مقابلة مع عبد الحميد السراج الذي رحل بعد نصف قرن الصمت – بقلم:كمال خلف الطويل

مقابلة مع عبد الحميد السراج الذي رحل بعد نصف قرن الصمت – بقلم:كمال خلف الطويل - مرحبا أصدقاء ليس سرا مرة أخرى, في هذه المادة تقرأ هذه المرة مع العنوان مقابلة مع عبد الحميد السراج الذي رحل بعد نصف قرن الصمت – بقلم:كمال خلف الطويل, لقد أعددنا هذا المقال لك القراءة واسترجاع المعلومات فيه. نأمل أن محتويات الإعلانات المادة آخر الأخبار، نصائح صحية، والصحة، والرياضة, ونحن نكتب لكم يمكن أن نفهم. حسنا، قراءة سعيدة.

عنوان: مقابلة مع عبد الحميد السراج الذي رحل بعد نصف قرن الصمت – بقلم:كمال خلف الطويل
حلقة الوصل : مقابلة مع عبد الحميد السراج الذي رحل بعد نصف قرن الصمت – بقلم:كمال خلف الطويل

اقرأ أيضا


مقابلة مع عبد الحميد السراج الذي رحل بعد نصف قرن الصمت – بقلم:كمال خلف الطويل

sarraj_colorمجلة الوعي العربي -الذي اختار الصمت سياسة، عندما كان في السياسة، والذي عاش في صمت، بعد إخراجه منها، بات في ذمة الصمت الأبدي… عبد الحميد السراج، لم يكن عابراً في حياة سوريا والمنطقة. ملأ الأروقة وشغل أنظمة. كانت له الكلمة الحاسمة واليد الطولى، بطريقة مستترة، في معظم الأحداث التي كانت مفصلاً في حياة المشرق، في الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي.

كان في زمن ما قبل الوحدة المصرية السورية، حامياً لمسار أمني، مهد الطريق لإتمامهاوإبانها، مد يده إلى العراق، ساهم في انقلاب وكسب، مد يده إلى لبنان، فساهم في رسم سياسات لبنانية، يرضى عنها جمال عبد الناصر، ويرسم لغتها وحدودها فؤاد شهاب. عرفت سوريا على يديه حقبة أمنية أطاحت السوريين القوميين الاجتماعيين، بعد مقتل عدنان المالكي. امتلأت بهم السجون. وهو يعترف بذلكيده امتدت إلى الشيوعيين. ذُوِّب المناضل الشيوعي فرج الحلو بالأسيد. اتصل بعبد الناصر بعد اكتشافه ما قام به أعوانه، فقررا كتمان الفضيحة. أما مع البعثيين، فله صولات وجولات، لم يكسبها كلها، وان كان قد سجل عدداً من النقاط ضدهم.
هذا الذي اختار الصمت، تخلى عنه قليلاً قبل رحيله. فتح صندوقة الأسرار وكنز المعلومات للدكتور كمال خلف الطويل. طلب إليه ألا ينشر شيئاً قبل موته. هنا، تفاصيل لقاءين مع السراج، يحكي فيهما عن أبرز الأحداث وأبرز الشخصيات: عن عبد الناصر، الذي ظلت صورته تتصدر حياته، وعن عبد الحكيم عامر، الذي قضى على الوحدة، قبل انقلاب الانفصاليين عليها، وأورث مصر هزيمة حزيران، وعن صلاح جديد، الذي دخل ذات يوم عليه، وقال له «أنا مستعد لقتل أخي غسان جديد بسبب أعماله». فذهل من أخ يفاخر باستعداده لقتل أخيه فصرفه عنه. لكن غسان جديد قتل بعد ذلك، ولم يكن السراج بعيداً.هنا، بعض ما قاله السراج… وسمح به. ما لم يقله، أكبر بكثير وأخطر بكثير ويحتاج إلى فتح صندوقة المرحلة تلك، بمفاتيح، لم تعد في جيب عبد الحميد السراج.
برحيل عبد الحميد السراج، وسط سكون مهيب، في الثاني والعشرين من ايلول 2013 تكون قد انقضت أربعة عقود كاملة ونيف على إسدال طَور الظلال أستاره على حياته وسيرته… في ذات اليوم من 1961 قدّم السراج استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية وأصر على عدم الرجوع عنها رغم إلحاح جمال عبدالناصر عليه في جلسة مكاشفة طويلة وصريحة خرج منها السراج ليطير الى دمشق بنيّة العيش مواطناً عادياً، لولا ان داهمته وسوريا والأمة –بعدها بأيام ستة – نازلة الانفصال الملعونة، وليجد نفسه – بعد أيام اختفاء قصيرة – في سجن المزة حبيس ضباط الانقلاب، فيما الشائعات تتناسل في الخارج انه صاحبه.. ومن سابع المستحيلات أن يرد أمر كهذا في خاطره.
والحال ان سيرة السراج قد تسربلت بقدر من الرهبة والغموض، بصرف النظر عن الرضا ام السخط، تأتَيا من دوره النافذ مابين 55-61، ومن طبيعته الموسومة بشدة الجدية، ومن نأيه الطويل عن الأضواء طلباً لسكينة الاعتزال، وإن من غير عزلة.
ولعل السراج واحد من أكثر الشخصيات خلافية في تاريخ العرب الحديث.. فدوره ما بين 55 و 61، بل وامتداداً الى 66، كان بكلمةٍ فارقاً.
ضابط بدأ سيرته العسكرية مع حرب فلسطين، ثم تنقل في الاركان ما بينها واوائل 55، حين توفر إجماع بين ضباط ما بعد الشيشكلي – رغم تفرقهم أشياعًا بين بعثيين وقوميين سوريين وشيوعيين ومحافظين – على استنسابه مديراً للمخابرات العسكرية.
مع سعي عراق نوري السعيد لضم سوريا الى حلف بغداد انشطر سلك الضباط شاقولياً بين غالبية ترفض وقلة تبتغي، هي القوميون السوريون.
كانت تلك خلفية اغتيال عدنان المالكي من قبل فريق منهم قاده رئيس الحزب جورج عبدالمســــيح.. ورد الفعل العنيف من قبل المؤســــسة العسكرية التي اتخذت قراراً باستئصال شـــــأفتهم إثر اغــــتياله في 22 نيسان 55 .
نفذ السراج القرار من موقعه كمدير حديث التعيين للمخابرات العسكرية بطريقة بسط الخيمة الأمنية (dragnet)، ثم عاد للإشتباك معهم أثر اشتراكهم في انقلاب أكتوبر 56 المجهَض، والمرعي أنجلو أمريكياً، وهو ما دفعه للتخلص من لولبه – غسان جديد – بالاغتيال في شباط 57 .. ثم وصلت المواجهة لذروتها مع اشتراكهم في الحرب الأهلية اللبنانية / 58 في خندق كميل شمعون. تلزم الاشارة في مقاربة موضوع السراج الى جملة نقاط متعلقة:
1) أن السخط على السراج ظاهرة شائعة، تتفاوت في حدتها أو خفوتها تبعاً لجيل المرء وميوله السياسية والفكرية وتأثره ـ أو عائلته ـ بإجراءات يصل نسبها للسراج.
2) استتباعاً لذلك نلحظ أن ذات السراج، الذي يُسب ويُلعن لاستبداده في عهد الوحدة، هو من شقت سمعته عنان السماء قبيلها خفاقةً بالوطنية… هو من حمى سوريا من مؤامرات المخابرات البريطانية والأمريكية في اكتوبر 56 (إجهاض الانقلاب المدبر ليتواقت مع العدوان الثلاثي)، آب 57 (طرد الملحق العسكري الأمريكي وهو يدبّر انقلاباً)، وشباط 58 ( إجهاض محاولة اغتيال عبد الناصر السعودية) … هو من فجر أنابيب شركة النفط البريطانية (كركوك ـ بانياسأثناء العدوان الثلاثي على مصر… وهو من تحفل وثائق المخابرات الأميركية بالكراهية والخشية منه والإعجاب به وثيقة إثر وثيقة…. مصدر الإعجاب هو اليقين الراسخ عندها أنه غير قابل للإفساد.. حاله حال معلمه وملهمه جمال عبد الناصر.
3) ولعل الاستشهاد بعديل السراج السابق غسان زكريا سقطة لا أرجوها لأحد.
مصرع فرج الله الحلو
يختص بالهجوم على السراج الشيوعيون والقوميون السوريون، ويليهما البعثيون:
المهماز الأساسي لهجوم الأوليْن هو مصرع فرج الله الحلو…. الأكيد أنه مسؤول أولاً وآخراً عن أي انحراف مارسه مرؤوسوه، فتلك خصائص المسؤولية العامة: إما أن تقيل المرؤوس لخروجه في التطبيق عن تخوم القرار أو أن تتحمل مسؤولية أفعاله من ألفها ليائها… وإن أسعفتني الذاكرة فهناك أيضا سعيد الدروبي من حمص.. وثالث من حلب.
أما البعثيون فحكايتهم معه أكثر طرافة وتعقيداً في آن.. فالحاصل أن خمسة من أهم مساعدي السراج في المخابرات العسكرية هم بعثيون بامتياز، أذكر منهم نعسان زكار وناصر قدور.. وعنهما كانت تكثر الشكاوى والملاحظات ، ثم أن الشاكي صلاح البيطار والمشتكى السراج اجتمعا بطلب من عبد الناصر ذات يوم من العام 59 ليتصارحا حول ما يبث الشقاق بينهما، ففشل الأول في توفير أدلة ملموسة عما يشتكون منه.
شكواهم كانت في الحقيقة من عبد الناصر ذاته الذي رفض الموافقة على تشكيل اللجنة السرية السداسية (ثلاثة من البعث وثلاثة من يوليو) لحكم الجمهورية.. فأسقطوا غيظهم على ظلّه في دمشق.. أي السراج .
4) والطريف أن سجون السراج صبيحة الانفصال حوَت بين جدرانها خمسة وتسعين سجيناً سياسياً من فئتي الشيوعيين والقوميين السوريين…. ألا يبدو ذلك معدوم التناسب مع تلك السمعة الرائجة بأنه بيريا سوريا؟ مجرد سؤال!
جاءت زيارتي الأولى له مساء 28 يونيو 2002 بغرض إهدائه مذكرات أحمد سامي السراج، والتي صدرت قبلها ببرهة.
كنت يومها أتحدث مع أحد معارفه عن المذكرات توطئة لطلبي منه إيصالها إليه فقال: دعني أهاتفه لأخبره، ومشى الى غرفة بعيدة عن غرفة الضيوف ليجري مكالمته، وليعود قائلاً: هو ينتظرك في فيللته – في الخليفة المأمون – في السادسة مساءً بالضبط.
وبرغم أي تهيب انتابني من اللقاء برجل يبعث اسمه على الرهبة فلقد مضيت اليه بحافز ان فرص الأقدار لا يجب ان تذهب سدى، وان ترتيب الافكار معطوفا على جرعةِ شجاعة مغلفةً بحسن تعامل قد تكفل انتفاعاً أميناً ومأموناً من رجل هو كنز بذاته إن نطق.
على الباب وجدت أمامي السراج بنصف ابتسامة وبنظرة تفحص سرعان ما تحولتا الى جذبِ تعانق لم يكتف بمصافحة ودودة.. 
بفضول المسكون بالتاريخ أسأل: حقاً، لمَ انت معتصم بالصمت بكل هذا الاصرار؟ هل هناك ما يدين او يشين من يهمك أمره؟ ابتسم لما اعتبره تخابثاً ثم عبس وردّ: لأجله وحده لن أتكلم، وأشار بسبابته الى يميني.. كنت للحظتها لم أنتبه الى صورة مجسمة على الحائط لجمال عبدالناصر بكامل قامته.. قلت مستفزاً إياه برفق: لا بد وأن هناك ما يعتور سيرته بفيض! فرد للتو وبنبرة عالية: هو اشرف الرجال وأطهر الرجال ولن يقيض الله للأمة أحداً مثله الى أجل طويل.. لكن مأساته انه حمل على كتفيه من لا يستحق ولا يقدِر، فأوصله وأوصلنا والأمة معه الى هاوية بدأت بالانفصال ومرّت باليمن ووصلت الى الهزيمة: إنه عبدالحكيم عامر.. كم نصحته ومبكراً وبتكرار ومنذ بداية 60 أنِ انتبه يا ريّس.. لن يخرب الرجل بيت الاقليم الشمالي فقط بل والجنوبي بعده والوحدة برمتها والجيش بأسره.. كان يهوّن من شكواي بالقول: انت تظلم حكيم بتزيّد مشخصن.. هو فاهم شغله في الجيش، وكما لا اتدخل بنفسي في شؤون الجيش فلا اريدك التدخل… سألته: متى وكيف تلمست سوءات عامر؟ أجاب: زارني في منزلي بعد إعلان الوحدة ببرهة، وبصحبته العميد عبد المحسن أبو النور، المعين رئيساً لأركان الجيش الاول، وإثر ما غادرا اكتشفت مظروفاً على الكنبة التي جلس عليها عامر يحتوي على 5000 جنيه فسارعت بالاتصال بعبد المحسن على اللاسلكي وطلبت منه العودة للتو.. وعندما وصل قلت له: أبلغ المشير ألا يعود لهكذا مسلك معي فلست ممن يمكن شراء ولاءهم، فردّ بالقول: هوّ المشير لاحظ ان سجاد المنزل لا يليق بوزير داخلية فارتأى ان يسهم في إبداله بلائقٍ، وهو العليم بضيق ذات يدك، فأخذ المبادرة بخفر ونية حسنة.. فأقفلت النقاش بالقول: لا تعودوا الى مثلها.

خطر عبد الحكيم عامر على ناصر
مضيت في سبر أغوار العلاقة مع عامر فبان لي جلياً ان شهوراً عشرا من التماس بين الرجلين في دمشق أقنعت عبدالناصر بانعدام جدوى بقاء عامر فيها، فأعاده للقاهرة في اغسطس 60، مرفّعاً السراج الى رئيس لوزراء الاقليم مع احتفاظه بالداخلية ومزاوجته ذلك بأمانة الاتحاد القومي… تفرّد السراج بإدارة الاقليم شهوراً عشرا ونيفا، دون أدنى دور للمشير فيها، اللهم شأن الجيش.

سألته: ما الذي جعل عبدالناصر يعيده الى دمشق ثانيةً؟ أجاب: كانت القوانين الاشتراكية تختمر في عقل عبدالناصر رويداً منذ أمم بنكي مصر والأهلي في شباط 60، لكنها اقتربت من سطح القرار البات مع أوائل صيف 61.. كان متحيراً في شمل الاقليم الشمالي بها من عدمه، وإن أميَل يقيناً الى شمل البنوك وشركات التأمين.. سألني رأيي فأثنيت على خياره المحدود وإن مع تفضيل الاكتفاء بنسبة 51%، وسأل اكرم ديري، وزير اقتصاد الاقليم، فنصحه بعدم تأميم شيء، فيما كان رأي كمال رفعت شمل شركات الانتاج الكبيرة، وهو ما استقر عليه رأيه في الختام.. ومابين هذا العامل، الذي يحتاج تأميناً مضافاً، وجبل الوشايات الذي كان يتراكم طبقة فوق أخرى ضدي، سواء من البعث او اليمين او ضباط المشير في دمشق (أحمد علوي بالذات) ناهيك عن الشيوعيين والقوميين السورين، عزم عبدالناصر على تحديد دوري في الاقليم بانتدابي للقاهرة نائب رئيس، معطوفاً على إعادة المشير الى دمشق، ثم ثالثة الأثافي توحيد أجهزة الحكم في وزارة واحدة مقرها القاهرة.
الانفصال بسبب عبد الحكيم
سألته: لماذا انحاز عبدالناصر ذلك الصيف الى عامر؟ قال: في لقائي المنفرد معه قبل الانفصال ـ في 18 أيلول ـ بدرت منه جملةُ: انا حائر بين عقلي ـ أنت، وقلبي ـ عبدالحكيم ـ لكنك يا عبدالحميد لم تساعدني على التسليم بنهجك فلقد تحولتَ الى قطعة حلوى تكاثفت عليها اسراب العناكب من مشتكين، فيما هم ذاتهم من يمتدح عامر ويودّ له ان يقود في الاقليم، والوحدة لم تعد تحتمل عداوات كثيرة ولا بد من التخفف من أثقال شكاويهم وأريد من عامر ان يسعى في ذلك فلعل وعسى، وخلال ذلك أودك بقربي مشيراً وناصحاً لننتظر معاً حصيد عامر، فإن باء بالفشل فلكَ عودة… قلت له: لن تنتظر طويلاً يا ريّس، فعامر سيقلب عاليها سافلها بسرعة البرق ولا أريد ان أكون مسؤولاً، ولو من بعيد، عن سوء أفعاله لذا فمكاني هو في دمشق مواطناً لا أكثر.. وأتمنى لك كل السداد والسؤدد لكنني لا أخفيك ان قلقي على مصير الوحدة قد بلغ حد الخشية عليها من عامر ونهجه..
والحق أن السراج في مواجهته مع عامر لم ينحنِ ولم يتراجع… وواجه عبد الناصر بشجاعة المحب وجزع الحادب، محذرا اياه – بثقة العارف – أن كارثة تنتظر الإقليمين ـ لا الشـمالي منهما فقط ـ إن تُرك عبد الحكيم على غاربه … وكأني به يرى الانفصال ـ وهو على مسافة أيام– ، وهزيمة 67، وسوء إدارة حرب اليمن، وأمراض البيروقراطية العسكرية المتكاثفة داخل جسم النظام والدولة.
واصل السراج القول: كنت أعرف من هاني الهندي ذاك الصيف ان هناك تآمراً من بضعة ضباط دمشقيين للقيام بانقلاب على الوحدة (أحسّه من حديث له مع ابن عمه مهيب، وهو من قاد قوة الانفصال الرئيسة من قطنا) فطلبت منه توصيل المعلومة بنفسه الى عامر لئلا يعتبرها، لو أتت مني، كيدية، لا سيما واسم المتآمرين الأول هو عبدالكريم النحلاوي كاتم أسراره السوري.. ففعل… لكن عبد الحكيم «العمدة» حمى «رجالته» أضراب النحلاوي وهشام عبد ربه وعبد الغني دهمان متهمني بالوقيعة بهم ـ عبر الهندي -، وهم من هم في ولائهم له … أو هكذا أوهموه وصدّق بسذاجة تميز بها … قبل وبعد… ولو كنت مرّرت المعلومة بنفسي للرئيس لفحصها مع عامر ولردّ الأخير باتهامي بالايقاع بـ«رجالته»، وهو الشهم الصعيدي! لم يكتف عامر بإهمال المعلومات بل وأشهر سيفه مبارزاً الخصم الخطأ ـ كدونكيشوت ـ مجسَّداً في معاونيّ، مما أضاف على تقصير التوصيل تجريد الحماة، لينفتح الطريق فسيحاً أمام – وهنا توقف لبرهة ويد تلوح في الهواء فيما الأخرى تمج اللفافة بشره – أمام 37 منحرفاً او عميلاً لينجحوا في فصم عرى وحدةٍ انتزعناها بالكاد من بين فكي الاستعمار.
اللجوء إلى المسدسات بين قاسم وعارف
سألته عن هزاع المجالي فأجابني إجابة لافتة: من قتل وصفي التل ألحقه بهزاع المجالي.. وصمت…. قلت: ماذا عن «14 تموز» العراقية؟ قال: عرفت عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف اول مرة في اكتوبر 56 في معسكر المفرق الاردني عندما فاتحاني بتحضيرهما لانقلاب على الملكية الهاشمية في العراق، وكانت نقطتي الرئيسة في الإجابة هي أنِ اتكلوا على انفسكم، فإن نجحتم فسنحمي نجاحكم.. وهذا بالضبط ما جرى، لكن الاثنين ما لبثا ان اصطرعا بعد اسبوعين فقط من النجاح، لحدّ ان طلب مني عبدالناصر، ذات يوم من آب 58، الذهاب الى بغداد في مسعى وساطة بينهما، وما إن جلست بينهما لأدير الحوار الا ووجدتهما يدلفان بسرعة الضوء الى طور اشتعال، لوّح فيه كل منهما باحتمال اللجوء الى مسدسه عبر وضع أصابعه عليه أثناء الحديث، فتوقفت عن الكلام الى ان سلّماني مسدسيهما، فوجهت حديثي لعبدالكريم: أنقل اليك رسالة صريحة ومباشرة من عبدالناصر: 1- هو يعتبرك قائد الثورة بلا منازع. 2- هو لا يرغب ولا يطلب لا وحدة ولا اتحاداً مع العراق، بل مجرد تنسيق تحالفي.. إذ الحديث عن وحدة او حتى اتحاد سابق لأوانه في غياب حلول للمسألتين الكردية والنفطية في العراق أولاً
غادرت بظن ان الخلاف قد سويّ لنكتشف بعدها ببضعة اسابيع ـ 5 ايلول ـ انه عاد واستعر وان عبدالسلام حاول سحب مسدسه على عبدالكريم، لولا تدخل فؤاد عارف، وانه غادر سفيراً الى بون.. قلت له: لمَ تدهورت العلاقة مع قاسم إثر ذلك؟ أجاب: لأن الشيوعيين أخطأوا التقدير بظن انهم قادرون على اقامة «كوميونتهم» العراقية ـ هذا على رغم ان السوفيات ما كانوا في صدد إقامة حكم شيوعي في العراق لاستحالة تمكين الولايات المتحدة له من البقاء بل والقيام، لكنهم، السوفيات، سعدوا بالمقابل بنظام يختلف عن ومع عبدالناصر، ويكون فيه للشيوعيين حصة شريك «جونيور» ـــ ، فيما قاسم قد ركب زورقهم مسكوناً بوهم انه، وهو الأعلى رتبة، الأجدر من عبدالناصر لذا فالتنائي عنده هو أمر اليوم.. قلت: وهل كان لزاماً السعي للانقلاب عليه، كما رعيتَ في الموصل في 8 اذار 59؟ أجاب: غالبية أعضاء اللجنة العليا للضباط الاحرار كانت مع القيام بانقلاب على قاسم بعد أن استنفدت كل محاولات التعايش معه، وأصرّ على إعلاء كعب الشيوعيين، لكنهم فشلوا في تربيط خيوطهم كما أبلغوا ووعدوا، ومن ثم الاخفاق المريع في الموصل… تابعت: هل كنت في صورة ترتيبات فؤاد الركابي لاغتيال قاسم في اكتوبر 59؟ قال: لم يكن الترتيب جدياً الا إثر إعدام عبدالكريم قاسم لناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري في 20 ايلول… وكنت في الصورة بالطبع.
حكايتي مع البعث
سألته: ما حكايتك مع البعث؟ قال بعد نفَس عميق من لفافةٍ طال: كنت محسوباً عليهم صديقاً من بعد انقلاب 54 على الشيشكلي، بل وأكثر من صديق حتى قيام الوحدة، لا بل حرصتُ على التعاون معهم طيلة عام كامل بعدها، لكنهم أرادوا الاستئثار بحكم الاقليم و«تبعيثه» برغم تفرقهم شيعاً عشية الوحدة وإثر قيامها، وهم من وجد في الوحدة طوق نجاة من صراعات حزبهم المشتدة، لذا كانوا اشد المرحبين بحلّه، اّملين ان يكون الاتحاد القومي مكاناً أمثل لنفوذ لهم، فلما خسروا في انتخاباته في حزيران 59 اتهموني بالتزوير وأنا منه براء.. كانت النتائج معبرة عن شعور الشارع السلبي نحوهم بعد عام ونصف من الوحدة كانوا فيها أكبر المتنفذين في الاقليم، ومن يومها وشكاويهم تنهال عليّ وعنّي.. ما جرى انهم بعد فشلهم في الانتخابات صعّدوا موقفهم من الوحدة بأن طلبوا شراكة مناصفة في قيادة سرية للجمهورية، ثم دعوا لمؤتمر قومي للبعث، وأكثر من ذلك راودوا عبدالحكيم على شراكة تأخذ من عبدالناصر، إن لم تطحه، عبر محاولة ميشيل عفلق ـ إثر وصول عامر الى دمشق.
ما ردك على اضطهادك الشيوعيين بقسوة غير مسبوقة، سألت.. قال: تقصد بالتحديد مسألة فرج الله الحلو…. لقد كنت أتابع حركته من عتبة منزله وحتى دمشق، عندما قصد الاقليم صيف 59 بتكليف من خالد بكداش المقيم في صوفيا، بهدف اعادة تنظيم الحزب إثر الضربة الأمنية التي وجهت اليه اول أيام السنة، وكان يتخفى تحت اسم حركي يبدأ بجورج وكان معروفاً بإصابته القلبية وبأنه غير راغب في هكذا مهمة قُسِر عليها قسراً.. ومن ثم فلم نكن نقصد قتله بحال من الأحوال.. ما حدث هو ان الخشونة البدنية التقليدية التي واجهها كانت كافية لوفاته، وهو العليل.. وبدلاً من ان تقوم شلة الأغبياء عندي بإعادة الجثمان الى عتبة منزله في لبنان ـ ولا من شاف ولا من دري ـ ارتبكت واحتاست وقررت إخفاء قرائن الحادث.. وبعد ان فعلوا ما فعلوا أخبروني فجنّ جنوني وأبلغت عبدالناصر وفضّلنا معاً نفي المسألة برمتها تحت ضغط الفتنة الكبرى بيننا وبين السوفيات، والتي استعرت ذلك العام.. أنا مسؤول عن أفعال مرؤوسيّ بلا جدال، ولو كنت علمتُ وقت الوفاة بها لفعلت ما سبق وذكرت، وفي أسوأ الأحوال لأشهرت الوفاة وملابساتها وبعثت بجثمانه لذويه وكفى بالمؤمنين سبيلا… أريدك ان تعرف ان طواقمي كانت تتدرب على العمل الأمني بالممارسة مابين 55ـــ 61، إذ لا مدرسة كادر كانت بعد متوفرة – تحت ضغط العمل وأهواله ومشاغله ــ فيما الارتجال يقود أحياناً الى مزالق .. لا أقول ذلك تهرباً من أية مسؤولية وإنما إقراراً لواقع… ثم ان صراعنا مع الشيوعيين لم يكن بداعٍ ايديولوجي بل فقط لما كنا نلمسه من تبعيتهم لموسكو إبان خلافنا معها حول العراق.
أمن سوريا من أمن لبنان
ماذا عن لبنان ودورك في شأنه؟ قال: ليست هناك مخفيّات…. أنا انطلقت من زاوية ان سوريا في خطر طالما ليس لها نفوذ مقرِّر في لبنان، وتعززت تلك القناعة أكثر بقيام الوحدة .. لم نكن نهتم بأمورهم الداخلية المحض، وانما بأن تكون سياستهم الخارجية متسقة معنا بالمليان، وبألا يكون لبنان موطئا للتاّمر علينا وبألا يكون خصومنا شركاء وازنين في حكمه.. ولبّى فؤاد شهاب كل تلك المطالب على أفضل ما يرام.. قبله، كان علينا ان نقتلع كميل شمعون وشارل مالك بكل وسيلة، وفعلنا.
ماذا عنك مع اّل سعود في بر الشام؟ تمهّل هنيهة وقال: أرادوه منطقة نفوذ خالصة لهم .. كانوا يصطرعون مع الهاشميين عليه، ثم لما خرج عبدالناصر من السويس مظفراً تحول هاجسهم صوبه، بل وتحالفوا مع خصومهم التاريخيين ـ الهاشميين ـ ضده سعياً لإخراجه من الشام، وتوطئة لعزله داخل مصر.. في سعيهم ذاك لم يتورعوا عن محاولة رشوتي لقتله في شباط 58، بغية إجهاض إقامة الوحدة، فلما فضحتهم واظبوا، بعد سكون مخادع، على النخر في عظمها الى ان نجحوا بامتياز في 28 ايلول.
قلت: ما تقييمك للساسة السوريين في حقبة مابين الجلاء والوحدة؟ قال: قلائلٌ من هم في السليم، وكثرةٌ من كانوا «متعيشي سفارات».. راجع ملف «مؤامرة اكتوبر 56» وأنا متأكد ان شعرك سيشيب بسرعة مضاعفة، هذا رغم انني حذفت من التدوين الرسمي حفنة من الاسماء الكبيرة، درءاً لفتنة .. وقد تستغرب إن قلت لك ان معظم ـ لا كل ـ رجالات «حزب الشعب» كانوا الأفضل بالقياس.
كيف كانت مغامرة تهريبك من سجن الانفصال الى رحاب عبدالناصر؟ قلت.. أجاب: كانت عملية منسقة باتقان، تعاون فيها قسم المخابرات المصرية بسفارة بيروت، مع جهاز الرئاسة في القاهرة، مع فؤاد شهاب ومكتبه الثاني، مع ثنائي كمال جنبلاط ـ صبري حمادة، مع المنفذ على الأرض: نذير رشيد الصقال.
سألته: ماذا فعلت في القاهرة مابين مايو 62 ـ تاريخ وصولك ـ ويناير 67 ـ تاريخ اشتغالك في الوظيفة العمومية فيها -؟ قال: كنت مكلفاً من عبدالناصر ـ كنائب سابق له ـ بالاشتراك في متابعة الملفين السوري والعراقي، وكان لي إسهام في قراره ابتعاث لواءين ـ مدرع وآلي ـ الى العراق لحماية النظام القومي هناك بعد تشرين الثاني 63، حتى لا تتكرر مأساة الانفصال السوري.. إذ لم ينفع الـ1400 ضابط مصري، معار للاقليم، بشيء في حماية الوحدة، فيما لو كانت هناك فرقة مصرية حول دمشق لما نال من الوحدة أحد… ولقد سعيت لتجميع العناصر الوحدوية السورية في تنظيم واحد طيلة عامي 64 ـ 65 وفشلت، ثم فهمت وتفهمت تطوير عبدالناصر لمقاربته السورية صيف 66، إثر تولي قطريي البعث للسلطة هناك، ففضلت الانكفاء عن الشأن السياسي برمته، لا سيما وأني أمقت وصف «اللاجئ السياسي»، وطلبت من عبدالناصر ان يجد لي عملاً وظيفياً أعيش من راتبه، فأنا لا أملك في الحياة شروى نقير، لا هنا في مصر ولا هناك في سوريا.. لبى عبدالناصر رغبتي فعينني رئيساً للمؤسسة العامة للتأمين والادخار، وبقيت ازاول عملي لعشرين عاماً ونيف الى ان خرجت على المعاش
سألته: من تعرف ممن حكموا سوريا في عهود البعث؟ قال: سوى أمين الحافظ ـ زميلي في مجلس القيادة العسكري: اب 57 ـ شباط 58 ـ قابلت مرةً صلاح جديد في إطار غرائبي.. هاتفني مصطفى حمدون ليقول انني اّتٍ إليك بضابط شاب من جماعتنا، عنده ما يقوله لك.. قلت له: في الانتظار .. دخلا ومن في الخلف ـــ برتبة نقيب ـــ قد دق كعبيه في الأرض بالتحية .. قال حمدون: هو النقيب صلاح جديد .. انطلق الأخير ليقول: سيدي، باسمي وباسم اّل جديد أتطوع لقتل أخي غسان غسلاً لعارنا الوطني بسبب أفعاله.. حملقت فيه بغضب وصحت: ما هذا الكلام! من ذا الذي يقتل أخاه بفخر؟ لا تعد الى هكذا هرطقة، وانصرف.. بهت حمدون وخرج في إثره… أما مدنيو الحزب من القادة فأعرفهم كفاية.
هلع «الاخوان» من الوحدة
وماذا عنك و«الاخوان»؟ قلت… رد بالقول: كان «الاخوان» يرتجفون هلعاً من قيام الوحدة بادئ الأمر، تحت ظن ان ما استحقوه في مصر سينالهم الان في سوريا.. وفعلاً فلقد وصلني انهم يعدون للانتقال الى لبنان، بل واتصل بي مراقبهم مصطفى السباعي ليخطرني بهكذا نية فقلت له: تعال وصحبك إليّ لنتحدث، وفعلاً أتوا مكتبي في اليوم التالي فبهتوا لسماع ان كل ما في الأمر هو حل «جماعتهم» أسوة بحل الأحزاب المنصوص عليه في اتفاق الوحدة، أما نشاطهم الدعوي والفكري كأفراد فلا غضاضة فيه على الاطلاق وأنْ ليس من شيء تخشونه إن مكثتم في بلدكم، بل وأمامكم الاتحاد القومي إن شئتم للانضواء فيه كأفراد.. لم يصدقوا ما نقلته اسماعهم وطربوا له أيما طرب، بل وطلبت من السباعي ـــ باسم عبدالناصر ـ إقناع قادة «الاخوان» في مصر ـــ المسجونين منهم والطلقاء ـ ان يأتوا الى كلمة سواء ويصححوا بوصلتهم.. وفعلاً ذهب وحاول وفشل، ونقم على ضيق أفقهم، ثم كتب «اشتراكية الاسلام»، وجلّ فكرته انتصار لعبدالناصر عليهم.
من ضمن ما تحتاجه سوريا قراءة جديدة لتاريخها، مبرأة من مظنات الماضي وخصومات الحاضر ومؤثرات الخارج .. ولعل واحداً ممن نحتاج لزيارة سيرته بعين الباحث وضميره هو عبدالحميد السراج: رجل عاش ومات على علم الوحدة.

“السفير”


وهكذا المادة مقابلة مع عبد الحميد السراج الذي رحل بعد نصف قرن الصمت – بقلم:كمال خلف الطويل

هذا هو كل المقالات مقابلة مع عبد الحميد السراج الذي رحل بعد نصف قرن الصمت – بقلم:كمال خلف الطويل هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.

كنت تقرأ الآن المقال مقابلة مع عبد الحميد السراج الذي رحل بعد نصف قرن الصمت – بقلم:كمال خلف الطويل عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2018/03/blog-post_55.html

Subscribe to receive free email updates:

0 Response to "مقابلة مع عبد الحميد السراج الذي رحل بعد نصف قرن الصمت – بقلم:كمال خلف الطويل"

إرسال تعليق