انتخابات 2019 وتسونامي الأحزاب بتونس بقلم سالم الحداد

انتخابات 2019 وتسونامي الأحزاب بتونس بقلم سالم الحداد - مرحبا أصدقاء ليس سرا مرة أخرى, في هذه المادة تقرأ هذه المرة مع العنوان انتخابات 2019 وتسونامي الأحزاب بتونس بقلم سالم الحداد, لقد أعددنا هذا المقال لك القراءة واسترجاع المعلومات فيه. نأمل أن محتويات الإعلانات المادة آخر الأخبار، نصائح صحية، والصحة، والرياضة, ونحن نكتب لكم يمكن أن نفهم. حسنا، قراءة سعيدة.

عنوان: انتخابات 2019 وتسونامي الأحزاب بتونس بقلم سالم الحداد
حلقة الوصل : انتخابات 2019 وتسونامي الأحزاب بتونس بقلم سالم الحداد

اقرأ أيضا


انتخابات 2019 وتسونامي الأحزاب بتونس بقلم سالم الحداد



                    
   المصطلح والدلالة /  الظاهرة /الأسباب/  الانتظارات؟
I   ـــ المصطلح والدلالة
 أولا   ـــ البحث عن المصطلح
قبل أن أكتب هذه المقاربة حول مسلسل انهيار احزابنا  يوما بعد  يوم وبسرعة لافتة بحثت في القاموس السياسي والاجتماعي والثقافي عن مصطلح يكون عنوانا معبرا ومختزلا لحالة الارباك والفوضي التي تعاني منها، فلم اهتد ، لكن المآسي التي عاشها الوطن القبلي نتيجة غزارة الأمطار أسعفتني بمصطلح مستمد من علم الجغرافيا ألا وهو تسوناميفما دلالة هذا اللفظ وما علاقته بوضعية الأحزاب ببلادنا ؟ فيم يتمثل هذا الانهيار؟ بماذا نعلل هذه الظاهرة ؟ هل هناك أمل لانبعاث أحزاب سليمة ناضجة  تدرك الواقع الجديد وتعرف كيف تتعاطى معه؟ وهي  متحررة من كوابيس النرجسية والأطماع والخوف من الآخر ومنفتحة على ما وفرته الثورة من حرية وثقة بالآخر وعمل جماعي؟
ثانيا ــ المفهوم الجغرافي لتسونامي

تسونامي كلمة يابانيّة تتكوّن من مَقطعينتسوالميناء، ونامي =الموجة؛ أمواج الميناءوهذا المصطلح مرتبط بحادثة خروج بحارة يابانيين لصيد السمك بعد أن تركوا عدة أشياء على الميناء وعند عودتهم وجدوا الأمواج العاتية قد دمرتهاوهي نتيجة لحدوث الزلازل والبراكين والتفجيرات النووية وتتراوح سرعتها بين 500 و700كم في الساعة وارتفاعها 40 م وتكون نتائجها مدمرة للإنسان وللطبيعة.ذاك هو المفهوم العلمي لكلمة تسونامي فما علاقته بالمشهد الحزبي بتونس؟
ثالثا ـــ المشهد الحزبي مع الثورة  : طفرة حزبية ضد الاحتكار والكبت
كانت التعددية الحزبية زمن الاستبداد والفساد مطلبا نضاليا لكل الفعاليات الوطنية باعتباره عنوانا للديمقراطية وللحرية.مع الثورة شهدت تونس طفرة من التنظيمات الحزبية تجاوزت المائتين وهو عدد مهول بالنسبة لسكان تونس الذين لا يتجازون 12 مليونا أي بمعدل حزب لكل 60 الف نسمةوقد أتى ردة فعل عن حالة الاحتكار السياسي التي مارسها النظام القامع للحريات من ناحية و تعبيرا عن رغبة ملحة في الحرية وإثبات الوجود ، لكن الأغلبية الساحقة من الاحزاب تبخرت ولم تسجل حضورها بالمشهد السياسي وبالبرلمان سوى عشرة منها، وحتى هذه فإنها تراوحت بين الثبات والتحوّل بل والتحول السريع مما اربك الساحة السياسية وافقدها توازنها فاثّر سلبا في الوضع الاجتماعي والاقتصادي.  أين يتجلى ذلك؟
IIـــ  الظاهرة : تسونامي الأحزاب
يتجلى التسونامي الحزبي من خلال انخرام الأوضاع السياسية والاجتماعبة والذي أفضى إلى اهتزاز ثقة المواطن ليس في الأحزاب الحاكمة فحسب بل في الطبقة السياسية برمتها، وهذا ما دفع وزير الدفاع إلى إطلاق تصريح خطير حُمل على أنه تهديد مبطن حيث  قال <<إن الانخرامات السياسية الموجودة في تونس منذ سبع سنوات، أدت إلى الانخرامات التي تشهدها البلاد أمنيا واقتصاديا واجتماعيا وتسببت في مقتل العسكريين، وسيأتي اليوم الذي سيحاسب فيه الشعب السياسيين على كل هذا>> 
هذا التصريح استفزّ العديد من الفعاليات الوطنية بما في ذلك قائد الجيش  مع الثورة رشيد عمار الذي  سبق له أن رفض طلبا تقدم به بعض وزراء ابن على لتدخل الجيش، رد على وزير الدفاع قائلا :<< إن من يدعون المؤسسة العسكرية إلى إصدار بيان رقم 1 للانقلاب على المسار الديمقراطي هم أناس غير مسؤولين...إن المكان الطبيعي للجيش هو في الثكنات، من الضروري أن تبقى المؤسسة العسكرية بعيدة عن السياسة ..إن تونس دولة مدنية ونظامها جمهوري وقد حدثت فيها ثورة وليس انتفاضة نتج عنها مسار ديمقراطي يجب تدعيمه >>
هذا الانخرام السياسي بدا واضحا في العديد من الأحزاب، لكني سأتناول حزبين فقط: حزب في الحكم أثّر بصفة مباشرة  في إرباك  الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وآخر في المعارضة أعطى صورة غير سليمة عن الحياة السياسية، لكن ليس له تأثير فيما عدا  ذلك. أين يتجلى ذلك؟
أولا ـــ النداء ومسلسل الانهيار

مع انتخابات2014 عادت الثورة المضادة لتحكم تونس من جديد بآلية قديمة جديدة هي حزب النداء وهو النسخة الرابعة للحزب الحر الدستوري الديوان السياسي، الحزب الاشتراكي الدستوري ، التجمع الديمقراطي الدستوري وحزب النداء ، وقد تولى هذا الحزب  رئاسة الجمهورية ، رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة، وكان الاعتقاد أن الانتماء لنفس الحزب سيوفر للسلطة الانسجام والتآلف مما يساعدها على انجاز مشاريعها دون عراقيل. غير أنه طوال أربع سنوات لم يستطع أن يقدم أي انجاز يطمئن الشعب على حاضره ومستقبله، بل إنه ما زال غارقا في وحل صراعات التموقع في السلطة استعدادا لانتخابات 2019 .فقد تطاير إلى خمس شظايا:حزب المشروع،حزب تونس أولا ، حزب بني وطني وحزب المستقبل، وكلها تحاول أن تفتك  نصيبها من مخزون الحزب الدستوري الذي احتكرالسلطة ولوّث الحياة السياسية، ولم يقم بأي مراجعة لتقييم مساره السياسي.أما المؤسسون الأصليون له ــ باستثناء الرئيس ــ فقد دخلوا عالم النسيان يجترون أحلام اليقظة وهم  يرون أنفسهم مهمشين، بعد أن وقع التخلص منهم الواحد تلو الآخر، ليفسحوا المجال  للصراع بين قابيل وهابيل. هكذا صارت تونس تعيش حالة من الفوضى السياسية التي لم تنحصر في الصراعات بين قيادات هذا الحزب بل امتدت إلى السلطة التنفيذية الحاكمة التي  انقسمت على نفسها، فرئيس الحكومة الشاهد  تمرّد على رئيس الجمهورية الباجي الذي اختاره لهذه المهمة، بعد أن تخلص من رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد ، لا لكفاءته او لنضاليته بل اعتقادا منه أنه أشد ولاء ولا يخرج من بيت الطاعة . وبعد أن تشظى الحزب الداعم  للسلطة التنفيذية  انشطر نوابه في البرلمان بين داعم لرئيس الحكومة وداعم لرئيس الدولة وابنه ، ووصلت العدوى إلى إطارات الحزب مركزيا وجهويا .ثم دخلت النهضة على الخط  وانهت تحالفها مع هذا الحزب حسب ما اعلنه رئيس الدولة، لتقدم دعمها لرئيس الحكومة متعللة بالمحافظة على الاستقرار الحكومي.وينسحب هذا التبعثرعلى العديد من الأحزاب الأخرى مثل حزب المشروع ،حزب أفاق ،الوطني الحر ،الجمهوري التكتل وأخيرا حزب الحراك الذي أصابته لعنة التشرذم حتى ولو كان في المعارضة.

 ثانيا ـــ حزب المؤتمر/ الحراك

تأسس هذا الحزب قبل الثورة 2001 حاملاعنوان<<حزب المؤتمرمن أجل الجمهورية>> في ايام الجمر وسنوات الصدام مع منظومة الاستبداد والفساد وضم العديد من المناضلين وترأسه  الناشط الحقوقي منصف المرزوقي الذي تميز بجرأته وأخذه القرارات المفاجئة غير المحسوبة احيانا رغم صدقه. وهذه أهم نقيصة في سلوكه السياسي، وكانت مدخلا لكل الطعون التي وجهت إليه.والأخطر من ذلك أن هذه المواقف غير المحسوبة جعلت القوى الدولية  النافذة لا تطمئن إليه وبحثت عن بدائل أخرى من الثورة المضادة مثل الباجي والشاهد وتعاونت في تمرير مخططاتها مع قيادات النهضة.
هذا السلوك الفردي أدى إلى ردود فعل رافضة أفضت إلى تشرذم الحزب الذي أفرز3 أحزاب : التيار الديمقراطي( محمد عبو) الإقلاع( المرحوم الطاهر هميلة ) وفاء (عبد الرؤوف العيادي) . غير أن نتائج انتخابات 2014  ــ التي تنافس فيها المرزوقي مع الباجي في الدورة الثانية وتحصل فيها على نتائج مشجعة رغم تفاوت الإمكانيات ــ أعطت املا جديدا في الانتصار .فعمل على إعادة تقييم تجربته السياسية وبالتحديد إعادة صياغة الآلة الحزبية . وقد برزت مجموعة من المفكرين الجامعيين الذين تعاونوا لوضع أرضية جديدة تقوم على تدارك نقائص الاحزاب المتواجدة بالساحة ،ولعل النقطة المحورية في المشروع الحزبي الجديد هي كيف نخرج بالتونسي من الرعية إلى المواطنة، ومن السكون إلى الحراك.  ولتحقيق هذه الأهداف تأسس "حزب حراك تونس الإرادة" في شهر ديسمبر 2015 ورغم هذا التحول في الرؤية  لبناء الحزب الجديد، فإن مناضليه وبالتحديد العديد من إطاراته المثقفة، لم يروا في سلوك الرئيس ما يعكس مقررات الحزب التي تؤكد على القيادة الجماعيةفاستقالوا.ومما جاء في بيان الاستقالة <<"بالرغم من مشروعية الطموحات الرئاسية للسيد رئيس الحزب، فإن التركيز على ذلك وإهمال الحزب، والوقوف أمام أية إصلاحات عميقة داخله ترسخ الالتزام بلوائحه وخطه السياسي كحزب ديمقراطي اجتماعي معارض، وعدم الاستعداد للنقد الذاتي، قد أفقد الحزب شخصيته السياسية وجعل اهتمام قيادته بالتشريعيات مجرد سفسطة لا يؤكدها أي عمل ميداني>> فانسلخ منه اكثر من 80 إطارا فأصابه ما أصاب حزب النداء من تشرذم رغم اختلاف المواقع، لكنه لم يؤثر في الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
IIIـــ أسباب السونامي السياسي
أولا ـــ الفوضى إفراز طبيعي للثورة
إن فوضى الحياة السياسية ــ لمن تابعوا الثورات العالمية ــ أمر طبيعي، يكون نتيجة لارتخاء قبضة سلطة الدولة واختلال موازين القوى وبروز فاعليات جديدة عديمة المعرفة بالحكم وآلياته فتسود الضبابية ، فلا نرى المستقبل كيف يجب أن يكون،وتعمّ  الحيرة ويعود الخوف ليسكن المواطنين بل يأخذهم الحنين إلى الماضي  إلى السلطة الابوية بكل سيئاتها فتنهار منظومة القيم النضالية المحركة وتضيع الأهداف الثورية فيسقط الجميع في التصرف العشوائي، في الفعل ورد الفعل ، لحماية الذات الفردية أو الجماعية، ولا تستقيم الأوضاع إلا بعد حيز زمني من تجربة الخطأ والصواب تنضج فيها الحياة السياسية فتستعيد الدولة مكانتها في قلوب المواطنبن.
ثانيا ـــ الصراع  العقائدي : أولوية التناقضات ؟ الرئيسية والثانوية
عاشت تونس وضعا يكاد يكون غريبا بين الثورات التاريخية ، خلق لديها  بعد الثورة ضبابا كثيفا حجب عنها الرؤية فعطل مسيرتها، يتمثل في اختيار صعب بين أولويتين:هل الأولوية بعد الثورة للصراع الأيديولوجي وتحديدا بين الإسلام السياسي واليسار؟ أم للصراع بين الثورة والثورة المضادة، والذي يعني تصفية منظومة الاستبداد والفساد والحيلولة دون عودتها ثم خوض معركة الصراع الإيديولوحي ؟ في هذا الظرف الصعب لا يستطيع اليسار أن يخوض معركتين متزامنتين وقد سكنه خوف شديد من تغول النهضة فتحالف مع الثورة المضادة حتى انتهى الأمر إلى عودة منظومة الاستبداد والفساد التي مازالت متوغلة في الدولة العميقة فاختارت التحالف مع النهضة بتشجيع من القوى العالمية النافذة حفاظا على مصالحها وهُمّش اليسار.وبالرغم من محاولته الجادة في جمع الشتات فإنه لم يفلح، لكنه لا يستطيع العودة إلى الوراء. أما القوميون ـ عموما  ورغم الجرح النازف ـ فقد اختاروا الثورة والتي تحتّم ترك نفس المسافة  من الإسلام السياسي  والثورة المضادة ، لأنهم أدركوا أن تصفية المناضلين تتنزل ضمن مخطط دولي.  وهو خيار أشد صعوبة لكنه الخيار التاريخي حتى لا تسود الضبابية ولا يتعطل المسار الثوري.وهو ما تعيشه تونس اليوم.إن هذا الصراع مازال مهيمنا على الساحة السياسية بعد 8 سنوات من الثورة، وقد أثير من جديد بعد أن أعلنت لجنة الدفاع عن الشهيدين أنها اكتشفت معطيات جديدة تتعلق بحيازة النهضة على تنظيم خاص سري بقيادة مصطفى بن خذرأحد مجموعة براكة الساحل، قد يكون هو من يقف وراء الاغتيالين.والواقع أنه من الصعب الوصول إلى حقائق في ظل التجاذبات المتواصلة، لكن يمكن التأكيد على بعض المعطيات المقنعة لا اليقينية.
1 ـــ إن الثورة هي ثالث عطاء قدمته تونس لشعبها ولأمتها وللإنسانية : عطاء قرطاج الدستوري ، عطاء القيروان الحضاري وعطاء ثورة الحرية والكرامة ولا يمكن اختزالها في تصفية حساب عقائدية. وعملية اغتيال الشهيدين ليست إلا محاولة لاغتيال الثورة وإجهاضها في عقردارها،ولا يمكن أن تكون إلا من صنع المستفيدين على المستوى الوطني والإقليمي والدولي. ذاك هو منطق التاريخ.
2 ـــ قد يكون مصطفي خذر، وقد يكون التنظيم الخاص ،وقد تكون النهضة،هي التي نفذت عملية الاغتيال، غير أن هذا الطرح اختزال مخل وتبخيس للثورة، فالاغتيال هو عملية مخابراتية  دولية بامتياز تهدف إلى اغتيال الثورة من خلال إرباك الوضع السياسي عبر اغتيالهما. فهل كان الحلف الأطلسي وفرنسا بالتحديد مرتاحة للثورة التي أخرجت تونس من حديقتها الخلفية؟ ألم تعلن عن استعدادها لقمعها في القصرين ؟ ألم تتحدث  العديد من المصادر عن ضلوع المخابرات الفرنسية بإيعاز من الرئيس الفرنسي هولندHOLAND،  ألم تكن الأنظمة الإقليمة رافضة للثورة منذ أن اندلعت شرارتها الأولى؟ فلماذا نبخس ثورتنا ونحوّل تصفية الشهيدين هو ثمرة لصراع عقائدي؟
3  ـــ إن عملية الاغتيال صفحة من تاريخ الثورة مفتوحة على الحاضر وعلى المستقبل وهي قابلة للمراجعة على ضوء ما يظهر من معلومات أو وثائق تدين أو تبرئ، وما قدمته لجنة الدفاع عن الشهيدين من معطيات جديدة حول التنظيم الخاص جدير بأن يُؤخذ بعين الاعتبار لإعادة النظر في هذه القضية التي لا تتعلق بالشهيدين فحسب بل بالثورة وبالوطن، ولا يمكن أن نتغافل عن الفعاليات الإقليمية والدولية الرافضة للثورة التي كانت ومازالت تلهب الحرائق في كل أرجاء الوطن العربي للقضاء عليها.إن أي تكتم عن الحقيقة مهما كان الفاعل هو جريمة تاريخية كما وقع مع اغتيال حشاد حيث كانت التهمة ــ إلى عهد قريب ــ تُوجه إلى اليد الحمراء إلى أن شهد شاهد من أهلها أنها جريمة دولة حاكتها وأشرفت على تنفيذها  المخابرات  الفرنسية.
4 ــ إن التنظيم الخاص معروف لدى الإخوان المسلمين منذ أربعينات القرن الماضي، اغتال رئيس الوزراء المصري النقراشي سنة 1949 واستنكر صنيعه المرشد المؤسس حسن البنا، وقال عن أنصاره قولته الشهيرة<< لا هم مسلمون ولاهم إخوان >>، واتُّهم التنظيم أيضا بمحاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر  1954 في منشية البكري ، وينسب إليه انقلاب الاخوان في السودان بقيادة عمر البشير، وفي تونس تحدث الدكتور المنصف بن سالم في كتاب "سنوات الجمر" عن اختراقه للمؤسسة  العسكرية والأمنية فأعدّ المحاولة الانقلابية ل8 نوفمر1987 التي قطع الطريق أمامها انقلاب 7 نوفمبر، لكن وقع غظ ّالنظر عنها قبل الثورة وبعدها، وتعهد الباجي بكشف الحقيقة ولم يكشفها ، وأخيرا تعلن لجنة الدفاع عن الشهيدين أنها اكتشفت وثائق جديدة، قد تكون داخل الغرفة السوداء  وقد تكون خارجها، لكن من الأكيد أنها ليست صدفة ، فهناك جهاز خاص هو الذي يتحكم في مصير الوثائق تخفيا وتجليا ، وقد سبق للأمني عصام الدردوري رئيس منظمة الأمن والمواطن أن اتهم النهضة بالتورط في قضية الامن الموازي وفي تسفير الإرهابيين لسوريا،فهذه القضية صارت مسلسلا متتابع الحلقات، ولا بد أن تنجلي الحقيقة، لكن الخوف كل الخوف أن يقع توظيف قضية الشهيدين النبيلة وقودا لمعركة رخيصة.
والغريب أن النهضة سقطت في نفس لعبة الصراع الإيديولوجي وصارت تخبط خبط عشواء فاتهمت القوميين واليسار عموما بممارسة العنف لتغيير الأنظمة أو لدعمها واستحضرت كتيبة محمد البراهمي في سوريا  والهجوم على مدينة قفصة الذي أعدته الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس(جقتتت) بتعاون مع النظام الليبي والجزائري في 27 جانقي 1980 بعد عامين من مجزرة 26 جانقي 1978، نعم إن كل أشكال العنف مرفوضة مهما كان مصدرها، لكن أليس الاستبداد والقمع وكبت الحريات وقطع الأرزاق  والإرهاب والتدمير هو مبرر لردود الفعل؟
إن هذا الصراع رغم مشروعيته ما زال يعطل  مسيرة الثورة التونسية ويشرذم فعالياتها الوطنية. فهل تملك أجهزة الدولة وأساسا الأمن والقضاء استقلالية  القرار لرفع الغبار عن هذا الجرح النازف وطمأنة الشعب؟
ثالثا ــ الأحزاب الليبرالية دكاكين  تجارية
تنتمي أغلب الأحزاب في تونس إلى التيار الليبرالي وترفع شعار الحداثة لكنه شعار لا علاقة له بالواقع فالكثير منها لا تفقه معنى الحداثة وتختزلها في الموضة، وميزة أحزاب التيار الليبرالي ـ عموما ـ أنها لا تحمل مشاريع أو رؤى استشرافية بل تتعامل مع الواقع المتحرك،ّ وهي أشبه بالحوانيت أو المغازات التي تؤثّث واجهاتها حسب العرض والطلب، وتعتبر الإيديولوجيا قيدا يكبّل حركتها ويمنعها من الانتشار والتوسع والتأقلم مع المستجدات، لذا لا تهتم  بتكوين المتحزبين استنادا  لمشاريعها . وهي أحزاب قد تكون صالحة للدول ذات الأوضاع المستقرة في خياراتها وفي مؤسساتها، وبهذا نفهم لماذا تبقى العديد من الدول ذات المؤسسات المستقرة  لعدة اشهر دون حكومات ،أما الدول التي تمرّ بتحولات عميقة مثل تونس فهي تعرقل مسيرتها وتشل حركتها وتهمش أهدافها.
 بالإضافة إلى تشطي  الأحزاب  فقد عرف المشهد  السياسي ظاهرتين خطيرتين هما: الظعن الحزبي  والكتل  البرلمانية. فأين يتجلى ذلك؟
 1  ــ الظعن السياسي أو السياحة الحزبية
الظعن في بوادينا هو الارتحال من الفضاءات الجدباء إلى الفضاءات الخصبة بحثا عن المرعى للمواشي، أما سياسيا فهو الانتقال من حزب  محدود الامكانيات إلى آخر ثري في السلطة أو قريب منها يهيئه للتموقع داخلها، وهو ما يطلق عليه بالسياحة الحزبية ، وهذا الظعن هو حق أقره الدستور باعتباره يتنزل ضمن الحريات الفردية، بما في ذلك حرية المعتقد وحرية الضمير.وأول فضاء للظعن كان العريضة الشعبية لمؤسسها الهاشمي الحامدي مع انتخابات المجلس التأسيسي، ولم يبق من نوابها البالغ عددهم 26 إلا عدد أصابع اليد الواحدة، فكلهم ارتحلوا بمقابل أو بدون مقابل، وكانت أول ظاهرة للفساد الحزبي. في المجلس التأسيسي لم يكن هناك وجود لأي نائب من النداء وبعد ثمانية أشهر من انتخاباتأكتوبر 2011شكل كتلة من 11 نائبا من الظاعنين عن أحزابهم طلبا للمال أو رغبة للتموقع في السلطة. .وبهؤلاء قنّن وجوده في المجلس التأسيسي في نوفمبر2012 دون أن يخوض الحملة الانتخابية،وفقدت العريضة مصداقيتها لدى ناخبيها بل أساءت للحياة السياسية ، ثم تتالت الانسحابات والالتحاق بالنداء. ومن أهم الأحزاب التي كانت عرضة للتفريغ أيضا هو المسار الذي تحوّل من الحزب الشيوعي إلى حزب التجديد إلى المسار،  فقد أمّد هذا الحزب  النداء بعدة كفاءات علمية وسياسية ثم وقع الاستغناء عنهم جملة وتفصيلا. والحزب الثاني هو الحزب الديمقراطي التقدمي الذي تحول الى الحزب  الجمهوري عند التحاق ياسين ابراهيم بما له من ثروة وطموحات، ولم يلبث ان انفصل عنه ليؤسس حزب افاق،وانشق عنه أيضا التحالف الديمقراطي، . والنائب الظاعن لا يختلف عن الجندي المرتزق أوالرياضي المحترف الذي يتحول إلى بضاعة في سوق الجمعيات الرياضية التي تساوم على  ابطالها.وتعود سهولة التنقل إلى عاملين أساسيين هما: التماثل في برامج الاحزاب  الليبرالية وإغراءات السلطة التي تسيل لعاب الشرهين الانتهازيين الذين يسعون للتموقع.وقد أساءت هذه الظاهرة إلى مصداقية  الظاعنين ومصداقية الأحزاب التي ظعنوا منها وإليها ، بل صار الاقتراع عملية عبثية، وهي من أهم أسباب العزوف عن الانتخابات.  وتعكس اهتزاز القيم الاخلاقية لدى الطبقة السياسية.
2 ـــ الانسحابات وتشكيل الكتل النيابية
يضم البرلمان  7كتل برلمانية: كتلة النهضة (68) كتلة الائتلاف الوطني (47) كتلة نداء تونس (43)كتلة الجبهة الشعبية(15)،الحرة لحركة مشروع تونس(15) الكتلة الديمقراطية (12) كتلة الولاء للوطن (10) غير المنتمين (12) .وهي أرقام غير ثابتة  يتحول أصحابها حسب أطماعهم وطموحاتهم.وتكمن خطورة هذه الكتل في عدم استقرار المشهد السياسي ،فالأحزاب تتعرض يوميا  إلى عملية استنزاف، فقد أصبحت  كتلة الائتلاف الوطني  تشكيلا جاذبا، ففي أيام معدودة تجاوزت الأربعين واستقطبت النازحين إليها من كتلة المشروع وآفاق والأغلبية كانت من النداء  لكن صفوفها تعززت بكتلة الوطني الحر التي انضمت بكاملها. وكان الهدف الوحيد  المعلن هو دعم استقرارالحكومة لكنهم سكتوا عن المآرب الأخرى ،فسليم الرياحي  المقاول المالي والسياسي  الذي التحق بالائتلاف ــ بمجرد أن رفع عنه الشاهد قرارحجر السفرــ عاد ليسجل انسحابه ويندمج  اسما ورسما  في حزب  النداء ـــ حيث كان الباجي أكثر سخاء، فوعده بإلغاء الحكم مرة واحدة وسلمه أمانة  الحزب  الحاكم  ،إن هؤلاء لا يحسنون التزحلق  على الصقيع  المتجمد  في جبال الألب فحسب، بل هم قادرون على التزحلق على كثبان  الرمان المتحركة في الربع الخالي.
 رابعا ـــ أحزاب المناولة
المناولة  اقتصاديا هي أن تتولى شركات صغرى تقديم خدمات  لشركات كبرى تتجنب الظهور في الصورة ــ مقابل مبالغ مالية وكذلك في الشأن السياسي ،فهناك لوبيات عالمية وأوروبية تتجنب السيطرة المباشرة على العالم الثالث فتوعز لبعض وكلائها  أو حرفائها من السياسيين المحليين  بتشكيل أحزاب سياسية تابعة لها تسوق للعولمة وللشركات العابرة للأوطان وللقارات،  وقد ظهرت في تونس عدة فعاليات لها شبكة من العلاقات الاقتصادية في أوروبا استغلت مناخ الحريات الذي وفرته الثورة لتتسلل للمشهد ولتنتصب كأحزاب سياسية مسقطة فازت بعدة مقاعد في البرلمان وصارت تناور على حقها في التموقع السياسي، ويمكن أن أشير إلى ثلاثة على الأقل:حزب آفاق لياسين أبراهيم ، بني وطني للعيادي والبديل للمهدي جمعة ولعل البعض مازال يذكر التهم المتبادلة بين ياسين إبراهيم والمعز بن غربية. فهذه الأحزاب هي ظل كثيف  للعولمة بكل أبعادها ولا علاقة بمعاناة الشعب ونضالاته الاجتماعية والحضارية وهي أقرب إلى الأعشاب الطفيلية التي تمتص ملح الأرض و لا تثمر إلا الشوك.
خامسا ـــ الموروث الحزبي: حزب الرئيس
إن أهم خاصية ميزت الاحزاب الليبرالية هي أنها بلا طعم ولا رائحة لفقدانها الهوية التي تتمايز بها، غير شخصية رئيسها، فهو الذي يؤسس ويشكل القيادة ويسيّر وقد يرفت أو ينتدب حسب مصلحته،فالرأي العام لا يعرف الحزب إلا من خلال الرئيس .وهذه ثقافة موروثة منذ النصف الأول من القرن العشرين، حزب الثعالبي أو حزب بورقيبة، لكنها ترسخت مع الاستقلال ، فقد كان بورقيبة يرفض إدخال أي إصلاح على الحزب الحر الدستوري الجديد يقلص من سلطته، وحجته دوما >>هذا حزبي<> . واستنادا لهذا المنطق صفُى القوميين أنصار صالح بن يوسف فالاشتراكيين أنصار أحمد بن صالح فالليبراليين أنصار أحمد المستيري ثم الدستوريين غير البورقيبيين، ووسائل الإعلام تبرر ما يفعل ، فمن حقه أن يفعل ذلك، فهو اب الاستقلال ومحرر المرأة وباني تونس ومسؤول عن مصيرها حيا وميتا، وعلى دربه سار ابن على، فقد أسس حزبا قديما جديدا التجمع الدستوري الديمقراطي، قديم في تواصل مع الأول حتى لا تضيع منه الآلة الحزبية، جديد بزعامة منقذ تونس ، صانع التغيير وصاحب المعجزة الاقتصادية.
فهذه الثقافة الحزبية هي التي انطلق منها مؤسسو الأحزاب بعد الثورة، فالحزب ليس فريق عمل يرسم الخطط ويضع البرامج ويحرص على إنجازها ويفعّلها مع الواقع بل هو أداة للحشد وللتسويق للرئيس ، والرأي العام لا يعرف الحزب برؤيته ومناهجه بل برئيسه . غير أن هذه الثقافة بدأت تتقلص فاعليتها، وهذا ما نلاحظه لدى حزب النداء فمكانة الباجي الرئيس المؤسس ورئيس الدولة لم توقف مسلسل انهيار حزبه  ، فقد بات واضحا لدى الندائيين ولدى الرأي ،  أن الرئيس انحاز لابنه حافظ المدير التنفيذي لحزب النداء على حساب رئيس الحكومة الشاهد الذي مازال يناور بدوره على حساب الحزب ورئيسه  بل على حساب الدولة ويوظف أجهزتها لحسابه الخاص. فهذا الحزب الذي اعتبره البعض سفينة انقاذ لم يلبث ان غرق بركابه وبقادته بل بربانه. والخطأ المركزي في هذا الفشل هو إشكالية  تكلّس القناعات رغم تحوّل الأوضاع، فثقافة الزعامة ــ التي أفرزتها مرحلة  التصحر والقمع ـــ مازالت متحكمة في قيادات أحزاب الثورة ، فهي أهم مرجعية في التفكير وفي التسيير، كما كانت شخصية المرزوقي الطاغية في حزب الحراك هي سبب إفراغ الحزب من أكثر من80 إطارا من إطاراته .أما نجيب الشابي الذي لم  تهجره السياسة ــ رغم ترهّله ــ فقد هجر حزبه بعد شعوره بالفراغ من حوله ليؤسس حزب "الحركة الديمقراطية"، والوحيد الذي ودع حزبه  "التكتل " دون رغبة في الزعامة هومصطفي بن جعفر.
سادسا ـــ  الانتخابات وانتظاراتها
فشل حزب النداء في حملتين انتخابيتين كانت الأولى بألمانيا التي فاز بها ياسين العياري على حساب مرشح النداء، وهو أقرب إلى التيار المحافظ ،وكانت هذه بداية اهتزاز الثقة بين النداء والنهضة التي اتهمت  بدعمه ثم جاءت الانتخابات البلدية التي كانت محرارا عاكسا لموقف عموم المواطنين من الفعاليات السياسية في السلطة وفي المعارضة. فقد عزف عن التصويت حوالي 65%  من الناخبين وصوت لفائدة القائمات 32% من البقية، وكانت النهضة رغم تقلص حجم شعبيتها هي التي فازت بالمرتبة الأولى على حساب الحزب الأغلبي في السلطة. أما المعارضة فقد نالتها اللعنة أيضا، ولم يتقدم في الانتخابات تقدما نسبيا غير التيار الديمقراطي وحركة الشعب.وكما كانت للانتخابات السابقة دورها في إرباك الوضع السياسي والاجتماعي، فإن الانتخابات التشريعية والرئاسة القادمة سيكون لها وقع أشد بما تحمله من طموحات وأطماع.وهي وراء الاستقطاب الجديد بين القصبة وقرطاج، فالشاهد ــ هذا الشاب المتمرد ــ بدأ يخطط لمستقبله السياسي منذ سنة على الأقل بل منذ أن افترس الأسد العجوز الثور الأبيض ،وكان يعمل على أربعة محاور:واحد خارجي هو الاتحاد الأوروبي وثلاثة أطراف داخلية:الاتحاد العام التونسي للشغل، النداء والنهضة.  نجح مع ثلاثة وفشل مع الاتحاد الذي سرعان ما تفطن إلى خيوط اللعبة مع الإعلان عن الاصلاحات الكبرى. فقد اصبح فرس الرهان للاتحاد الاوروبي لتمرير برنامج اليكا ALECA وتمتنت علاقته مع النهضة منذ ان تم توقيف قرار البرلمان بإنهاء مهمة  هيئة الحقيقة والكرامة. وأخيرا نجح في تفكيك حزب النداء. وكان يعمل بطريقة منهجية مستندا إلى فريق عمل ظاعن مثله في مجمله من الحزب الجمهوري سليل الحزب الديمقراطي التقدمي ، نواته الأولى تتكون من الشاهد والمهدي بن غربية وإياد الدهماني،وكان البعض يطلق على الأخيريْن <<ناكر ونكير>>.وفي اعتقادي إنه من الصعب جدا أن يواصل الشاهد السير في هذه الطريق اللزجة ذات المنزلقات والمنعرجات فالتحديات كثيرة ومنها:
 1ــ مناورات الأسد العجوز ساكن هضبة قرطاج
إن الأسد العجوز الرابض على هضبة قرطاج لا يمكن أن يغفر له تمرّده عليه، فقد خرج عما كان يعلنه من حياد التزاما بالدستور ،فالمعركة احتدت ويبدو أنه أدرك ان حافظ ليس مؤهلا لإدارتها لذا قررالنزول للحلبة ولو على حساب الدستور. ومن أوضح المؤشرات،أنه اعتبر المعركة ليست مع الشاهد بل مع النهضة لذا أكد البيان الحزبي الذي صدر بعد لقائه بالغنوشي << أن حكومة الشاهد هي حكومة النهضة وأن مرحلة الوفاق بينها وبين الرئيس انتهت >>وهو بذلك يضرب عصفورين بحجر واحد النهضة والشاهد، وليس من المستبعد أن يكون ذلك  مقدمة لإعادة مسرحية  الاستقطاب الثنائي لسنة 2014.إن هذا الموقف الرئاسي الحزبي اعتبره مدير ديوانه سليم العزابي تجاوزا له وربما مناقضا لحيادية الرئيس فاستقال مباشرة.
 2 ـــ إصرار الاتحاد على رفض إملاءات صندوق النقد الدولي
إن الاتحاد المؤتمن على لقمة عيش الشرائح الضعيفة لا يسمح  بتمرير برنامج الإصلاحات الكبرى الذي أملاه صندوق النقد الدولي للتفويت في القطاع العام، وقد بدأ حملته التحسيسة للإضراب في مؤسسات القطاع العام وقطاع الوظيفة العمومية.
3 ــ هشاشة حزام الشاهد
إن حزام الشاهد  الداعم "النداء" ارتخى وتبعثر ولا تستطيع الكتلة الائتلافية أن تشكل حزاما حزبيا بديلا، ففعاليتها لا تتجاوز أسوار"محلة باردو"وهي مرتهنة بيد المقاول المالي والسياسي سليم الرياحي المعروف بإتقانه لآليات السوق بما فيها من مزايدة ومناقصة أما مصطفى بن أحمد فرأسماله هو صدقه النقابي وقد اقتحم سوقا لا يملك آلياتها.
 4 ـــ النهضة سند غير ثابت
إن النهضة لا يمكن التعويل عليها كحليف استراتيجي، وقد أكدت التجارب السابقة أنها لا تراهن إلا على الطرف  الأقوى في الداخل وفي الخارج، وقد وضعت الشاهد أمام خيارين: الاستقالة والترشح للرئاسة  أو مواصلة الحكم والتخلى عن طموحه السياسي وقد يكون له خيار ثالث:مواصلة السلطة والترشح وهو حق دستوري. ومع  تصاعد الاحداث الضاغطة بدأت بوادر التراجع تلوح في الأفق، حيث كانت تذكّر بأن مساندتها للشاهد مشروطة . لذا  فالنهضة سند غير ثابت.
5 ــ الاتحاد الأوروبي حليف مرحلي
إن الطرف الوحيد الذي سيبقى داعما مرحليا له هو الاتحاد الأوروبي، ما لم يتوفر بديل عن الشاهد ، يرعى المصالح الأوروبية ويفي بالتعهدات، وقد يعدهم الباجي بتوفيره، خاصة بعد أن ارتفع رصيده لدى الرئيس الفرنسي  ماكرون الذي أشاد به في مؤتمر القمة الفرانكفونية بـأرمينيا واعتبره حداثيا يحارب الظلامية، وهي رسالة واضحة للنهضة وحتى لحليفها الشاهد. ومما جاء في الخطاب<< أحيي شجاعة الباجي قائد السبسي في تصديه لمحاولات قوى الرجعية والظلامية إلغاء حقوق المرأة وترهيبها ونجاحه في فرض عدة قوانين وتشريعات ثورية لفائدة المرأة تتعلق بالزواج والميراث والتعليم وعدة حريات أخرى... في الوقت الذي خاف فيه آخرون... لا تستسلموا، لا تستسلموا سنكون دائما معكم وسنستمر في الوقوف إلى جانبكم،أنتم قادمون من بلد نال استقلاله بفضل رئيس عظيم قام بتعليم النساء والرجال وتعليم البنات والبنين، أنتم قادمون من بلد يعد مثالا في الفضاء الفرانكفوني وفي الفضاء الإفريقي وهو محل فخر لنا >> وإذا استحضرنا قول ماكرون في شهرفيفري في هذه السنة بمجلس نواب الشعب مخاطبا الشعب التونسي وتحديدا الاسلاميين فإننا نتعجب من هذا التناقض الصارخ << لقد كذّبتم كل الذين قالوا إن الإسلام لا يتعايش مع الديمقراطية ،كذبتم الذين اعتقدوا أن الفصل بين الإسلام والسياسة مستحيل >> ولا ننسى أن ماكرون هو صاحب مشروع << إمام فرنسا الأكبر>> الذي استشار فيه يوسف الصديق ويعدّه حكيم القروي  ـــ مستشاره حاليا ومستشار ابن علي سابقا ــ لإبداع جديد لا علاقة له بالمرجيات التقليدية بما في ذلك الجذور الوطنية ، فالولاء هو أولا وأخيرا لفرنسا فكرا وانتماء.فكيف يسمح لنفسه كرئيس دولة( صديقة كما يروّج) أن يكون طرفا في التجاذابات التي نهضت أساسا حول إملاءات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والتشريعية؟ وقد سبق لكل رؤساء فرنسا  باستثناء ديغول أن عزفوا على نفس الوتر فأشادوا ببورقيبة وبالزين ودغدغواعواطف الحرْكيين من انصار التبعية السياسية والثقافية  متحدين إرادة  الشعب التونسي .تلك هي اهم الأسباب التي أدت إلى اضطراب المشهد السياسي وتحديدا الوضع الحزبي في تونس .
ولتفادي هذه الظاهرة قُدّمت بعض المقترحات لسن قانون  يفقد ــ بمقتضاه  ــ النائب عضويته في البرلمان عند الظعن  من حزب لآخر ، لأنه انتخب  ضمن قائمة حزبية، لكن المسالة في تقديري ليست سياسية فحسب بل هي ـ أساسا ـ أخلاقية وثقافية، فقليلا ما نجدها في الاحزاب العقائدية مثل الاسلاميين واليسار المتجذر والقوميين ، فالبناء العقائدي للمناضل يشكل كابحا يحول دون الظعن ويحميه من الانزلاقات المُخلّة. وحصيلة القول أن الساحة لم تفرز بعدُ ـ مع بعض الاستثناءات ــ الأحزاب الجديرة بالثورة وبانتظارات الشعب التونسي منها. فمعظمها إقصائي، لا يؤمن بالتعايش، وهو الشرط الواجب والكافي للحياة الديمقراطية. فهل ثمة امكانية لظهورأحزاب وطنية ديمقراطية متعايشة ومتنافسة قادرة على الفعل السياسي لحساب الوطن والأمة والإنسانية؟
IVــ  الاحزاب وانتظارات المستقبل
في تقديري إن التنظيمات السياسية  المتواجدة لا تستمد فكرها من الواقع الجديد الذي خلقته الثورة فهي مازالت أسيرة لأمرين:
 أولا ـــ تجربة الأحزاب الأوروبية
يمكن أن نلاحظ  من خلال التصنيفات، انطلاقا من مرجعية الأحزاب الأوروبية ومعاييرها فهي في معظمها إفراز لمرجعية الأممية الثانية في معاييرها على الأقل(1889-1916): يمينية ووسطية ويسارية،فالأحزاب اليمينية هي عنصرية أو ليبيرالية، والاحزاب الوسطية هي بين وسط اليمين ووسط اليسار، والأحزاب اليسارية هي بين  التحريفي والثوري، أو بين اليسار واليسراوي إلى غير ذلك من التقسيمات التي لا علاقة لها ببنيتنا الاجتماعية والثقافية.
ثانيا  ـــ تجربة الحزب البديل مع مرحلة الاستبداد والفساد
طوال أكثر من خمسة عقود عرفت تونس العديد من الأحزاب لكنها كلها تقريبا تعتبر نفسها  الحزب البديل ،عما هو موجود بالساحة سواء أكانت من السلطة أو المعارضة، ولنحفر قليلا في الذاكرة في أواخر الستينات وبداية السبعينات حتى نعرف مرجعيات مختلف الفصائل السياسية واليسارية منها بالتحديد، فهي تتراوح بين الماوية والتروتسكية والخوجية والبعثية والعصمتية، فكلها تعتبر نفسها البديل الثوري، أما الإسلام السياسي فيعتبر نفسه بديل البدائل ، بل يذهب بعضه إلى الحاكمية لله. ذاك هو الواقع فهل من تصور لملامح الاحزاب في المستقبل؟
ثالثا ــ النمط الحزبي المنتظر
إن أي محاولة لرسم  خارطة سياسية  لنوعية الأحزاب  التي ستكون ناجحة في تونس أو في أي قطر عربي آخر بعد الثورة محكوم عليها بالفشل، فلكل مرحلة تاريخية انتظاراتها  في تفاعل مع حاجيات المجتمع والتحولات العالمية، لكن يمكن الإشارة إلى بعض الملامح  التي  من المفترض أن تتوفر في الأحزاب ومنها:
1ـــ احترام إرادة الشعب
إن المعيار الأول الذي يجب أن يتوفر في الحزب هو مدى استعداده لاحترام إرادة الشعب فلا مجال لتجاوزها تحت أي مبرر آخر لا مرجعية دينية( الحاكمية لله) ولا الشرعية التاريخية التي غيبت الشعب ولا المرجعية التقدمية مهما كانت مثاليتها،  فصندوق الاقتراع بكل مساوئه هو الفيصل.
2ـــ عدم الإقصاء
إن احتكار السلطة وإقصاء الآخر من أهم عوامل الاهتزاز بين السلطة والشعب مما فسح المجال للعمل السري والتمرد المسلح والمحاولات الانقلابية ، وكل اشكال العنف التي سالت الدماء بغزارة وعبأت السجون وشردت المناضلين ودمرت الأسر فنفي وجود  الآخر والعمل الممنهج على تهميشه ،هو من أخطر أسباب الاحتقان وتوارث الأحقاد عبر الأجيال ومبررات اللجوء للأساليب غير الشرعية وغير القانونية للتغيير.
3ـــ   الإيمان بالتعايش
إن التعايش هو الدعامة الأولى التي تقوم عليها منظومة حقوق الإنسان فلا معنى للحرية والديمقراطية إذا لم نعرف كيف نتعايش  مع من يختلف عنا لونا ولغة وجنسا ودينا وثقافة، وهو مبدأ متأصل في حضارتنا العربية الإسلامية وهو سابق للمواثيق الدولية في العصر الحديث بقرون ، بداية من صحيفة الرسول في المدينة إلى العهدة العمرية في القدس إلى المجتمع الأندلسي وإلى ثراء تجربة المجتمع المدني بتونس، إلى مكونات المجتمع العربي مشرقا ومغربا بل إن وطننا العربي كان مثابة يلتجئ إليها كل الفارين من الإبادة الجماعية والتصفيات الدينية والعرقية بداية من اليهود والأرمن والشركس والغجروالبهائيين وغيرهم.هذا المبدأ يجب أن يكون قناعة بين الأحزاب وتربية متجذرة لدى المواطنين والشباب خاصة،فكرا وأخلاقا وسلوكا ليس بالقوانين بل بالتثقيف وبالتربية.
4   ـــ رفض التبعية  السياسية
لقد غيّر الاستعمار أسلوبه في الاستيلاء على العالم الثالث فتخلى عن الغزو  المباشر الذي له كلفة بشرية ومالية واستعاض عنه بمعاول هدم  قديمة جديدة  من الداخل، لكنها أكثر فاعلية غايتها واحدة وإن بدت مختلفة فالسلفية بنوعيها الدينية والحداثية، فالأولى  ــ التي يجسدها الإرهاب ــ تدمر ما بني من العمران ليتولى الحلف الأطلسي إعادة البناء والثانية المتجسدة في العولمة ونفاياتها ،تدمر ما بقي في المواطن العربي من وطنية وكرامة وهوية وتوق للحرية بكل أبعادها، فصارت العولمة من أهم أسلحته التي تفرض رفع  الحواجز الاقتصادية والسياسية والفكرية فتسود شريعة الغاب، وإذا لم يتحصّن الضعفاء فسيكنون فريسة للمتوحشين اقتصادا وثقافة وسياسة.ورفض التبعية لا يعني التقوقع على الذات فالانغلاق موت بطيء وإنما تعني توخي العالمية في التعامل مع الآخر من خلال احترام الذات الفردية والجماعية والكثير من الأحزاب هي وكالات للوبليات وشركات  اقتصادية تعمل  على التموقع في الساحة السياسية لتمرير خيارات التبعية الاقتصادية والثقافية، وقد وقع اكتشاف العديد من الروابط الخفية بين بعض الشخصيات والأحزاب التونسية من جهة والشركات الأوروبية والصهيونية من جهة أخرى.
5 ـــ التسلح بالفكر العقدي
إن الأحزاب العقائدية عموما ذات  نطاقين فهي حاملة  لمشروع عقائدي مستقبلي  تربي عليها مناضليها ، يتعلق بهويتها السياسية وبرنامج اقتصادي اجتماعي ثقافي يتعلق بالحياة اليومية، قد يفشل البرنامج ، وقد يُعدّل تحت إكراهات معينة، لكن المشروع طموح وحُلم تثريه التجارب لكنها لا تلغيه.لذا يخطئ من يعتقد أن الإيدولوجيا هي خطر على الوطن لأنها تعمق الصراعات بين الأحزاب وتلهيها عن مهامها الوطنية وينسى ويتناسى أنها صمام الآمان للفرد وللجماعة من الوهن والانهيار، فكل الأحزاب التي بنت مناضليها بناء أيديولوجيا ووطنيا لم تتعرض إلى التشظي رغم الأزمات الحادة وحافظت على تماسكها. نعم إنها في حاجة ماسة للتخفيض من منسوبها الإديولوجي  التي تتطلبها التحولات في المحطات  المفصلية.
قد أكون في هذه المساهمة قاصرا أو مقصّرا لكن من الأكيد أنها مساهمة جادة في تشخيص الواقع المتردي لبلادنا، وفي بلورة رؤية مستقبلية لبناء فعاليات سياسية متحررة من النرجسية الزعامتية ومن التعصب العقائدئ ومن الارتهان لقوى الاستقطاب العالمي، ومنفتحة على ما قدمته الثورة من عطاءات تضمن حرية المواطن واستقلالية القرار الوطني ومتفاعلة مع ما أفرزته من حراك أعاد الثقة للأمة العربية بنفسها وبطاقاتها وبأهدافها ، وقدم لشعوب العالم مثالا لثورة جماهيرية سلمية إنسانية بإمكانيات ذاتية محدودة، وهي أيقونة لثورة على غير مثال./.
                سالم الحداد . زرمدين / المنستير / 16 أكتوبر2018


وهكذا المادة انتخابات 2019 وتسونامي الأحزاب بتونس بقلم سالم الحداد

هذا هو كل المقالات انتخابات 2019 وتسونامي الأحزاب بتونس بقلم سالم الحداد هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.

كنت تقرأ الآن المقال انتخابات 2019 وتسونامي الأحزاب بتونس بقلم سالم الحداد عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2018/10/2019.html

Subscribe to receive free email updates:

0 Response to "انتخابات 2019 وتسونامي الأحزاب بتونس بقلم سالم الحداد"

إرسال تعليق