عنوان: الأمة العربيّة من "الأنظمة التّوتاليتارية" إلى "الطّائفية السّياسية"؛ ملامح نكبة خفيّة د. مصباح الشيباني
حلقة الوصل : الأمة العربيّة من "الأنظمة التّوتاليتارية" إلى "الطّائفية السّياسية"؛ ملامح نكبة خفيّة د. مصباح الشيباني
الأمة العربيّة من "الأنظمة التّوتاليتارية" إلى "الطّائفية السّياسية"؛ ملامح نكبة خفيّة د. مصباح الشيباني
عندما تنتشر "الطائفية السياسية" في المجتمع، وتصبح إحدى ميكانيزمات إشتغال مؤسّسات الدّولة، ويتحول مشروعها الأيديولوجي "الطّائفي" إلى سلطة بالضرورة تصبح هذه الدولة "دولة طائفة"، لأن هذه الطائفة سوف تكرّس أشكال الولاء السّياسي والاجتماعي لزعماء الطائفة المهيمنة على المجتمع ومعاداة كل من يخالفها الرأي السياسي. وعادة ما تكون النتيجة لهذه الدّولة الطائفية التفكك والانهيار مهما رُصدت لها من امكانيات مادية ومن تعبئة بشرية لضمان شرعيتها. وأكبر خطر تمثّله هذه الظّاهرة "القديمة ــ المُتجدّدة" أنّها خفية ومسكوت عنها، أي لا ينطق بها أصحابها، بل تنتشر هذه النزعة وتمدّ أذرعتها مثل: الأخطبوط، وتُستبطن تمثّلاتها عند الأفراد والمجموعات عبر الممارسة اليومية، أي تنتقل قيمها وتحقّق أهدافها وتتركز مخاييلها عبر اختراقها لمختلف الهياكل والمنظمات والأحزاب والمؤسّسات في المجتمع. وعادة ما يجمع هذا الاختراق بين الاغراء المالي وبين التخريب المعنوي و"الإنساني" لهذه المجموعات.
على الرّغم من أنّ "الطائفية السياسية" في وطننا العربي كانت منذ "الفتنة الكبرى" ( 35ــ 41ه / 656 ــ661م ) سببًا في انشغال المسلمين لأوّل مرة عن الفتوحات بقتال بعضهم البعض، وكانت سببًا مباشرًا في هزائمنا عبر التاريخ القديم والحديث، فإنّ بعضنا مازال لم يستوعب هذا الدرس التاريخي. بل لقد انخرط زعماء الطائفية السياسية في كل أشكال التعصب وتفرعاته، الاعتقادي والسياسي والمذهبي والمناطقي وغيرها. من أكثر الأمثلة ما عرفه لبنان في الحرب الأهلية (1975ــ1990ـ) التي كلفته الكثير من الضحايا البشرية والخسائر المادية، وكانت تلك الحرب أوسع من عبارة "حرب أهلية"، لأنّها كانت بين الأغنياء والفقراء، بين المسيحيين والمسلمين، بين الموطنيين اللبنانيين والفلسطينيين، بين أنظمة الدّول العربية وأيديولوجياتها المتصارعة على الأرض اللّبنانية، بين العرب ودولة الكيان الصهيوني. ووصلت الأوضاع في لبنان إلى درجة من التعقيد حتى أنه لا يعرف أحد من يقاتل من، وما هي القضايا التي يقاتل من أجلها، وقد خلّفت هذه الحرب الطائفية آثاراً مدمّرة، وكانت نتائجها سيّئة جدا على المجتمع مثل: الكراهيّة والعنف والإرهاب والسّلب والنّهب وغيرها.
فظاهرة "الطائفية السياسية" دائما تكون مُثقلة بمحاميل سياسية وأيديولوجية واجتماعية تتعارض مع مصلحة الأمة وما يجمعها من عوامل مشتركة دينية وثقافية ولغوية ومصيرية. لذلك، عمل أعداؤنا وخاصّة الإستعمار الغربي على إثارة هذه النّزعة من جديد، بل عملوا على دعمها بإثارة الفتن والمعارك من أجل "السّراب" و"الخراب" بين هذه الطوائف (الأحزاب) من أجل استدامة وهْنُ الأمّة والعمل على مزيد تفكيك منظومة "الدّولة القُطرية" عبر آليات جديدة. فلم تعد الأحزاب السياسية تتعامل مع المجتمع باعتباره توليفة من المواطنين الذين تجمعهم وحدة الانتماء إلى الوطن، وينبغي تحقيق المساواة بينهم في الحقوق والواجبات في ظلّ مؤسّسة الدولة التي تحكمهم، بل تتعامل معهم باعتبارهم أفرادا ذوي مقامات ووضعيات اجتماعية وسياسية متمايزة بحسب منطق التمايز الطائفي ــ السياسي القائم في كل قطر عربي. وعلى الرّغم من أنّ الأنظمة العربية "التّوتاليتارية" ( ذات النظام الاستبدادي الشمولي) دافعت على حدودها القُطرية، وحافظت على تقسيم الوطن العربي بكلّ ما لها من قوّة ذاتية ودعم خارجي، على مدى أكثر من نصف قرن، فإنّ ما حققّته هذه "الطائفية السّياسية" الحزبية في مستوى التخريب الفكري والقيمي والسياسي، وفي أقل من عقد من الزّمن ( منذ 2011)، فاق كل التوقّعات.
بل إنّ كثيرا من الهيئات الحقوقية والمنظمات المدنية التي تنشط خارج الاطار السياسي بدأت تشتغل وتتطبّع بذات منطق "الطائفية السّياسية" القائم في المجتمع. فنجد أنّ أغلب الجمعيات المدنية والمؤسّسات العمومية والخدماتية والاتحادات العمالية وغيرها التي تعمل على تعزيز المنطق الطائفي التقسيمي للمجتمع. مثال: في تونس عند إسداء الخدمات أو التسميات ببعض المناصب بمؤسسات الدولة. فكل شاغلي المناصب العليا في الدولة مازالوا، مثلما كانوا، أفرادا محددين وموالين لإحدى الطوائف السياسية الحاكمة أو المسيطرة. ونتيجة هذه النزعة الطائفية التقسيمية بدأ الوعي الجمعي يتفكّك وتأخر ميلاد المنظومة المواطنية عندنا، وبقيت النزعة التفكيكية المستبطنة اجتماعيا وثقافيا هي المهيمنة على المشهد العام والضابطة لدينامية مؤسّسات المجتمع والدولة معا.
ففي المجال السياسي غابت العقلانية في تسيير هياكل الدّولة، وانعدمت فيها جميع أشكال المشاركة المجتمعية في إدارة الشأن العام. مازالت الطائفية الحزبية تقوم على العلاقات التقليدية والقراببية، وفشلت في تحقيق الحد الأدنى من المَأْسَسة السّياسية، وغابت فيها الإنسجامية في الهُويّة المُواطنية الجامعة لعموم الناس، لذلك نلاحظ ضعفا عندها في الولاء للدولة والمجتمع. وما يدلّل على هذه الأزمة ما تعيشه بلادنا من حالة الطوفان في عدد الأحزاب (أكثر من 110) الذي يؤشّر على مستوى الخراب وتصدّع المجتمع أخلاقيا واجتماعيا وتخلفه سياسيا. لقد أفلست الدولة نتيجة هيمنة النزعة الطائفية وخرّبت مؤسساتها، وتوالدت علامات الانهيار في كل مكان وفي كل مجال؛ فتحوّلت البلاد إلى سوق لصراع "الطائفية السياسية" والمذهبية، ولتصريف فائض إنتاجاتها من الخيانة والتبعية والفساد الذي ضاقت عن استيعابه مجالاتها التقليدية. فتبين اليوم، أن أرضنا العربية أكثر مناطق العالم خصوبة لـ"نبْتة" الخيانة والإرهاب والفساد والطائفية بكل أشكالها وأبعادها. وبدت عند أصحابها جزءا لا يتجزأ من تكوين العقل السّياسي العربي، وأنّ وجودها شرط أساسي لاختلاق المعارك بين الطوائف دون تقدير خطورتها التي أدت إلى الهاويات، ولم تستثن أحدًا، نُخْبةً وعامّة.
يبدو أنّ "الطائفية السّياسية" قد تحوّلت في وطننا العربي، وفي ظلّ هيمنة بضائعها ورواجها في السّوق إلى شكل من أشكال عبادة الأوثان و"الصنميّة" السّياسية التي باتت تشكّل أسس هويات النّاس، وتعمل على تأطيرهم واستيعابهم بما توفّره لهم من حوافز ووسائل دعاية وتعبئة من أجل تيسير توظيفهم "طائفيًا"، خاصة بالنسبة إلى الفئات الاجتماعية المهمّشة في المجتمع. فتحولت الطائفية إلى أحد مناسك العبادة في نسيج المؤسّسات وبنيتها، وتغلغلت في ضمائر النّاس وسيطرت على عقولهم. فقد سيطر منطق "الفائز في الانتخابات البلدية واستولى على كل شيئ" من أجل الاستحواذ الشّخصي والحزبي على مصادر التنمية، بدلاً من أن تكون المعركة تدار بمنطق الوحدة من أجل تحقيق التنمية والعدالة بين الجهات ومقاومة الفساد وتركيز التعددية السّياسية فيها. وأمام خوف الطائفيين الذين يتوزّعون في مختلف المواقع، ويرتدون مختلف الألْبسة الفكرية والمذهبية والأيديولوجية، من الانهيار والإفلاس أو فقدان شرعيّتهم، تحوّلت الطائفية السياسية عندهم إلى بضاعة رائجة ومربحة في تحقيق القهر المادي والفكري والنّفسي للشّعب، وأداة للتّخريب "الخفي" للوطن.
وهكذا المادة الأمة العربيّة من "الأنظمة التّوتاليتارية" إلى "الطّائفية السّياسية"؛ ملامح نكبة خفيّة د. مصباح الشيباني
هذا هو كل المقالات الأمة العربيّة من "الأنظمة التّوتاليتارية" إلى "الطّائفية السّياسية"؛ ملامح نكبة خفيّة د. مصباح الشيباني هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال الأمة العربيّة من "الأنظمة التّوتاليتارية" إلى "الطّائفية السّياسية"؛ ملامح نكبة خفيّة د. مصباح الشيباني عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2018/03/blog-post_705.html
0 Response to "الأمة العربيّة من "الأنظمة التّوتاليتارية" إلى "الطّائفية السّياسية"؛ ملامح نكبة خفيّة د. مصباح الشيباني"
إرسال تعليق