عنوان: الربيع العبري و العروبة الجديدة : كيف مرت المؤامرة من داخل المؤتمرات الثلاث مقال في فضح الدواعش
حلقة الوصل : الربيع العبري و العروبة الجديدة : كيف مرت المؤامرة من داخل المؤتمرات الثلاث مقال في فضح الدواعش
اقرأ أيضا
الربيع العبري و العروبة الجديدة : كيف مرت المؤامرة من داخل المؤتمرات الثلاث مقال في فضح الدواعش
جذور المؤامرة
حين نمحص في مشهد ( قوميين ) هتفوا و مازالوا يهتفون لسقوط نظام القذافي في ليبيا و لإسقاط نظام الأسد في سوريا وجب علينا أن نسأل : كيف أضاع هؤلاء البوصلة و تزلزلوا بأوهام الفصل الأخير من مؤامرة الربيع العبري . الإجابة في جزء منها سوف تقودنا إلى أنهم كانوا قد فقدوا المناعة تدريجيا عبر عملية تنويم و ترويض تعود مركزيا إلى بداية التسعينات التي دشنت بتأسيس المؤتمر القومي العربي في 1990 ثم تلاه تأسيس المؤتمر القومي الاسلامي في 1994 ثم المؤتمر العام للأحزاب العربية سنة 1996 . تأسيس المؤتمر القومي العربي كانت غايته تخليق إطار يسمح بمركزة قرار مختلف الحساسيات القومية على امتداد الأمة و بمراقبتها و تسييرها و ترويضها و اخضاعها و تنويمها كجزء من عملية اختراق كبرى للساحة الجماهيرية الشعبية . عملية الترويض و التجيير و التنويم هذه يفضحها تأسيس المؤتمر القومي الاسلامي ثم مؤتمر الأحزاب العربية لأننا كلما انتقلنا من مؤتمر إلى آخر انتقلنا من دائرة أضيق إلى دائرة أوسع في اتجاه الاسلام السياسي أولا ثم في اتجاه التيارين الليبرالي و اليساري مضاف إليهما التيار الاسلامي . هذا الانفتاح – الذي يعتقد البعض أنه أمارة نضج القوميين في تعاطيهم مع الواقع و أمارة صحية دالة على تجمع قوى الأمة و توحيدها – هو في اعتقادنا اليوم الأمارة البينة على أنه كان – و لا زال – هناك , داخل القوميين أنفسهم , من سعى للإعداد لطبخة كبيرة تطهى على نار هادئة هي طبخة الربيع العبري كمؤامرة استعمارية في جزء منها تقوم على اختراق الساحة الشعبية و تجيير جميع قوى الأمة لخدمة مشروع كان تعويم الاسلام السياسي أحد أبرز عناوينه.
التمحيص في أحد المشتركات الثابتة في التسعينات تفتح أعيننا على ( شيخ مناهضي التطبيع ) صاحب كتاب العروبة الجديدة : الدكتور معن بشور . فهو عضو مؤسس للمؤتمر القومي العربي في 1990 و عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي ونائب أمينه العام (2000-2003) وأمينه العام (2003-2006) و عضو مؤسس للمؤتمر القومي الإسلامي عام 1994 و الرئيس المؤسس للمنتدى القومي العربي عام 1997 و عضو مؤسس في مؤسسة القدس، وعضو في مجلس إدارتها و رئيس اللجنة التحضيرية لملتقى القدس الدولي في إسطنبول عام 2007 . و للرجل كتابات عديدة إلا أن الحظا يسعفنا في أن نعثر له على مقال صغير كثيف خطير يكفي الاشتغال عليه بعمق حتى يحصل لدينا اليقين بأنه من المستحيل تقبل ما اقترفه الدكتور طيلة سنوات من باب الخطإ الفكري العفوي . فمن وجهة نظر السياسة العملية – ردا على عروبته العملية – لا يمكن البتة التعامل مع النهج السياسي الذي أرساه إلا من باب الخيانة الوطنية و التآمر على الأمة . و ليس الموقف من الاسلام السياسي إلا أحد تمظهرات الانحراف الخطير في ذاك النهج .
في نقد مقال معن بشور :
صادف في سنة 2009 أن نظم مركز دراسات الشرق الاوسط برئاسة جواد الحمد مؤتمرا فكريا حضره ثلة من ( الصفوة الكريمة من رجال الفكر والعلم والسياسة في بلادنا). و أسهم الدكتور معن بشور في أشغال المؤتمر بمداخلة بعنوان : التجربة العملية للمشروع العربي القومي: النجاحات والاخفاقات.
قسم الدكتور ( عجالته التقييمية ) بعد كلمتي الشكر و الاستدراك و قبل الخاتمة إلى مجموعة من العناوين هي : 1 / تعريف .2/ المشروع القومي والاستقلال الوطني. 3 / المشروع العربي القومي والديمقراطية. 4 / المشروع العربي القومي والمسألة الدينية وتحديداً الاسلام. 5 / المشروع العربي القومي والقضية الفلسطينية. 6 / قضايا أخرى. 7 / المشروع العربي القومي: الآليات والممارسات.
و لقد كان بينا من خلال المراوحة بين الوقوف على النجاحات و ابراز الاخفاقات أن أحد أهداف المداخلة الانتهاء بالمتقبل إلى الإقرار بالتزام صاحبها الحد الأدنى من الموضوعية العلمية في تناوله النقدي .و لتعزيز لعبة الإيهام بالموضوعية لم ينسى الدكتور في الخاتمة ضرورة الإعلاء من نواياه الحسنة جدا ممثلة في رغبته النزيهة في (تطوير هذا المشروع بتعميق ايجابياته، وتجاوز سلبياته، ومعالجة اشكالياته ) . و هكذا , و تحت غطاء النقد الموضوعي و الرغبة في التطوير و التجديد و تجاوز النقائص نجح الدكتور في اختراق بعض عقول " القوميين " و اخضاعها و ترويضها بما يخدم المسار الذي انتهجه الربيع العبري وهو يستهدف بشكل خاص نظامي العقيد القذافي في ليبيا و الدكتور القائد بشار الأسد في سوريا تحت يافطات التكفير و الديمقراطية و حقوق الانسان مستخدما الاسلام السياسي أداة مركزية في تنفيذ أجندات الاستعمار و صنارة رهيبة قادرة على استقطاب أطراف " قومية " و " يسارية "و "ليبرالية " نحو مركزها و التدحرج بها نحو مشروعها الخياني الذي يأخذ في الظاهر شكل ثورة شعبية توفر لها الاجماع المطلوب .
يمكن لنا أن نصف العمل التخريبي الذي أنجزه الدكتور معن بشور بكونه اسهام واع و حرفي بامتياز في شيطنة النظامين الوطنيين في ليبيا و سوريا و محاولة لتجييش التيار القومي ضدهما عبر " نقد " مؤسس على مدماك "العروبة العملية " , و اختراق خياني خطير للتيار القومي من أجل خلخلة التحصينات التي كان بإمكانها أن تمنعه من الإنجرار في مشروع الربيع العبري بما يفسح المجال لتجيير إمكانياته و نضالاته في تبييض الاسلام السياسي و تزكية مشروعه المقرر أمريكيا .
1/ بداية الاختراق دعوة إلى الانفتاح على الاسلام السياسي مغلفة بدعوة إلى الانفتاح على الجميع :
من مظاهر هذا الاختراق استغلال الحاجة الموضوعية للمجاوزة في استبدال المنظور بما يخدم مشروع الربيع العبري و رئيسيا منه مشروع تعويم الاسلام السياسي . يقول الدكتور في سياق تعريف "المشروع العربي القومي " : (ولعل اختيار المركز لمصطلح "العربي القومي"بدلاً من "القومي العربي" يحتاج الى وقفة خاصة لانه يبدو متقاطعاً مع تعريف موسع بدا معتمداً الاونة الاخيرة "للقومي العربي" بحيث بات يشمل كل مؤمن بالمشروع النهضوي الحضاري العربي بغض النظر عن خلفيته وقناعاته الايديولوجية سواء كانت اسلامية ام يسارية ام ليبرالية، وهو تعريف يخرج العمل القومي العربي من أسر الشعارات والايديولوجيات إلى رحاب المشاريع والبرامج.)
تلقف معن بشور التحذيرات الصريحة الصادرة عن بعض أصوات الحق ممن نبه إلى امكانية تجيير الصراع الايديولوجي بين مختلف التيارات الفكرية في الأمة لصالح المشاريع الاستعمارية ذات الطابع الفتنوي الفوضوي التفتيتي , و مع ظهور بوادر التفتين الطائفي و المذهبي و القبلي تأكدت الحاجة إلى ضرورة صياغة معالم هوية سياسية جامعة تتعالى ما أمكن على جميع الهويات الجزئية و تصهرها في بوتقة واحدة موحدة عليها اجماع شمولي يعبر عن نفسه من خلال برنامج عمل سياسي موحد . استغل معن بشور الحاجة الموضوعية لمثل تلك الآلية التي من شأنها افشال مشاريع التفتين كما استغل غيابها و عدم وضوح معالمها بعد , فقدم آلية التحالف القومي الاسلامي اليساري اللبرالي كوصفة سحرية واعدة بأن تلعب دور المواجهة لمشاريع التفتين و دور الرافعة لمشروع نهضة الأمة ككل .لقد كان كل هم الدكتور من خلال التضخيم و المبالغة صرف انتباه الناس الى الشكل المغري لهذه الآلية بحكم تولدها عن جهد توحيدي و تبشيرها بحالة الوفاق . و في مقابل هذا التركيز على الشكل الذي يترجم حاجة الناس الى أن تعمل جماعة كجسد واحد عوم الدكتور ما هو رئيسي : المضمون أي البرنامج السياسي الجامع و شروط نجاحه و ضرورة تحصينه من محاولات التجيير الممكنة . لقد أسهم معن بشور من خلال دعوته هذه في تشكيل الأطر السياسية اللازمة لعبور مشروع تعويم الاسلام السياسي و أسهم في تبييض الأطر الشبيهة التي تشكلت قبل دعوته هذه ( جبهة 18 أكتوبر في تونس 2005 ) و اسهم في التغرير بالقوميين من أجل أن ينخرطوا في تلك الأطر و يسمحوا بتجيير نضالاتهم لخدمة مشروع استعماري . إن الذي كان مطلوبا من الدكتور معن بشور و أمثاله هو فقط – و إلى حد ما – دك التحصينات المانعة من امكانية انجرار القوميين في المشروع المرتقب : مشروع الربيع العبري . نتبين هنا و بكل وضوح أن الاختراق يبدأ أول ما يبدأ بنقد الانغلاق و الدعوة الى الانفتاح و بتقويمات نقدية عدمية لمرحلة (الشعارات و الايديولوجيات) و بتبشير خرافي لمرحلة ( المشاريع و البرامج ) . إن تغيير المصطلح من ( القومي العربي ) الى ( العربي القومي ) من قبل مركز دراسات الشرق الأوسط – وهو الأمر الذي زكاه الدكتور و أثنى عليه - ليس مجرد لعب بالألفاظ و لكنه مشروع خياني كامل : مشروع العروبة الجديدة , لأن أكبر الخيانات تبدأ عادة بانحراف صغير . و الدعوة الى الانفتاح على مختلف القوى و التيارات كانت تعني في جوهرها دعوة الى الانفتاح على الاسلام السياسي الموعود بالدعم الاستعماري. وحظور بقية التيارات في الآلية الجامعة كان لمجرد التظليل و التجيير . و بعد كل هذا و ذاك ’ فإن الاسلام السياسي اسلام مذهبي بالضرورة . و لسنا نعرف إلى حد اليوم كيف يمكن اعتماد قوة مذهبية طائفية في بناء نهضة الأمة و توحيدها و في التصدي للمحاولات التفتينية الطائفية و المذهبية و الدينية و العشائرية . على أن هذا الاستبدال في المصطلح يمكن الدكتور من نسج خديعة التعميم التي سوف نكتشفها في القادم من السطور .
2/ تبييض الاسلام السياسي :
يقول الدكتور في فقرة بعنوان : ( المشروع العربي والقومي والمسألة الدينية وتحديداً الاسلام ) : (من الاخفاقات التي واجهها المشروع العربي القومي في هذه المسألة بالذات هي مواجهات قاسية ودموية حصلت بين بعض حامليه وبعض حاملي المشروع الإسلامي تركت ظلالاً قاتمة على العلاقة بينهما ) . و يبرر هذه المواجهات القاسية فقط و حصريا بالصراع على السلطة . فيقول : (وعلى الرغم من محاولة إضفاء طابع أيديولوجي على الصراعات السياسية والدموية التي شهدها أكثر من قطر عربي بين القوى القومية والقوى الإسلامية، أو حتى الحروب التي وقعت بين قطر عربي وقطر إسلامي غير عربي، إلا ان التدقيق في طبيعة هذه الصراعات والحروب يظهر إنها مرتبطة بوضوح بمسألة الصراع على السلطة.) و حين أرخى الربيع العبري سدوله المظلمة على واقع العرب أثبت بالحجة و البرهان أن الأمر أعمق بكثير من مسألة صراع على السلطة :إنها قضية ولاء : قضية خيانة وطنية .
هذا التبييض للاسلام السياسي – و الذي تتحمل مسؤوليته المؤتمرات الثلاث : المؤتمر القومي العربي ، والمؤتمر القومي/الاسلامي، والمؤتمر العام للاحزاب العربية لا الدكتور معن بشور فقط – لا يهدف فقط الى تحقيق اختراق في التيار القومي يسمح بتجييره لصالح مشروع الاسلام السياسي , و إنما يهدف أيضا إلى شيطنة التجارب الوطنية في ليبيا و سوريا و كذلك في مصر عبد الناصر و عراق صدام حسين من خلال الإيهام بمشروعية الصراع الذي كان يخوضه الاخوان ضد هذه الأنظمة ما دام مبرر هذا الصراع هو السلطة و ليس الولاء للعروبة .
إذا فهمنا ما تقدم حق فهمه يجب علينا أن نقر أن تأسيس المؤتمر القومي الاسلامي – الذي أثنى الدكتور كثيرا على انجازاته - بل و الاعداد لتأسيسه من داخل المؤتمر القومي العربي كان انعطافة كبيرة في اتجاه طبخ مؤامرة الربيع العبري على نار هادئة . فالذي بات واضحا اليوم أن ما كان مقصودا بالانفتاح على التيار الاسلامي هو رئيسيا الانفتاح على( الاخوان المسلمين ) لتوحيد جهود الخيانة لا لتوحيد جهود النضال , من خلال تجيير التيار القومي في خدمة مشروع الربيع العبري .
3 / الديمقراطية مدخلا لشيطنة الأنظمة الوطنية و آلية اختراق من أجل التمكين للعملاء :
يثني الدكتور معن بشور على الديمقراطية و يزينها من خلال ربطها بالمشروع النهضوي للأمة فيقول : ( إن كل خطوة تخطوها الأمة باتجاه الديمقراطية انما تفتح الآفاق واسعة أمام الأهداف النهضوية الأخرى، فالديمقراطية هي طريق الأمة لتحقيق وحدتها بمعزل عن قيود الأنظمة والمصالح الكيانية. )
ويرى الدكتور معن بشور – كغيره من دعاة العروبة الجديدة – أن أحد الأسباب المركزية في اخفاق المشروع القومي العربي يتعلق أساسا بغياب الديمقراطية السياسية و من ثمة باستفحال الاستبداد و بخاصة حين يتعلق الأمر بوصول بعض حاملي المشروع العربي القومي إلى السلطة يقول : (أما الأخفاقات فلقد تجلّت بشكل خاص على مستوى الممارسة، وأحياناً على مستوى "التنظير" للممارسات الاستبدادية والتبرير لقمع غير مبرر، مما ألحق أذى بالغاً بالمشروع العربي القومي برمته ) و يضيف : (موقع الديمقراطية بقي متراجعاً بالنسبة لأهداف أخرى بالنسبة لاصحاب هذا المشروع كالاستقلال والوحدة والتحويل الاشتراكي، وتراجع موقع الديمقراطية اكثر مع وصول بعض حاملي المشروع العربي القومي إلى السلطة على نحو سمح لاعداء المشروع بربط الحركة القومية العربية بالاستبداد والديكتاتورية مستغليّن بشكل خاص بعض الممارسات غير الديمقراطية والعنيفة التي أنزلق اليها بعض العروبيين بعد وصولهم إلى السلطة. )
نحن إذا بإزاء اتهام صريح لأنظمة عبد الناصر و صدام حسين و القذافي و الأسد بكونها أنظمة استبدادية أضرت بالمشروع القومي العربي و يجب تجاوزها و نفيها بجيل جديد من "القوميين الديمقراطيين " الذين يرفضون المقايضة بين الاستقلال الوطني و الديمقراطية : جيل عبثي يهدم باليسرى ما تبنيه اليمنى ’ يسعى لتحقيق الاستقلال الوطني و يسمح في الآن نفسه و بكل ديمقراطية للعملاء أن يبيحوا الوطن للاستعماريين .
إن إعادة إثارة علاقة المشروع القومي العربي بالديمقراطية سنة 2009 من داخل المؤتمرات الثلاث أمر لا يمكن حمله البتة على أنه مجرد دعوة للتطوير و التجديد و التجاوز , بل لا يمكن فهمه إلا في إطار شيطنة نظامي القذافي و الأسد في عيون " القوميين " أنفسهم و جرهم إلى ضرورة اسقاط هذين النظامين انطلاقا من قناعة مفادها أن ما قدمه النظامان قد أضر بالمشروع القومي العربي أكثر مما أفاده . و هذه ليست مؤامرة على القوميين الذين هم في السلطة فقط و إنما أيضا على القوميين الذين هم خارج السلطة و محاولة لجرهم في اتجاه خادم لمشروع الربيع العبري و هم يعتقدون أنهم يحسنون صنعا . فقد صار لزاما على من التحق منهم بالتحالف القومي الاسلامي اللبرالي اليساري أن يرضخوا للأغلبية : للأقوى المدعوم استعماريا : للاسلام السياسي و رئيسيا لجناحه الاخواني.
لا نريد أن يفهم من كلامنا هذا أننا ضد الديمقراطية السياسية كآلية لحل المسائل الخلافية بين الوطنيين و لكن ما يجب أن يكون واضحا و جليا في الأذهان أن هذه الآلية مشروطة بتمحيص الولاء الوطني. فلا ديمقراطية مع العملاء و الخونة . على أن الولاء الوطني اليوم يمر حتما عبر تمحيص الموقف من مشاريع التفتيت الطائفي و الديني و المذهبي و العرقي و الايديولوجي و الجهوي و العشائري .
4 / دق الإسفين :
سبق لي أن وصفت نوع الشيطنة التي مارسها معن بشور على الأنظمة الوطنية و خاصة النظام السوري بكونها شيطنة احترافية بامتياز . فالرجل يعلم جيدا أن أي نقد خارجي في مثل هذه الحالات قد يؤدي إلى نتائج عكسية للهدف المرجو تحقيقه وهو رئيسيا اختراق صفوف القومين الذين هم في الساحة الشعبية و دق اسفين الفرقة بينهم و بين القوميين الذين وصلوا الى السلطة . و لذلك كان خياره الأسلوبي موهما بالنقد الداخلي الشبيه بالنقد الذاتي : أي إنه ينطلق دائما من داخل الفكرة القومية لتفجيرها من الداخل و لتجيير هذا التفجير في الاتجاه الخادم لمشروع الربيع العبري الذي كان من بين أهدافه اسقاط النظامين الوطنيين في ليبيا و سوريا .
إن القوميين الذين وصلوا الى السلطة – بحسب معن بشور – خانوا الفكرة القومية و أغرقوا في القطرية و أغرتهم السلطة السياسية و قادهم اللهاث وراء مصالحهم الشخصية الى أن يسيروا في الاتجاه المعاكس لآمال الجماهير و أحلام القوميين الذين هم في الساحة الشعبية . إن قوميي السلطة بيضة لا مصلحة لقوميي الساحة الشعبية في احتضانها . إن قوميي السلطة قد تحولوا إلى معرقل حقيقي للمشروع القومي العربي و لنضالات القوميين الذين هم في الساحة الشعبية . يقول معن بشور بصراحة وقحة في الفقرة التي عنوانها : المشروع العربي القومي: الآليات والممارسات . يقول : (اما الاشكالية الثانية، وهي متفرعة عن الأولى، وهي المتصّلة بالعلاقة بين الرسمي والشعبي في العمل القومي العربي، حيث للرسمي من الانظمة القومية اعتباراته في السياسة اليومية والعلاقات العملية المباشرة، وحيث للشعبي رؤاه وتطلعاته المبدئية التي قد لا تتطابق احياناً مع ظروف الواقع الرسمي.
هل ينبغي هنا ان يخضع العمل الشعبي العربي لموجبات النظام الرسمي، ذي الأبعاد القومية، فيفقد استقلاليته وبالتالي يفقد قدرته على الاستقطاب والتعبئة، أم على النظام الرسمي، ذي التوجهات القومية، ان يلتزم بإملاءات التنظيمات الشعبية وتطلعاتها ورؤاها الواسعة فيجد نفسه مرتطماً باعتبارات واقعية محلية واقليمية ودولية تحول دون تحقيق تطلعاته، بل دون صموده واستمراره بالذات. انها اشكالية التوازن بين التطلعات الشعبية والظروف الموضوعية.)
لا يقدم معن بشور هنا حلولا في اتجاه الاستفادة من وصول قوميين الى السلطة و لا يقترح آليات ديمقراطية للتشاور و التنسيق . إنه يقود الأمر مباشرة إلى التصادم و المواجهة . إنه بكل اختصار يشطب الامبريالية و الكيان الصهيوني و الأنظمة العميلة من دائرة العداء و يحل الأنظمة الوطنية ذات الأفق القومي محلها . (فهم العدو فاحذرهم ).
و لينجح معن بشور في مهمة دق الاسفين هذه فهو يحتاج بكل تأكيد دغدغة مشاعر القوميين الذين هم في الشارع – و أنا واحد منهم – و عزل القوميين الذين هم في السلطة و تحميلهم بمفردهم مسؤولية اوضاع الأمة من خلال التشكيك و النعت بالردة و الخيانة و المتاجرة بالشعارات و القضايا بل و التطبيع مع أصدقاء الكيان الصهيوني و الذوبان في النظام الرسمي العربي الذي هو نظام خياني و ما شابه ذلك من أساليب الشيطنة الاحترافية التي سوف نحاول أن نأتي عليها تباعا .
5 انقلاب السحر على الساحر :
يقول معن بشور واصفا القوميين الذين نجحوا في الوصول إلى السلطة : (ان نقطة البداية في ارتداد البعض عن هذه الثوابت تجلّت في تراجعه عن المشروع القومي اولاً وتركيزه على المصلحة القطرية أولاً... فإذ به يخسر الأفق القومي ولا يحمي الوجود القطري .) (انها بأختصار اشكالية العلاقة بين القطري والقومي.) فالسبب في عدم تحقق الوحدة العربية و في ضعف التكامل العربي يعود أساسا إلى ارتداد القوميين الذين نجحوا في الوصول الى السلطة عن الثوابت القومية و رئيسيا منها فكرة الوحدة . (لا بل أن الاطار القطري للاستقلال قد تحوّل إلى اطار لتعميق الثقافة القطرية، والترويج للخصوصيات المحلية، واقامة الحواجز بين اقطار شقيقة متجاورة، واستبدال العلاقة بين جارين اخوين بانفتاح غير متكافئ على دول بعيدة لا سيمّا تلك التي كانت تستعمر منطقتنا أو تدعم عدو أمتنا أي الكيان الصهيوني، وبات العديد من الانظمة يعتمد على الدعم الاجنبي له بدلاً من دعم ابناء بلده وشعبه. ) (واذا كان الفكر الوحدوي العربي في الثمانينات قد حاول ان يتقدم خطوة باتجاه الواقع القطري معترفاً بالدولة القطرية محاولاً حمايتها من محاولات تفتيتها أو اغراقها بحروب اهلية علنية أو كامنة، فان القيمين على الواقع القطري العربي، وبعضهم من اصحاب الخطاب القومي، لم يتقدموا خطوة مقابلة باتجاه التنسيق والتكامل فيما بين دولهم.) (اما التجارب الوحدوية الجّدية التي قامت، أو كادت ان تقوم، في القرن الماضي على يد قيادات واحزاب ملتزمة بالمشروع القومي العربي، فهي لم تتمكن من العيش طويلاً، وأحياناً حتى من الولادة، في اعلان صريح عن مدى تغلغل المصالح القطرية الانعزالية في بنى وسياسيات اصحاب الرؤى والمشاريع العربية القومية.) (فسلامة الأنظمة وضمان مصالح الطبقات الحاكمة مرهون بأبتعادها عن العروبة العملية الجامعة، والخطوات الوحدوية الجادة. )
إضافة إلى شيطنة الأنظمة الوطنية - و رئيسيا النظام السوري - من خلال تقديمها كأنظمة انتهازية قطرية انعزالية متلحفة بشعارات قومية لا هم لها إلا ضمان سلامتها و ضمان مصالح الطبقات الحاكمة في أقطارها , فإن هذا الكلام خطير من وجهين : الأول هو ارتباطه من حيث التوقيت مع الاعلان عن مشروع الشرق أوسط الجديد و الاعداد لمؤامرة الربيع العبري مما يكرهنا على النظر إليه باعتباره كلام دعاية سياسية ( بروباقندا) لا نقدا علميا موضوعيا يستوجب منا تمحيصا و ردا . و الثاني – و هذا هو الأخطر الذي يستوجب منا التوقف و التدقيق – هو ذاك المرتبط بالإجابة عن سؤال خطير جدا هو : هل كانت تجارب أنظمة عبد الناصر و صدام حسين و القذافي و الأسد نقاط مضيئة في تاريخ الأمة و حاضرها بالكيفية التي تدفعنا للاستلهام منها و النسج على منوالها بما يعني دعم وطنيين في قطر من الأقطار من أجل الوصول الى السلطة , أم كانت تلك التجارب وبالا عرقل المشروع القومي العربي و حلمه في التحرير و الوحدة و بالتالي صار لزاما أن نسير في طريق غير الأولى فنتصدى بكل ما أوتينا من جهد لإمكانية صعود قوة وطنية ما إلى سدة الحكم في قطر من الأقطار . إجابة الدكتور معن بشور واضحة و صريحة . وهي في وضوحها لا تعكس خيانة لقوميي السلطة و للقادة المعلمين و للأمة فحسب , بل تكعس أيضا خيانة لقوميي الساحة الشعبية و مؤامرة عليهم .
6 / خدعة التعميم :
إضافة إلى ما قلناه عن استبدال المنظور من خلال استبدال مصطلح القومي العربي بالعربي القومي يمكن لنا أن نلاحظ بكل وضوح أن إحدى غايات عملية الاستبدال هذه تكمن أساسا في محو الفوارق البينة بين الأنظمة الوطنية من ناحية و بين بقية الأنظمة العربية سواء منها المتذبذبة أو الضالعة في العمالة . و الهدف من عملية التعميم و التسطيح هذه هو بكل وضوح دفع الجماهير و خاصة القوميين الذين هم في الساحة الشعبية إلى معاملة الأنظمة الوطنية ( في سوريا و ليبيا ) معاملة الأنظمة العميلة بائنة العمالة كالنظام القطري مثلا . القواسم المشتركة التي تسمح بالتعميم و التسطيح و نعت الجميع من ثمة بالخيانة وجدها الدكتور معن بشور في فشل الجامعة العربية - التي لم يغادرها القذافي و الأسد بعد - وفي ترهل النظام الرسمي العربي الذي لا فرق فيه أبدا بين أداء السعودية و سوريا و لا أداء ليبيا و قطر . يقول الدكتور : (وبدا واضحاً حجم سقوط هذه الاستقلالات الوطنية ( وان كانت كلمة استقلال هنا باتت بحاجة الى نقاش مع غياب معظم العناصر الحقيقية للارادة المستقلة) مع تجربة جامعة الدول العربية ذاتها أو مع كل المنظمات والاتفاقات والاجهزة المتفرعة عنها والتي يمكن تسميتها الاجمالية بالنظام الرسمي العربي....) و يضيف : (واذا نظرنا إلى الواقع الراهن لهذه الجامعة ومدى فعالياتها، لاكتشفنا ان تلك الجامعة التي توسم بها البعض خيراً في اطلاق ديناميات التكامل العربي قد تحولت إلى سجينة للانقسامات والعجز العربي بكل اشكاله، واتضحت مفارقة مذهلة بين مسار هذه الجامعة وقد أسستها دول وحكومات، وبين مسار الوحدة الاوروبية التي بدأتها جماعة اهلية هي "جماعة الحديد والصلب" برئاسة جون مونيه بعد الحرب العالمية الثانية.) و يردف : (ولقد اثبتت التطورات المتلاحقة ان هذه الشعارات ( يعني : "القرار الوطني المستقل" و "نقبل بما يقبل به الفلسطينيون".و هذا التوضيح من عدنا نحن ) التي ولدت من رحم انكفاء العمل الوحدوي العربي، وتعثر المشروع العربي القومي، لم تكن واقعية ايضاً، فالقضية الفلسطينية هي قضية داخلية في كل بلد عربي، وان شعار"نقبل بما يقبل به الفلسطينيون" كان شعاراً خادعاً، لأن الأيام اثبتت ان تفسير النظام الرسمي العربي الحقيقي لهذا الشعار هو "اننا نقبل بما يقبل به الفلسطينيون اذا قبلوا بما نريده لهم ان يقبلوا به"ليتطور في العقود الاخيرة ليصبح " اذا قبلوا بما يريده منهم المجتمع الدولي، وتحديداً الادارة الامريكية، الحليف الاستراتيجي والثابت للكيان الصهيوني".
وهنا برزت اشكاليتان في آن معاً، اشكالية لدى المشروع العربي القومي الذي يقّر نظرياً بأن فلسطين هي القضية المركزية للأمة لكنه لم يستطع ترجمة هذا الاقرار النظري إلى استراتيجيات عملية، وبقي المخلصون له مكتفين باعلان الاعتراض على سياسات التسوية والتصفية، فيما انخرط بعضهم، لا سيما من وصل إلى السلطة أو كان طامحاً بالوصول اليها، في سراب تسويات اثبتت انها تسير في طريق مسدود. )
فكأن السبب المركزي – بحسب معن بشور – في ترهل الجامعة العربية و النظام الرسمي العربي و في تعطل تحرير فلسطين يعود أساسا إلى (حضور قوميي )السلطة في المشهد السياسي .و ليس بالإمكان تحقيق أي تقدم في اتجاه الوحدة و التحرير إلا باسقاط نظامي الأسد و القذافي .
و يستمر الدكتور في نسف جميع المكتسبات التي تحققت بفضل وصول قوميين الى السلطة فيقول : (والعدالة الاجتماعية التي نجح بعض اصحاب المشروع القومي العربي في تحويلها إلى قضية حيّة في مجتمعاتهم، وقدموا انجازات ملموسة لصالح الطبقات الوسطى الشعبية، تجري اليوم محاولات حثيثة للاجهاز عليها، لكن اصحاب هذا المشروع لم يوفروا الادوات والآليات الكفيلة بصون مكتسباتها حيث تحققت، وبتحقيق هذه المكتسبات حيث يجب ان تقوم.) و الأخطر من جحود سعي هذه الأنظمة لتحقيق العدالة الاجتماعية إتهامها صراحة بخلخلة الوحدة الوطنية و تعزيز الفرقة الطائفية و العشائرية لاستدامة التذاذهم بكرسي الحكم و ضمان مصالحهم الضيقة . يقول : فالوحدة الوطنية التي باتت مهددة في كثير من اقطار الامة بسبب تفاقم النزعات العرقية والعنصرية والطائفية والمذهبية وحتى القبلية والجهوية، لم تحتل موقعها الضروري من الاهتمام من أصحاب المشروع العربي القومي لا على الصعيد النظري، ولا على الصعيد العملي خصوصاً، بل نجد في كثير من الاحيان عروبيين، حاكمين أو معارضين، ينزلقون إلى ممارسات ومواقف تضر بهذه الوحدة الوطنية رغم اعلانهم المستمر عن اهمية الوحدة الوطنية ورغم امتلاكهم للأدوات النظرية والعملية التي تسمح لهم بمعالجة أي خلل في هذا المضمار.) و يضيف : (الاشكالية الثالثة هي اشكالية الخروج من البنى القطرية الضيقة إلى رحاب العمل الوحدوي الاوسع، وهي اشكالية تشتد وطأتها مع ظاهرة التعّمق في المشاعر الاقليمية والنزعات القطرية والعصبيات والغرائز العرقية والطائفية والمذهبية وحتى القبلية والجهوية، بل مع ظاهرة تجذر المصالح القطرية والكيانية التي تحول الدولة وأجهزتها إلى حارس لها مستعد لقمع أي تهديد لها.)
الشيطنة باعتماد خدعة التعميم المضلل خبأها الدكتور لأكثر المسائل حساسية عند القوميين الحقيقيين و عند الوطنيين المخلصين وهي : مركزية فلسطين / رفض نهج التسوية و التطبيع / الموقف من الامبريالية الأمريكية الحليف الاستراتيجي و الثابت للكيان الصهيوني / الوحدة العربية / الوحدة الوطنية / العدالة الاجتماعية . و هذا ما يعزز الاستنتاج الذي وصلنا اليه و الذي مفاده أن معن بشور هو أحد الذين كلفوا بمهمة اختراق المؤتمرات الثلاث و اختراق الساحة الشعبية و رئيسيا التيار القومي فيها لإعدادها و تجييرها لمشروع مرتقب : مشروع الربيع العبري : مشروع الاطاحة بالشعوب و الدول و الأنظمة ’ و على رأسها النظاميين الوطنيين في سوريا و ليبيا . و لأجل كل ذلك كنا و ما زلنا نحذر من الدواعش الخضر الذين هم بين ظهرانينا .
و لأنه في كل محنة منحة وجب علينا ختاما أن نحمد الله الواحد الأحد الذي لا يحمد على خير أو شر سواه على ما ابتلانا به من محن سواء في العراق أو في سوريا أو في ليبيا أو في فلسطين و على ما اجتباه منا من شهداء قضوا في ساحات النزال و المواجهة و ما بدلوا تبديلا و على رأسهم صدام حسين و القذافي .
المعتز بالله العربي
/ المهدية / تونس / في 30 جانفي 2016
وهكذا المادة الربيع العبري و العروبة الجديدة : كيف مرت المؤامرة من داخل المؤتمرات الثلاث مقال في فضح الدواعش
هذا هو كل المقالات الربيع العبري و العروبة الجديدة : كيف مرت المؤامرة من داخل المؤتمرات الثلاث مقال في فضح الدواعش هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال الربيع العبري و العروبة الجديدة : كيف مرت المؤامرة من داخل المؤتمرات الثلاث مقال في فضح الدواعش عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2018/01/blog-post_926.html
0 Response to "الربيع العبري و العروبة الجديدة : كيف مرت المؤامرة من داخل المؤتمرات الثلاث مقال في فضح الدواعش"
إرسال تعليق