عنوان: أين الحيتان الكبيرة في الحرب على الفساد في تونس؟ د الصحبي العمري
حلقة الوصل : أين الحيتان الكبيرة في الحرب على الفساد في تونس؟ د الصحبي العمري
أين الحيتان الكبيرة في الحرب على الفساد في تونس؟ د الصحبي العمري
تصدّعت رؤوسنا بحالة الطوارئ في مقاومة الفساد وما زلنا ننتظر حصيلتها رغم أنّ التناقضات المرافقة لها لا تبشّر بخير خاصة إذا لاحظنا تباينا في التوجهات العامة في هذا الموضوع بين قصر قرطاج وقصر الحكومة بالقصبة في خصوص المصادقة على قانون المصالحة الإدارية لتجاوز العمل على المصالحة الوطنية الشاملة بين الدولة والشعب .. من ذلك فأنّ الطبخة المقدّمة في الحرب على الفساد تفوح منها روائح كريهة تزيد في تعقيد الوضع العام وتقضي على ما تبقى من جسور الثقة المفقودة بين السلطة والشعب ..
رغم أنّ المؤشرات الواضحة لا تبشّر بخير لفرض سلطة القانون على الجميع إلاّ أنّ موجة مقاومة الفساد التي يقودها يوسف الشاهد لا تعدو أن تكون إلاّ نوبة هستيريا تستعيد بها حكومة أولاد مفيدة أنفاسها كلّما زاد نفور الشعب من سياسة الكذب والنفاق والتوافق المزعوم ..
لسنا في حاجة إلى زعيم من ورق لمقاومة الفساد .. ولسنا في حاجة لحرب على الفساد .. كما أنّنا لسنا في حاجة إلى إعلان حالة الطوارئ لمقاومة الفساد .. نحن في حاجة فقط لتطبيق القانون على الجميع دون استثناء خاصة وأنّ قوائم الفاسدين والمفسدين متوفرة لدى الجميع قبل وبعد الثورة .. إذ بحوزة أجهزة السلطة قائمة تقارير لجنة المرحوم عبد الفتاح عمر وقائمة الـ 114 من الفاسدين الذين جاءت فيهم تقارير دولية .. وقائمة الـ 127 من الذين إستولوا على المال العام بقروض فاقدة للضمانات وعجزت البنوك عن إسترجاعها .. وقائمة أكثر من 300 فاسد من الحيتان الكبيرة والتي جاء بها تقرير # كريزيس # .. وهو ما لا يستثني وجود آخرين من أثرياء ما بعد الثورة ..
ليس من باب التجاذبات والمزايدات لبث الإحباط والتشكيك في حسن النوايا ولكنّ رجائي يتجاوز النقد والتحامل من أجل تفعيل دولة القانون والمؤسسات لتكون مصلحة تونس فوق كلّ إعتبار حتّى لا يظنّ أحدهم أنّه بإستطاعته إستحمار الشعب التونسي في ميدان الشفافية وتطبيق القانون الذي يجب أن يكون كالموت الذي لا يستثني أحدا ..
لذلك فإنّ أصحاب الشبهات الذين تسللوا إلى مواقع القرار والنفوذ في حكومة الشاهد الأولى والثانية وبقطع النظر عن إنتماءاتهم الحزبية لن يكونوا إلاّ حجرة عثرة في حملة القضاء على الفساد .. لذلك فقد وقع تمييع هذه الحملة بالتغافل عن الفاسدين المعروفين في البلاد وتجاوز القوائم السالفة الذكر بالتوجه إلى مقاومة التهريب والمهربين دون سواهم في مسرحية سيّئة الإخراج تكتفي بصيد هزيل للإيهام بمقاومة ظاهرة الإقتصاد الموازي الذي يستنزف مداخيل خزينة الدولة ..
لكنّ الصفعة الأخيرة التي كشفت عدم وجود الإرادة السياسية للسلطة في مقاومة الفساد في تونس كانت من خلال إصدار حكم قضائي في محكمة تونس يوم 14 سبتمبر 2017 ببطلان الإجراءات في قضية ديوانية لمهرب العملة الفاضل عبد الكافي وما رافق ذلك من تستر على ملفه القضائي منذ سنة 2014 وعدم إدراج إسمه في برقيات التفتيش الأمنية لجلبه في حالة تقديم للقضاء وذلك قبل تعيينه وزيرا للتعاون الدولي ثم للمالية بالنيابة .. وهي بدعة قضائية تواطأ فيها رئيس النيابة العمومية وزير العدل الحالي غازي الجريبي بعدم إستئناف الحكم المشار إليه والذي يمثّل بدعة قضائية بل فضيحة تاريخية لم يحدث مثلها في تاريخ القضاء التونسي منذ الإستقلال ..
كما لا يمكن المرور دون الإشارة إلى تركيبة حكومة يوسف الشاهد الثانية التي تضمّنت 13 وزيرايشملهم قانون المصالحة الإدارية الذي لم تصادق عليه المحكمة الدستورية إلى حد الآن .. يعني 13 وزير ساهموا بشكل أو بآخر في تأصيل الفساد المالي في تونس من خلال مسؤولياتهم في المنظومة السابقة أصبحوا يتصدرون بكل وقاحة مواقع القرار والنفوذ ..
فهل يُمكن بناء تونس الغد بمن قاموا بتهديمها البارحة ؟ وعن أي مقاومة فساد يتحدثون في بلد يعاني من أزمة إقتصادية ومالية خانقة ؟ وهل تمكن مقاومة الفساد بحكومة تتضمن وزراء تحوم حولهم شبهات فساد أو منشورة ضد بعضهم ملفات قضائية في ميدان الفساد وإستغلال النفوذ ؟ وهل يكفي إلقاء القبض على بعض المهرّبين وإلقاءهم وراء القضبان للإقرار بمقاومة الفساد ؟
لسنا من الأغبياء للتصديق بذلك خاصة إذا علم الجميع أنّ التهريب يحتاج إلى بضاعة ممنوعة ومعبر حدودي ومهرّب وضرورة تواطئ أعوان وضباط القمارق وشرطة الحدود وغطاء من متنفذين في أحزاب سياسية ..
من ذلك فإنّ التهريب في المعبر الحدودي يحتاج إلى تواجد :
- جهاز التفتيش بالأشعة Scanner .. مهمته مراقبة مدى تطابق بيان البضاعة المصرّح بها مع البضاعة المشحونة وكشف الخروقات المتواجدة .. حيث جرت العادة أن يكون الإرتشاء الديواني في تعريفة 2000 دينار للتنصيص على عبارة R.A.S للحاوية ذات سعة 20 قدم إذ يقع تبييض هذا المبلغ في فاتورة الوسيط الديواني Transitaire
- جهاز وزن البضاعة Pesage حيث أنّ غالبية عمليات التسريح تقع إعتمادا على سبيل المثال 2000 دينار للطن الواحد في المعاليم الديوانية إذ يقع التخفيض في وزن الشحنة إلى أكثر من النصف لضرب معلوم التوظيف الديواني للحصول على رشوة من طرف العون المكلّف ..
- أعوان ديوانة .. وهو جهاز معتل يمتهن الضبابية والانحرافات في الأداء بعد أن تعفّن بإقتسام غنائم المعابر وآليات التلاعب بمداخيل الخزينة العامة بعد أن نصّبت الديوانة نفسها نيابة عمومية وقضاء لتحديد معاليم الصلح الديواني بعيدا عن أعين الفضوليين .. من قضاء ومجتمع مدني ..
- أعوان شرطة حدود # ليس لهم تكوين في عمليات التصريح والتسريح الديواني Déclaration et dédouanement وهو إجراء متعمد من طرف أصحاب القرار في الإنتدابات العرجاء # حيث يكتفي هذا السلك بالفتافت من رشاوي التهريب ..
- أجهزة المراقبة بالكاميرا # وهي لا تعمل عمدا # رغم أنه توجد حاليا صفقة مشبومة لإقتناء أجهزة كاميرا للمراقبة بمبلغ 14 مليار ..
- الترانزيت .. يختص في نوعين من العمليات :
- - بضاعة موجهة للسوق التونسية يقع التنصيص عليها في مستندات الشحن بكونها موجهة إلى سوق خارجية « ليبيا - الجزائر » حيث توضع لها الكراشم # Plombage # بمعلوم لا يفوق 10 دينارات ويقع بعد ذلك توجيه البضاعة إلى مخازن سرية داخل تونس ثم تقع تسوية الوضعية بختم الوثائق في معبر راس الجدير دون مرور البضاعة .. يعني دون دفع المعاليم الديوانية لتسويق البضاعة داخل تونس .. وهو ما يدعم الإقتصاد الموازي ..
- - التدليس .. وهو التلاعب على مستوى اللوحات المنجمية للمجرورة Contenaire – Remorque حيث يقع تمرير الحاوية السليمة للتفتيش والمراقبة للحصول على الإذن بالرفع ليقع بعد ذلك إستعمال اللوحات المنجمية والمستندات في حاوية ومجرورة تحمل بضاعة مهرّبة ..
- الترانزيت بالمرافقة الأمنية # عصابات #
- - الإيهام بإيقاف مهرّب مكبّل اليدين داخل سيارة دورية أمنية مع التظاهر بحجز البضاعة والشاحنات لتأمين وصول البضاعة إلى مخازن التهريب السرية .. حيث جرت العادة أن تكون مثل هذه العمليات في مثلث برمودا # مساكن .. الجم .. منزل كامل # ويقع لاحقا تقسيط رفع البضاعة وتحويلها إلى أماكن أخرى في سيارات محجوبة الرؤية Fourgonnette – Partner بتعريفات أصبحت معروفة لدى العموم .. حيث لا يتجاوز نقل كيلوغرام من الزطلة 300 دينار .. وكيلوغرام من المرجان 2000 دينار تتكفل بنقله في بعض الأحيان سيارات إدارية من شرطة وحرس وبريد وصحة أو قيادة السيارة الخاصة من طرف عون من الحرس أو الشرطة أو تكبيل المهرب في حالة إيقاف مع حجز بضاعته والإيهام بالتوجه إلى تونس للبحث وإتمام الإجراءات القانونية .. في غياب تام للتنسيق مع قاعة العمليات المركزية # دولة في دولة # حتّى أصبح المهربون يتعاملون بمنظومة الــ Formule وهي صيغة جديدة لتسويق البضائع المهربة داخل تونس sur commande من الشاري مع تسهيلات في الدفع والخلاص بين 6 أشهر وسنة ..
وأمام هذا الورم الذي ينخر إقتصاد البلاد ويستنزف مكتسباتها المالية جاء يوسف الشاهد وفريقه ليدعي أنّه يشنّ حربا على الفساد ويتوجّه للقبض على بعض المهربين دون شركائهم الأساسيين والأصليين في دوائر الديوانة والشرطة والأحزاب المتنفذة من الذين يعملون في إطار عصابات داخل أجهزة الدولة لتخريب الوطن ..
من ذلك تجدر الإشارة على سبيل المثال وليس الحصر تعيين الضابط الديواني منصف صميدة من أقارب المهدي جمعة وناجي جلول في خطة مشرف ومسؤول على جهاز السكانار من سنة 2000 الى سنة 2015 في ميناء رادس الذي تمر منه قرابة 70% من بضائع التهريب .. وكذلك تعيين المسؤول السابق على إدارة الأبحاث الديوانية في نهج مدريد في تونس الضابط عبد الحميد الطويهري المتورّط في الفساد إلى حد النخاع والذي وقعت ترقيته ليصبح مدير الإستعلامات الديوانية ..
وفي المقابل .. إلتحق الفاسدون بالجهاز الديواني بالعمل النقابي ليضمنوا حصانة قضائية والإفلات من التتبعات العدلية والعقاب الجزائي ..
كيف يمكن تفسير تداول ثمانية مديرين عامين على الجهاز الديواني منذ إندلاع الثورة مع إستفحال حدة ظاهرة التهريب وثراء المهربين ؟
وهل أصبح من الأكيد مراجعة المجلة الديوانية بصفة عميقة لا تجعل منها خصما وحكما في إدارة الصلح ؟ وهل من الواجب تطعيم الجهاز بكفاءات شبابية لم تتعفن بعد بعقلية النهب والسلب التي تنخر الوطن ؟
ويبقى رجائي لرئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي ركب رأسه ولا ينصت للنصائح ويعتبر نفسه عبقري زمانه أنّ المناصب زائلة مهما طالت ولن يذكر التاريخ إسم أحد إلاّ بإنجازاته .. لذلك .. وجب عليه أن يحترم ذكاء المواطن حين تعلن مصالحه أنّها قامت بإيقاف مهرّب دون أن تعلن أيضا عن باقي جوقته وإيقاف شبكة المسؤولين التي تعاملت معه لتسهيل عمليات التهريب .. لأنّه لا يوجد مهرب دون شبكة فاسدة من الديوانة والبوليس متورطة معه تحت غطاء بارونات في مراكز القرار والنفوذ ..
فمن يتستّر على هؤلاء المجرمين في حق البلاد والعباد ؟
كفانا من صيد الوزف .. نريد الحيتان الكبيرة .. من أجل سلامة تونس .. وتلك هي حكاية أخرى .. وللحديث بقية ..
د. الصحبي العمري
02 أكتوبر 2017 ..
وهكذا المادة أين الحيتان الكبيرة في الحرب على الفساد في تونس؟ د الصحبي العمري
هذا هو كل المقالات أين الحيتان الكبيرة في الحرب على الفساد في تونس؟ د الصحبي العمري هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال أين الحيتان الكبيرة في الحرب على الفساد في تونس؟ د الصحبي العمري عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/10/blog-post_26.html
0 Response to "أين الحيتان الكبيرة في الحرب على الفساد في تونس؟ د الصحبي العمري"
إرسال تعليق