عنوان: مقال كتبه الدّكتور سالم لبيض في جريدة الوطن بعد رحيل الفقيد المناضل محمّد لعراض:
حلقة الوصل : مقال كتبه الدّكتور سالم لبيض في جريدة الوطن بعد رحيل الفقيد المناضل محمّد لعراض:
مقال كتبه الدّكتور سالم لبيض في جريدة الوطن بعد رحيل الفقيد المناضل محمّد لعراض:

محمّد لعراض إلى رحمة الله الواسعة
إلى رحمة الله الواسعة التي لا تضاهيها رحمة. رحل محمّد لعراض اختارته المنيّة مبكّرا و هو في أوج العطاء.هكذا هم الرّجال المعطاؤون، يحترقون لكي يضيئوا ظلام الآخرين. كانت آخر كلماته عندما عدته بمناسبة عيد الفطر أنّ المرض لم يسعفه لكي يتمّ الجزء الثّاني من مقال حول الهجرة السريّة و الحرقان و معاناة الذّات الإنسانيّة كان قد نشر جزءه الأوّل في جريدة الوطن.
همّ لم يتوقّف يوما أو ليلة. إنّه همّ الجماعة التي انتمى إليها، لم يكن يفرّق بين عائلته الصّغيرة و حيّه و بلدته، مدينته، موطنه، جرجيس و وطنه و أمّته. إنّها عبقريّة الاختزال و الاستبطان و التفرّد و التّجميع. إنّها الخصوصيّة و العموميّة و التنوّع و الوحدة.
لقد نذر محمّد لعراض لأولئك جميعاحياته و مماته. فقضايا أسرته في العيش الكريم رزقا و دراسة و صحّة و عملا ما كانت لتختلف لديه عن قضايا أسرة في شرق وطنه الذي آمن به أو في غربه و ما كان له غير ذلك، فهو لم يبخل بالمال و الدّم و المتاع حملها بنفسه إلى أسر العراق الجريح.
لقد تشكّلت شخصيّة محمّد لعراض و أخذت ملامحها في مدينته جرجيس التي آمن بها و دافع عنها و لكنّ آفاق تلك الشّخصيّة امتدّت إلى مساحات شاسعة من موريتانيا غربا إلى الجزيرة العربيّة شرقا. تعلّم محمّد لعراض القيم الإنسانيّة الأصيلة التي راكمتها تجربة أمّته الحضاريّة. دافع عن الحريّة و العزّة و الكرامة. دافع عن الحقّ في الحياة. دافع عن المروءة و الاستقامة و اليد النّظيفة. لم يكن يعادي أو يسالم لأمر خاصّ به، فميزانه الذي يزن به الأشياء هو الشّأن العامّ و قضايا الأمّة. لم ير في قضايا الأفراد من حوله إلاّ مدخلا للاعتناء بالشّأن العامّ.
لا أريد أن أقول إنّ محمّد لعراض كان قوميّا عربيّا بامتياز فذلكشرف لا يختلف حوله عاقلان. و لكن أريد القول إنّ عروبته و قوميّته التي آمن بها و منحها حياته لم تكن عروبة و قوميّة الصّالونات و الأرائك و الامتيازات الماديّة و المعنويّة.
إنّها عروبة النّضال المستمرّ في الشّوارع. فصوته الجهوري لا يزال يرنّ في الآذان و اللاّفتات التي رفعها مازالت مبتلّة بعرق يديه الطّاهرة.
من كان يزايد على محمّد لعراض في إيمانه بفلسطين التي سجن لأجلها في أحداث صبرا و شاتيلا سنة 1982 و بالعراق و بوحدة الأمّة العربيّة و في تبنّيه لتلك القضايا العريقة الأصيلة، حتّى أنّ ما يرمز إليهما من صور الزّعماء أمثال عبدالنّاصر و صدّام حسين و من خرائط كان حاضرا في أدقّ حميميّاته من حاملة مفاتيحه إلى جدران غرف منزله.
لا أريد أن أقول إنّ محمّد لعراض كان مسلما متميّزا و لكن أريد القول إنّ إسلامه كان عميقا في ذاته فلم يشعر يوما بغربة بين إيمانه و سلوكه السّياسي و غير السّياسي. إنّي أراه يغادر المجالس على اختلافها بشرا و جدلا لينحو منحى المسجد مؤدّيا الصّلاة في وقتها، إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. لم يختلف إسلام محمّد لعراض عن عروبته فقد كانا شيئا واحدا متّحدا في ذاته اقتداءً برموز الفكر و الإصلاح في مغرب الوطن و مشرقه.
كان محمّد لعراض يدرك المزالق التي تحيط بعروبته و إسلامه و ما يرسمه آخرون من مخطّطات لتشويه تلك المستويات من الانتماء و الهويّة. كان وسطيّا تنويريّا طامحًا إلى تكريس سلطة العقل في ظلّ انتشار قيم الشعوذة و سلطة المشعوذين و التديّن الشكليّ المفتقد للمعنى خالي الوفاض.
لا أريد أن أقول إنّ محمّد لعراض كان وطنيّا نظيف الوطنيّة مترجما ذلك إلى برامج سياسيّة و إلى نشاطات حزبيّة مركزيّة و محليّة في ظلّ الحركة القوميّة العربيّة التقدّميّة التي ساهم في تأسيسها في تونس أو في ظلّ حزبه الذي اختار، الإتّحاد الدّيمقراطي الوحدوي. لكن أريد القول إنّه كان مؤمنا بالديمقراطيّة فكرا و ممارسة و ما تقضيه من اختلاف و تنوّع و مشاركة و تداول إيمانا لا يرتقي إليه شكّ. مارس ذلك في صفوف حزبه و اختاره اختيارا واعيا في مؤسّسات الدّولة التي دافع عنها مكسبا في ظلّ هيمنة إستراتيجيّة التّفكيك و التّفتيت الأمريكيّة الصّنع.
لا أريد القول إنّ محمّد لعراض كان نقابيّا متمرّسا آمن بالعمل النّقابي ممارسة متجدّدة لا تنضب. و لكن أودّ القول أنّه لم يكن غافلا عن آلام الشرائح الاجتماعيّة المهمّشة و المفقّرة فهي دوما آلامه الخاصّة. لقد تدرّج في المواقع النّقابيّة المحليّة و الجهويّة دون أن يغريه مال أو جاه أو نفوذ. إنّ العمل النّقابيّ كان جزءا لا يتجزّأ من وطنيّته النّظيفة فهو خرّيج مدرسة حشّاد التي لا تفصل النّقابيّ عن الوطنيّ و السّياسيّ.
لا أريد أن أقول إنّ محمّد لعراض كان مدرّسا متميّزا في المعاهد الثانويّة للغته لغة قومه و أمّته. و لكن أريد القول أنّ مهنة التّدريس و التّعليم كانت تشكّل جزءا من نفسه و روحه و جسده، قضّى السّاعات و الأيّام الطّوال في خدمتها على أحسن وجه. كانت لغته وعاءا لفكره المتّقد و ضميره الحيّ. كانت مسؤوليّة مزدوجة فاللّغة التي درّسها ليست لغة أمّته فقط و إنّما هي لغة القرآن كتاب الله المقدّس فهي مجتباه لكي تأخذ صفة التّقديس. لقد كان يدرك أنّ لغته، لغة أمّته تعيش محنة ما كان له ليتركها وحيدة في محنتها.
لا أريد القول أنّ محمّد لعراض كان خرّيج اختصاص علم الاجتماع التّخصّص العريق الذي يعود إلى القرن الرّابع عشر الميلادي بنفحاته الخلدونيّة و لكن أودّ القول إنّ هذا العلم قد علّم لعراض - و على خلاف كثر اكتفوا بالارتزاق - كيف ذصنع من مناهجه و نظريّاته وسائل مثلى لفهم الواقع و مواجهته بسلاح النّقد البنّاء. لم تكن مرحلة عابرة فقد كان محمّد وجها بارزا من وجوه حركة الطّلاّب و أحد المؤسّسين لتيّار عريق من تيّارات الحركة الطلاّبيّة التونسيّة هو "الطّلبة العرب التّقدّميون الوحدويّون"
نهاية أريد أن أقول إنّ محمّد لعراض هو علامة مضيئة في التّاريخ المحليّ لجرجيس و التّاريخ الوطنيّ لتونس و تاريخ الأمّة برمّتها. فقد كان يدرك أنّ القضايا التي انطفأت روحه دفاعا عنها تستدعي نضال أجيال منها أبناء من صلبه و منهم شباب لم يلدهم و إنّما ورّثهم فكره المتجدّد.
عاش محمّد لعراض مناضلا و مات مناضلا و لم ينحن إلاّ لله الواحد الأحد. جموع غفيرة تعدّ بالآلاف من أصدقائه و إخوته و زملائه و رفاق دربه و كلّ الذين أحبّوه من أبناء جرجيس شيّعته إلى مثواه الأخير متدثّرا بعلمي تونس و فلسطين. مشهد يحيل على تشييع جثامين شهداء فلسطين في القطاع و الضفّة، فهو اشتراك في الشّهادة لا محالة.
فإلى رحمة الله الواسعة و إلى جنانه و فراديسه الخالدة و إنّا لله و إنّا إليه راجعون و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله.
وهكذا المادة مقال كتبه الدّكتور سالم لبيض في جريدة الوطن بعد رحيل الفقيد المناضل محمّد لعراض:
هذا هو كل المقالات مقال كتبه الدّكتور سالم لبيض في جريدة الوطن بعد رحيل الفقيد المناضل محمّد لعراض: هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال مقال كتبه الدّكتور سالم لبيض في جريدة الوطن بعد رحيل الفقيد المناضل محمّد لعراض: عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2018/10/blog-post_658.html
0 Response to "مقال كتبه الدّكتور سالم لبيض في جريدة الوطن بعد رحيل الفقيد المناضل محمّد لعراض:"
إرسال تعليق