوم فكرة وجود دولة يهودية على أنقاض دولة عربية لا زال أهلها في الشتات.
ولأن الشعب التونسي كان يقف دوما بالمرصاد في وجه آلة التطبيع فقد إستمر بتقديم قوافل الشهداء في سبيل فلسطين وكان حاضرا بقوة في كل المعارك وفي حروب الإستنزاف وفي دعم الفصائل المقاتلة وهو ما عرقل وصول صخرة سيزيف إلى مستقرها في قمة الجبل ومهد الطريق أمام إستقبال قادة حركة التحرير الفلسطينية الهاربين من نار الفتنة في لبنان، وجدير بالذكر أن تونس قد تربعت آنذاك على عرش الدبلوماسية العربية إثر إتفاق كامب ديفيد وإنتقال مقر الجامعة إليها وأن بورقيبة قد أثبت أنه أكثر دهاء من السادات وأنه يستشرف ردة الفعل الشعبية فيتماهى معها بدهاء نادر، ولو أننا نعتقد اليوم أن إبعاد القيادة عن جوار الأرض المغتصبة قد مثل مصلحة للجميع بإستثناء الشعب الفلسطيني وهو ما شكل النواة الأولى لجيل من السياسيين الفلسطينيين الذين يركنون إلى الأمن ويهجرون السلاح ويدينون حامله.
دعاة التطبيع اليوم من حملة الأفكار الهجينة بين فرنسية وقُطْرية ضيقة يتناسون قوافل الشهداء الذين قدمتهم هذه البلاد والذين نذكر منهم بكثير من الإعتزاز ميلود ناجح نومة بطل عملية الطائرات الشراعية سنة 87 وعمران الكيلاني الذي قاد عملية نوعية إنتقاما لإنتهاك السيادة التونسية ولإغتيال أبو جهاد في تونس وعمر قطاط وصالح الجلاصي وأخيرا محمد الزواري وغيرهم من الأبطال الذين نفاخر بهم بين الأمم، كما يتناسى المطبعون مجزرة الساق الخشبية التي راح ضحيتها العشرات من التونسيين والفلسطينيين إثر غارة صهيونية جبانة على أحياء سكنية في تونس، ربما تسقط هذه الأحداث من ذاكرتهم لكنها يقينا تزيد من تشبثنا بوحدة الدم التي سطرت العلاقة بين الفلسطيني وبين التونسي، وتزيد من إيماننا بأن للمعركة وجها آخر وساحة وغى بعيدة عن صوت الرصاص في الأراضي المحتلة قد يحمل فيها العدو أقنعة عدة بين ثقافي ورياضي وسياحي محاولا التغلغل داخل المجتمع وقد يسعى لإستغلال المنابر المفتوحة بعد الثورة لفرض مآربه وطرحها كرأي آخر مخالف يحق له الظهور بلا خجل أو حياء.
ومع سقوط قناع الشراكة المتوسطية وبروز حقيقتها السافرة بكونها بوابة التطبيع مع العدو إتخذ النظام الرسمي في البلاد من موسم حج اليهود إلى الغريبة التونسية ذريعة للإعتراف بجوازات السفر الصهيونية بتعلة حرية التعبد التي حرم منها الفلسطيني مع هدم عشرات أو مئات المساجد في حيفا ويافا واللد والناصرة والنقب وغيرها، كما باتت المهرجانات الصيفية وسيلة الإنسلاخيين في دس سم التطبيع بإستضافتهم لأسماء عرف عنها إما إنتماؤها التام للدولة العبرية أو مساندتها المطلقة لسياساتها العنصرية، لكن ما يبعث على التفاؤل هو أن هذا الوباء لم ينجح في الإنتقال من القيادات السياسية المتعاقبة إلى الجماهير التي دفعت من دمائها ضريبة بروز الكيان الصهيوني.
للتطبيع الرسمي في تونس جذور تمتد بإمتداد عمر الكيان الصهيوني، وللمقاومة الشعبية جذور أكثر ثباتا وإن كان ممثلو بعض الأحزاب قد أعلنوا صراحة دعمهم للتطبيع الكامل مع العدو واصفين الصراع بأنه بين طرفين أجنبيين فإننا نعتقد من خلال قراءتنا للتاريخ أن هذه الأحزاب قد أمضت على وثيقة وفاتها السياسي. نحن وإن لم يعترف قادتنا بذلك نعتبر في حالة حرب مع الكيان المعتدي، والتحجج بتطبيع السلطة الفلسطينية مع العدو وبأننا لسنا ملكيين أكثر من الملك مردود على أصحابه فمواقفنا لا تبنى على الموقف الرسمي الفلسطيني بل على تاريخ هذا الكيان الدموي في كل الأقطار العربية ولو إعترف العالم بأسره بهذه الدولة السرطانية ولو رمزا في قرية فستظل كيانا لقيطا لا يجد لنفسه مستقرا في الوعي العربي.
وهكذا المادة مناهضة التطبيع.. أم المعارك في تونس سفيان بنحسن
هذا هو كل المقالات مناهضة التطبيع.. أم المعارك في تونس سفيان بنحسن هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال مناهضة التطبيع.. أم المعارك في تونس سفيان بنحسن عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2018/11/blog-post_85.html
0 Response to "مناهضة التطبيع.. أم المعارك في تونس سفيان بنحسن"
إرسال تعليق