عنوان: النهضة المدنية تختفي لمصلحة النهضة الإسلامية توفيق المديني
حلقة الوصل : النهضة المدنية تختفي لمصلحة النهضة الإسلامية توفيق المديني
النهضة المدنية تختفي لمصلحة النهضة الإسلامية توفيق المديني
في آخر اجتماع لمجلس الشورى لحركة النهضة الذي عُقِدَ بمدينة الحمامات نهاية الأسبوع الماضي ،عبرت حركة النهضة رسميًا في بيان لها عن رفضها لمبادرة رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي المعلن لتقديم مشروع قانون يساوي في الميراث بين الرجل و المرأة ،ويترك حرية الاختيارللمورث إعلان التمسك بنظام الميراث القائم على الشرع قبل وفاته،وجاء فيه"..قرّر مجلس الشورى التمسك بنظام المواريث كما ورد في النصوص القطعية في القرآن والسنة، وعبرت عنه مجلة الأحوال الشخصية. ويؤكد أنّ مبادرة المساواة في الإرث فضلا عن تعارضها مع قطعيات الدين ونصوص الدستور ومجلة الأحوال الشخصية فهي تثير جملة من المخاوف على استقرار الأسرة التونسية ونمط المجتمع. ويدعم المجلس كل مسعى لتطوير المجلة، بما يسهم في ضمان حقوق المرأة، وبما لا يتعارض مع النصوص القطعية في الدين ونصوص الدستور".
ما يمكن أن نستشف من هذا البيان،أن ّحركة النهضة التي كان زعيمها الشيخ راشد الغنوشي ولايزال يقدمها أمام الإعلام الغربي من أنّها حركة تؤمن بالدولة المدنية،فإذا بها تختفي وتظهر النهضة الإسلامية الرافضة للمدنية. فرغم أنّ الغنوشي دأب على إعطاءصورة متميزة عن حركة النهضة من كونها تؤمن بفكرة "الإسلام الليبرالي" ،وببناء دولة مدنية قد لا تصل إلى حد فصل الدين عن الدولة كما هو الحال في الدولة العلمانية السائدة في الغرب ، لكنها في الواقع دولة إسلامية ليبرالية قائمة على مؤسسات سياسية ليبرالية (كالبرلمان والانتخابات والحقوق المدنية) بل وحتى بعض سياسات الرعاية الاجتماعية، على أساس أنها لا تتناقض مع أي نصوص دينية ،دولة مدنية يختار فيها المواطنون مؤسساتهم السياسية كما يريدون، ويغيرونها إذا شاؤوا حسب الظروف، فإنّه بعد خمس سنوات من التأسيس للتوافق، لم تتغير النهضة، ولم يتغير أنصارها وخاصة منهم الراديكاليين والمحافظين،الذين لا يزالون يدافعون عن أرذثوكسيتهم الإيديولوجية الإخوانية ،ويرفضون إمكانية أن يتخلى الإسلام عن "فرادته" بالمعنى السلبي للكلمة، أي عدم تقبله من حيث أنه "دين ودولة"، لملاقاة المفاهيم والمسلمات الحضارية المعاصرة (حرية، ديموقراطية، حق الإختلاف، حقوق الإنسان، الأولوية لحرية الإنسان كفرد وصون كرامته، وإحترام الآخر المختلف جماعات وأفراداً، التسامح الديني خارج إطار الذمية...) والتي باتت معتمدة في غالبية المجتمعات في عصر العولمة الليبرالية.
وفيما جعلت الاتجاهات المتنوعة في مجال الليبرالية الإسلامية بعض الباحثين المتخصصين في العالم العربي والإسلامي أكثر تفاؤلاً بنمو تيار "الإسلام الليبرالي" وتصاعده في تونس ،حين تتالت التصريحات القاطعة التي صدرت عن زعيم حركة "النهضة" الإسلامية في تونس، راشد الغنوشي قبوله للفكر الليبرالي،أثارت حركة النهضة الإسلامية التي تمثل التيار الأساسي في الإسلام السياسي في تحولاته المعاصرة الخوف في داخل المجتمع التونسي خلال تجربة حكم الترويكا، بعدما اتجه أنصار الإسلام السياسي إلى تغيير نموذج المجتمع التونسي الليبرالي و المنفتح ،وفق اجتهاداتهم المتنوعة.
وجاء تقرير لجنة الحريات والمساواة الأخير الذي طرح إقرار المساوة في الميراث بين الرجل والمرأة،ليكشف من جديد هيجان أنصار النهضة ،الذين قاموا بتجييش الشارع التونسي، و التحامل على الرئيس الباجي قائد السبسي ،واستخفافهم بطبيعة الدولة المدنية التونسية،التي تسير في تحقق جملة من المطالب المتعلقة بالمواطنة المتساوية وبالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وغيرها من المطالب المتصلة بحاجة الشعب التونسي إلى التطور والتنمية، وتستمدُّ قانونها من القانون الوضعي أكثر منه من الشريعة الإسلامية ، وتلتزم بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر و الرأي، واحترامها الكامل لمنظومة حقوق الإنسان الدولية، و علوية الدستور التونسي ، ورفضها لنهج التكفير والتخوين. وهذا ما جعل الغنوشي مستاء من "حملات التشويه التي تدار بطريقة منهجية عبر ترويج الأكاذيب وبث الفتن والتحريض على الشخصيات السياسية والأحزاب ورموز الدولة وإطاراتها،ويدين في الوقت عينه "بكل شدة ما تعرض له بالخصوص رئيس الدولة من ثلب وتهجم» قبل أن يدعو «أجهزة الدولة الى التحرك ضمن القانون لضرب العابثين بالشبكات الاجتماعية.
فقد أكدّت السنوات العجاف التي عاشتها تونس على أن المسألة الخلافية بين الإسلام الليبرالي الذي يقدمه الغنوشي وبين الشق الراديكالي الرافض في حركة النهضة له، ليست محصورة في التوافق بل إنه تجاوز هذا "المحرم" لدى بعض أنصاره و"المكروه" لدى البعض الآخر و"المباح للضرورة" لدى بعض ثالث إلى مبادرة رئيس الجمهورية حول الحريات الفردية والمساواة.فهذا الجسم المحافظ من حركة النهضة الذي يستند إلى حماية المؤسسة الدينية التقليدية ممثلة بالجامعة الزيتونية، والمتحالف مع التيارات الراديكالية من الإسلام السياسي، يستعيد من جديد الصراع بين المشروعين العلماني و الديني، وهو الصراع الذي كان قائماً منذ فجر الاستقلال.
وإذا أردنا أن نتعمق أكثر،فالصراع بين السياسي والديني في تونس يعود في الواقع، إلى ثنائية ازدادت متطلباتها ثقلاً بين الدستوريين والزيتونيين، منذ مرحلة الاستعمارولغايةهذه المرحلة الجديدة من عمر الثورة التونسية المجهضة ، وهو يعكس صراعاً أيديولوجياً وسياسياً بين سيادتين: واحدة إلهية –دينية، وأخرى شعبية ديمقراطية . وعلى نقيض المرجعية الإسلامية الإخوانية التي شكلت الأساس الأيديولوجي الذي تقوم عليه حركة النهضة ، يتبنى المجتمع التونسي بكل أطيافه ، باستثناء الإسلام السياسي على اختلاف تنوعاته،فكرة "الإسلام الليبرالي"، التي تعتمد بناء الدولة المدنية في المسألة السياسية والتنظيمية المتعلقة بالمجتمع السياسي، باعتبارها دولة زمنية لا يجوز للفقهاء أن يتولوا السلطة فيها .
لا يزال مفهوم الدولة المدنية حديث الاستعمال في الخطاب الفكري والسياسي العربي. فمفهوم الدولة المدنية طُرِحَ في سياق ما بات يُعْرَفُ بربيع الثورات العربية ، للإشارة إلى رؤية جديدة لعملية الإصلاح، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم في المجتمعات العربية، التي أسقطت الديكتاتوريات العسكرية و البوليسية، التي كان قائمة. فقد جاء في الفصل الثاني من الدستور التونسي الذي أُقِرَّ في 27يناير 2014:"تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون". وهوما يؤكد أن الشعب التونسي اختار بإرادته (وعبر ممثليه الذين انتخبهم لعضوية المجلس الوطني الدستوري) مدنية الدولة.
هناك اتفاق بين فقهاء القانون الدستوري حول تعريف الدولة المدنية بكونها الدولة التي تحمي مواطنيها وتجعلهم متساوين أمام القانون بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو فكرهم...
ومن أهم شروط الدولة المدنية ومبادئها عدم مزج الدين بالسياسة والتعامل معه بحياد تام فلا ترفضه وتقمعه ولا تحشر أحكامه في القوانين.فالدولة المدنية لا ترفض الدين ولا تعادي الدين ولكنها ترفض استغلال الدين لأغراض سياسية ،فهي ترفض إضفاء طابع القداسة على الأطروحات السياسية لأي من الفرقاء في العمل السياسي أو تنزيه أي رأي من الآراء أو اجتهاد من الاجتهادات عن النقد أو النصح والتوجيه. فالإسلام يفرق بين الوحي وبين الاجتهاد في فهم وتفسير الوحي فلا يعطي لهذه الاجتهادات لذاتها قداسة وإنما يقبلها بقدر ما تقدمه من حجج على صحة فهمها وتفسيرها للكتاب والسنة.ومن جانب آخر فإن الدولة المدنية ترفض نزع الإسلام من ميدانه الروحي ومن مجاله المقدس والزج به في المجال المدنس الذي هو مجال الصراعات والمؤامرات والألاعيب السياسية.
الدولة المدنية من هذا المنظور هي دعوة للانفتاح ودعوة لاستيعاب تراث فكرالحداثة الغربية، لا سيما في مجال قضية حقوق الإنسان،باعتبارها القضية المركزية في نسق الحداثة وفي منظومتها القيمية، وفي الثقافة الديمقراطية سواء بسواء.و لا يمكن فصل مقولة الحرية أو مشكلة الحرية، بتعبير الفلاسفة، عن قضية حقوق الإنسان و كرامته.و من المهم أن نلاحظ أن قضية الحرية كانت غائبة عن الثقافة العربية و عن الفكر السياسي خاصة، و لا تزال غائبة، ولذلك من السهل تذويب الفرد في العشيرة و الطائفة و الجماعة الإثتنية.
وهكذا المادة النهضة المدنية تختفي لمصلحة النهضة الإسلامية توفيق المديني
هذا هو كل المقالات النهضة المدنية تختفي لمصلحة النهضة الإسلامية توفيق المديني هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال النهضة المدنية تختفي لمصلحة النهضة الإسلامية توفيق المديني عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2018/09/blog-post_564.html
0 Response to "النهضة المدنية تختفي لمصلحة النهضة الإسلامية توفيق المديني"
إرسال تعليق