عنوان: التوافق من أسباب أزمة الحكم في تونس توفيق المديني
حلقة الوصل : التوافق من أسباب أزمة الحكم في تونس توفيق المديني
التوافق من أسباب أزمة الحكم في تونس توفيق المديني
كشفت نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية بألمانيا رغم محدوديتها من حيث نسبة التصويت وعدد الأصوات التي تحصل عليها الفائز فيها ياسين العياري، عن ظاهرة العزوف الانتخابي و المشاركة في العمل السياسي بشكل عام. و أصبحت الأحزاب السياسية سواء التي تحكم الآن في تونس، أو التي تتموقع في المعارضة متخوفة من ارتدادات هذه الظاهرة، لا سيما و أن البلاد مقبلة على استحقاقات انتخابية منتظرة ( البلدية في 2018 ،والتشريعية والرئاسية في 2019). كما يُؤكده أيضا تراجع عدد إنخراطات المواطنين في الأحزاب، سواء القديمة أو التي وقع تأسيسها حديثا.
ويرجع المراقبون الملمون بالشأن التونسي الداخلي إلى فقدان الأحزاب السياسية هيبتها وقيمتها ، وتزايد نفور وعزوف عموم التونسيين عن العمل الحزبي و النشاط السياسي إلى هشاشة التجربة الديمقراطية التي انخرطت فيها تونس منذ سنة 2011، لا سيما في ظل ما بات يعرف في الخطاب السياسي الرسمي بتجربة التوافق في الحكم، سواء في عهد تجربة الترويكا الفاشلة بقيادة حركة النهضة ، التي قادت البلاد إلى أزمة سياسية خانقة نتيجة اصرار النهضة على انتهاج سياسات تعكس نظرتها أكثر مما تعكس انتظارات الشعب التونسي ، أو في عهد تجربة الائتلاف في الحكم القائم على التحالف بين حزبي النداء والنهضة، بوصفه إكراهًا من إكراهات الواقع والأوضاع التي تغلب عليها الفسيفساء السياسية وتمزق المشهد العام وسط حالة من الرهاب والتوجس بشأن إدارة الشأن العام وتسيير مؤسسات الدولة والتعاطي مع مشاغل التونسيين في ظل شراهة مكونات المشهد للحكم والتموقع الغنائمي.
تونس تعيش في ظل ديمقراطية ناشئة، و تواجه صعوبات جمة، لأن الثورة ليست الديمقراطية، ولأن الانقسام السياسي و الأيديولوجي القائم في المرحلة الانتقالية وما بعدها، يتطلب من الأطراف السياسية ( سلطة ومعارضة ) تبني خيار «الديمقراطية التوافقية»باعتبارها أحد النماذج المقترحة لإنجاز مهمات الثورة في شروط يطبعها الانقسام المجتمعي. إضافة إلى كل ذلك، تعاني تونس في هذه المرحلة ، من ضعف الوحدة الوطنية ، وصعوبة الاستقرار السياسي وعُـسر ديمومته.
لذااختار الشيخان الباجي قائد السبسي ، رئيس الجمهورية التونسية، و راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي ، إقامة شراكة في الحكم ، بين حزب النداء ، وحزب النهضة ، تحت واقع الإكراهات السياسية و الظروف الموضوعية، لا سيما بعد أن رفضت الجبهة الشعبية الإلتحاق بالحكم وتفضيلها البقاء في الدولة ضد السلطة الجديدة من خلال الدور البرلماني.
ففي ظل هذا النظام السياسي الانتقالي الذي تتعدد فيه مصادر السلطة، و الذي هو أقرب من النظم الديمقراطية دون التمكن من الوصول إليها، لأن الاستقرار السياسي الذي يشكل شرطاً مفصلياًللديمقراطية التمثيلية غير متحقق في تونس ، ولن يتحقق هذا الاستقرار السياسي إلا حين يتم التوجه نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية. و تختلف «الديمقراطية التوافقية» عن الديمقراطية التمثيلية، لأنها لاتستند على عناصر التنافس في البرامج والاستراتيجيات، والاحتكام إلى منطق الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة، والإعتماد المتواتر على أسلوب الاقتراع أو الانتخاب، بل تعتمد أساساً على مواصفات بناء التحالفات الكبيرة التي تضمن للمكونات الأساسية فرص التمثيل والمشاركة في صنع القرار من أعلى هرمه إلى أسفله، دون الخضوع لسلطة الأغلبية ، إذ تحتفظ الأقلية على حق النقض أو الإعتراض مما يجعل قدرتها في مواجهة الأغلبية وتجنب هيمنتها متاحة وممكنة على صعيد الممارسة ، وهو ما لا تتيحه الديمقراطية التمثيلية، على الرغم من اعترافها بشرعية المعارضة وضمان حقوقها الدستورية في النشاط والعمل من أجل التحول إلى أغلبية بدورها.
لقد كشف المسار الديمقراطي التونسي الناشىء منذ انتخابات 23أكتوبر 2011، وانتخابات خريف 2014،عن نقاط ضعفه، في ظل تشرذم القوى السياسية واختلافاتها وتناقضاتها، إذ لم تفرز صناديق الاقتراع سوى نوع من الطوائف الحزبية لا تعكس الواحدة منها سوى 20 بالمائة من اتجاهات الرأي العام لترسم خارطة جيوسياسية ممزقة خالية من أي تمثيل واسع لإرادة التونسيين وتطلعاتهم. لهذا السبب بالذات ،تشكلت حكومات «الديمقراطية التوافقية » التي لم تكن تمتلك برامج اقتصادية لمحاربة الفساد ، الذي أصبح له لوبيات قوية داخل هياكل ومؤسسات الدولة نفسها ، حيث استطاعت هذه اللوبيات بعد الثورة المزاوجة بين التهريب والإرهاب .
و إذا كان الإكراه الائتلافي بين حزبي النداء و النهضة يهدف إلى تأمين الاستقرار الاجتماعي و السياسي و الأمني من خلال مساهمة مكوناته في تهدئة الأوضاع، فإن التجربة أظهرت أن الحكومات المتعاقبة تجد نفسها وحيدة في مواجهة التحديات، وعجزت عن انتهاج نموذج جديد للتنمية يقوم على إعطاء دور حقيقي للدولة لكي تضطلع بالمشاريع الاستراتيجية المنتجة، والتحرر من ضغوطات الدول و المؤسسات المالية المانحة التي تريد فرض شروطها، لا سيما برامج الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد، التي تفرض التضييق الأقصى من مجالات تدخّل الدولة ،وتوسيع مجال الأفراد الخواص الذين لا يتجاوز عددهم بعض العشرات على حساب الملايين من الفقراء، وعلى ضرب منظومة الفساد،و انتهاج سياسة إغراق البلاد في الديون الأجنبية.
ومن يرى أن عنصر التوازن السياسي والاجتماعي يكمن في الائتلاف الحاكم بين حزبي النداء و النهضة، فهو يعوزه الوعي العميق بحقيقة الأوضاع في تونس، ولئن ساهم الائتلاف في ذلك، فإن التوازن الحقيقي تديره وتؤمنه مؤسسات الدولة السيادية التي فرضت هيبتها ولو نسبيا.لكن حكومة« الديمقراطية التوافقية» بدلاً من أن تتبع نهجا سياديًا وطنياً، أبقت على علاقات التبعية لتونس مع دول الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول الخليجية، وأصبح القرار السياسي الوطني السيادي مرتبطًا بمصالح تلك الدول،ولوبياتها الموجودة داخل هياكل ومؤسسات الدولةالغنائمية .
والحال هذه أبقت حكومة «الديمقراطية التوافقية» على نفس تلك المنظومة الاقتصادية و الاجتماعية الفاسدة التي تشكلت تاريخيًا واستطاعت التداخل مع الدولة، الأمر الذي أدّي إلاّ إلى مزيد من تفقير الفقراء وإثراء الأثرياء،و إعادة إنتاج شروط الأزمة الهيكلية التي تعاني منها تونس. إضافة إلى كل ذلك، لم تكن تجربة «الديمقراطية التوافقية» بين الحزبين الكبيرين ناجحة على صعيد ترسيخ الديمقراطية ،إذ لامعنى للائتلاف الحاكم ، في غياب عقلية ديمقراطية يتبناها الجميع، وهذا ما يمكن استنتاجه في ظل استغاثة الأحزاب الصغرى من هيمنة الحزبين الكبيرين واستحواذهما على صنع القرار وسياسة التهميش.
وهكذا المادة التوافق من أسباب أزمة الحكم في تونس توفيق المديني
هذا هو كل المقالات التوافق من أسباب أزمة الحكم في تونس توفيق المديني هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال التوافق من أسباب أزمة الحكم في تونس توفيق المديني عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/12/blog-post_3212.html
0 Response to "التوافق من أسباب أزمة الحكم في تونس توفيق المديني"
إرسال تعليق