عنوان: إلى أين تسير تونس؟ تأملات في تضاريس الفساد من خلال قانون المالية د. مصباح الشيباني
حلقة الوصل : إلى أين تسير تونس؟ تأملات في تضاريس الفساد من خلال قانون المالية د. مصباح الشيباني
إلى أين تسير تونس؟ تأملات في تضاريس الفساد من خلال قانون المالية د. مصباح الشيباني
هذه الفقرة التي اسْتُهِل بها قانون المالية جاءت موجزة وواضحة الدلالة والمعاني بشكل لا يقبل التأويل حول استراتيجية الدولة وتوجهاتها الأساسية الاقتصادية والمالية في المستقبل. لكن ما ينقص هذا القانون هو التّصريح بشعار هذه "الاستراتيجيا" وهو: سياسة التقشف. فالنص أخفى هذا المفهوم لكن هذه الفقرة تشير صراحة إلى ذلك من خلال العناوين الواردة فيها وهي:
1ـ دفع الاستثمار ( النهب) وخصه باعتمادات إضافية،
2ـ التحكم في عجز الميزانية عبر "ترشيد" ( التقشف)النفقات وخاصة نفقات الأجور ( تسريح العمال والاحالة على التقاعد المبكر)،
3ــ تقليص الاستثمار العمومي أي التفويت في المؤسسات العمومية،
4ــ دعم موارد الدولة عبر الرفع من الجباية ( التفقير).
ولسائل أن يسأل لماذا لم يعلن هذا القانون صراحة عن هدفه الرئيسي وهو اتباع سياسة التقشف؟
قد لا يتسع المجال في هذه المقالة لمناقشة هذه الإشكالية المعقدة ، لذلك سوف نقف على بعض النقاط الخطيرة التي تنبؤ برهن سياسة الدولة الاجتماعية والاقتصادية بشبكات المافيا والنهب المحلية والدولية. هذه التوجهات تؤكد أن قانون المالية هو إعلان حرب على الشعب وعلى مؤسسات الدولة السيادية بدعوى "الالتزام بالتعهدات الإصلاحية مع الأطراف الاجتماعية والمؤسسات المالية الدولية".
لا يستطيع أحد اليوم أن ينكر أن السّبب في أزمة البلاد هو "الفساد" بمختلف أشكاله ومخلفاته. فانفجار الدّيون والافلاس والأزمة العامة وانهيار قيمة الدينار وارتفاع الأسعار في السنوات القليلة الماضية ليست إلا عرض من أعراض منظومة الفساد التي أصبحت أداة ابتزاز وتفكيك لمؤسسات الدولة في تونس. لكن رغم ذلك، فإنّ هذا القانون لم ينطق بالحقيقة ولم يسم الأشياء بمسمياتها، وهو أن السّلطة غير قادرة على تفكيك لوبيات الفساد التي أصبحت تتضاعف سنويا، وتكلف ميزانية الدولة خسائر بمئات الملايين من الدولارات.
على الرّغم من سياسة التضليل التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة في تونس منذ 2011، يكشف لنا هذا القانون استراتيجية الحاكم الحقيقي "الخفي" في الدولة، والجانب غير المرئي للخطة في دعم حكم منظومة فساد الشركات وأصحاب المال ذات النفوذ السياسي والاقتصادي، وذلك على حساب حرمان الطبقات الفقيرة والمتوسطة من الخدمات الاجتماعية والعيش الكريم. ففي ظل هيمنة شبكات الفساد على مقدرات البلاد أصبحت الأغلبية الساحقة من الشعب تعيش في الهامش من التنمية والرّفاه والكرامة بل تحول المواطنون إلى مجرد أرقام استهلاكية ومشاركين بالطاعة والانقياد والفرجة عبر مختلف "أشكال السّطوة" والهيمنة المالية والسياسية والإعلامية من أجل هندسة المواقف والقيم.
لقد أصبح كل شيئ في تونس ضبابيا، ويصعب إعطاء الواقع إسمًا معبرا في ظل التصدعات والتهديدات الشاملة التي لن تستثني أحدا من أفراد المجتمع مهما علا شأنه. كما تضخمت المؤسسات الخاصة واستشرت ثقافة النّهب المنظم ( القانوني) وتغلغلت شبكات الفساد في كل المؤسّسات. لذلك، تُعدّ كل المفاهيم والحجج الواردة في هذه السياسة مسخرة بعقول الناس. فكيف نساوي مثلا، في تحمل الأعباء الجبائية بين الأغنياء والفقراء؟
إنّ "سياسة التقشف" هي جريمة حرب أطلقتها سلطة "اليد الخفية" التي يقودها رجال الأعمال "الخائنون" لأوطانهم، وهي مكافأة لهم لدعم رؤوس أموالهم ولدعم احتكارهم لكل عناصر الإنتاج الأخرى. فقد جعل هذا القانون من "العامة" عبيدا ولن يكونوا يوما من اهتمامات سياسة "دولة السّوق" التي لا تخضع إلى شكل من أشكال المحاسبة. لقد حوّل هذا القانون الفقراء وعامة الشعب إلى مستبعدين من إمكانية التمتع بالرخاء ولكنهم شركاء في علاج الأزمات. فسياسة التقشف هي إعلان حرب على أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسّطة، وهي أكثر ظلما وانتهاكا لحقوقهم في التنمية لأنها تبرئ الفاسدين الذين تسببوا في الأزمة وغنموا كل المكاسب منها. أليست الزيادة في الضرائب والتقشف في النفقات العمومية والحد من الاستثمارات العمومية هي الوجه القبيح لحرب الإبادة "النّاعمة" للشعب مقابل حماية الفاسدين الذين تسببوا في هذه الأزمة!
واستند هذا القانون، لتضليل الرأي العام، إلى ترسانة من المصطلحات "الزئبقية" التي لن نجد لها أثرا في الواقع مثل: "دعم التشغيل" و"التنافسية" " وتشجيع الاستثمار" ...الخ من أجل إطلاق أيادي لصوص الدولة وصرف الانتباه عن دورهم في "النّهم" و"التّفقير" و"التّهجير" و"التّهميش". لذلك، ومن أجل تسييس الفساد ومأسسته، كثر صراخ هؤلاء اللّصوص وزاد تهريجهم وعربدتهم وتهديدهم عسى أن يغشوا أبصارنا ويلهوا رؤيتنا لحقائق الأمور ومعرفة أسباب الأزمة الحقيقية، ومن أجل تمرير هذا القانون للمصادقة عليه من قبل البرلمان دون تعديل أو تغيير.
إنّ المتمعن في قانون المالية لسنة 2018، يتأكد أننا نعيش مشهدا معبأ بأقوى الاحتمالات سوءًا، وأننا على عتبة عصر المصائب والرزايا وسوء الطالع والشقاء. والطبقة الوسطى، أو ما بقي منها، هي التي ستذوق مرارة هذه الأزمة ومخرجات قانون تشريع الفساد (قانون المصالحة). لأن هذه الطبقة هي المستهدفة من كل هذه السياسات؛ باعتبارها القلب النابض للوطن على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والفكري والثقافي، وهي المكون الرئيسي للنقابات العمالية والمعارضة. وعندما تتفكك هذه الطبقة وتفقد بأسها في الدولة، أو تنحدر في أسفل سلم الحياة المادية والمعنوية، تُفْرغ الساحات للرأسمالية المتوحشة والخائنة، وينهار بنيان الدولة ويفقد المجتمع حلمه في التنمية.
نعتقد أن هذا القانون قد حكم على جميع أفراد الشعب أن يظلوا مهمشين ومنحرفين بلا إرادة، وإلى شرعنة أعمال النهب والسرقة بحيث يصعب على أي سلطة مقاومتها، ولن تجد في النهاية من حل سوى الاعتراف بها، فتمنح الفاسدين والخائنين للوطن المناصب الرئيسية وتُرتّب لهم أماكن "الرّعي" والسّطو على ما بقي من مرافق عمومية. كما ستؤدي هذه السياسة إلى نتائج أكثر كارثية على مستوى ارتفاع نسق الدّيون ـــ الداخلية والخارجية ــ وإلى فقدان "السّيادة الائتمانية" والسّقوط في "الهاوية المالية"(Fiscal Cliff)، وكذلك إلى ارتفاع نسبة بطالة الشباب وتقليص الخدمات الاجتماعية وتفكيك مؤسسات الدولة والخضوع إلى نظام الوصاية الدولية في أقبح صوره.
وهكذا المادة إلى أين تسير تونس؟ تأملات في تضاريس الفساد من خلال قانون المالية د. مصباح الشيباني
هذا هو كل المقالات إلى أين تسير تونس؟ تأملات في تضاريس الفساد من خلال قانون المالية د. مصباح الشيباني هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال إلى أين تسير تونس؟ تأملات في تضاريس الفساد من خلال قانون المالية د. مصباح الشيباني عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/11/blog-post_1.html
0 Response to "إلى أين تسير تونس؟ تأملات في تضاريس الفساد من خلال قانون المالية د. مصباح الشيباني"
إرسال تعليق