عنوان: الوحدة والانفصال في الوطن العربي بقلم سالم الحداد
حلقة الوصل : الوحدة والانفصال في الوطن العربي بقلم سالم الحداد
اقرأ أيضا
الوحدة والانفصال في الوطن العربي بقلم سالم الحداد
أولا ـــ الأمة العربية من الاستبداد العثماني إلى الاستعمار الأوروبي
إن أهم منطقة كانت عرضة للتحكّم في إرادتها هي الشرق الأوسط الكبير لسببين : موقعها ألإستراتيجي ، فهي تقع على مفترق التجارة العالمية بين الشرق والغرب، وهي أيضا مصدر لنصف ثروات العالم من الذهب الأسود وسوقا استهلاكية لامتصاص فائض الانتاج.هذه العوامل أسالت لعاب الدول المنتصرة في الحرب الأولى لتتقاسم ممتلكات الدولة العثمانية ، فقد رسمت معاهدة سايكس (وزير خارجية بريطانيا) وبيكو ( وزير خارجيةفرنسا) سنة 1916، بالقلم والمسطرة والبركار والمنقلة، حدود نفوذ الدولتين من تركة الرجل المريض سرّا ثم علنا ، فكانت بلاد الحجاز والعراق وفلسطين من نصيب بريطانيا ،أما فرنسا فقد اختارت بلاد الشام أين يتواجد المسيحيون الكاثوليك ، بعد أن فازت بشمال إفريقيا وفازت بريطانيا بمعظم آسيا ، ثم سارت بريطانيا أبعد فعقدت صفقة مع الصهيونية ، لمساهمتها في تمويل الحرب العالمية الأولى ، فأعطى من لا يملك( بريطانيا) ما لا يملك (فلسطين) لمن لا يمـلك (الصهيونية) وعد بلفور، دون الرجوع لأية مرجعية قانونية ولا شعبية ولا أخلاقية.
. ثانيا ـــ الوحدة وإرادة التحرر السياسي والاجتماعي
على المستوى التنظيري استفاد المنظرون العرب من الفكر القومي الأوروبي الذي ينهض على وحدة اللغة والامتداد الجغرافي بل حتى من الإضافة التي قدمها ستالين حول دور العامل الثقافي والنفسي باعتباره انعكاسا للحياة الاقتصادية المشتركة . والفرق بين الحركة الوحدوية الأوروبية والحركة الوحدوية العربية ، هو أن كلا منهما جاءت محايثة لعصرها، فالوحدة الأوروبية أفرزتها حركة التطور الرأسمالي أما حركة التوحيد العربية فهي حركة تحريرية تحررية توحيدية تستجيب لرغبة الوطن في الاستقلال ولرغبة المواطن في الحرية ولطموحه في وحدة الأمة.وكان الكادحون من عمال الساعد والفكر دعامتها الأساسية . ومن الطبيعي أن يكون الفكر الاشتراكي هو حمولتهم وسلاحهم خاصة بعد أن قدموا إضافة متمايزة حول جدل الحرية بين الموجود والمنشود. وفي نفس الوقت أخذوا بعين الاعتبار ثلاثة معطيات أساسية متجذرة في بنيتهم الاجتماعية والحضارية .
1ـــ أن بنية المجتمع العربي السكانية والحضارية متنوعة ، ففي هذا الوطن نسيج بشري امتلك تراثا حضاريا تعددت ثقافاته وتنوعت لغاته وأعراقه وأديانه ، وكان عليه أن يحافظ عليه وأن يثريه بما اكتسبته البشرية من قيم إنسانية ، فجاءت القومية العربية متجذرة في هويتها رافعة لمبادئ حقوق الإنسان في الحرية والكرامة والعدالة بكل أبعادها الاجتماعية والإنسانية ، بعيدة كل البعد عن العنصرية العرقية أو التعصب الديني ، فلا سبيل لقومية تقوم على صفاء العرق ونقاوة الدم أو أحادية الدين أو المذهب .فالأمم الحية لا يهمها أن تعرف كيف كانت إلا بقدر ما يساعدها ذلك على معرفة كيف يجب أن تكون ، وهذا ما لم يفهمه لا أنصار السلفية الدينية ولا أنصار السلفية الحداثية الذين يعانون من قطيعة معرفية فالأولون منبتّون عن الحاضر، بما فيه من مستجدات معرفية وقيم إنسانية والآخرون منبتّون عن الماضي، بما يحتويه من قيم حضارية تؤصل الكيان.
2 ـــ إن معظم الأقطار العربية ــ مستعمرة أو تابعة لقوى استعمارية أو محكومة بأنظمة استبدادية ـــ انخرطت في حركة التحرر بكل أبعاده ، فطموحات الأمة لا يمكن أن تكون إلا تجاوزا لهذا الواقع ، انطلاقا من قانون جدل الحرية بين الموجود والمنشود .
ورغم صعوبة هذه المهمات التي أتت متزامنة ، فإن حركة الثورة العربية دعمت حركات التحرير في الوطن العربي وخارجه وتصدت لقوى الشد إلى الوراء من الرجعيين والإقليميين، ولم تغفل أو تتغافل عن الاستعداد لمقاومة المغتصب الصهيوني ، وحققت الجمهورية العربية المتحدة كأول إنجاز وحدوي استنفر كل أعداء الأمة. فأين يتجلى ذلك؟
ثالثا ـــ سفر مباح في الصراع بين الوحدة والانفصال
1 ـــ انفصال القطر السوري عن الجمهورية العربية المتحدة
دخل مصطلح الانفصال القاموس السياسي العربي لأول مرة سنة 1961 عندما قامت مجموعة من الضباط في سوريا بانقلاب عسكري دُبّر بليل على الجهورية العربية المتحدة التي أُعلنت باستفتاء شعبي في وضوح النهار بين الشعبين المصري والسوري سنة 1958.وتأكد فيما بعد أن الانفصال كان بتدبير استعماري صهيوني رجعي، عمل جاهدا سرا وعلنا لضرب الوحدة باعتبارها خطرا يهدد مصالحه بل وجوده في المنطقة العربية .
وكانت تلك بداية لمرحلة جديدة للصراع بين الانفصاليين الذين تغذّيهم وتسندهم هذه القوى الجاذبة للوراء والقوى الوحدوية التقدمية الرافعة لشعارات الحرية والاشتراكية والوحدة ، ولم يمرّ إلا عام ونيف حتى استرجع الوحدويون في سوريا زمام المبادرة ، حيث وقع انقلاب وحدوي في سوريا ، وكان الأمل أن تعود الوحدة بين سوريا ومصر، غير أن الوحدويين دخلوا في نفق مظلم ، فصاروا يتصارعون حول طبيعة الوحدة : هل تكون آنية فورية أو مؤجلة مدروسة ؟ هذا الاختلاف أفضى إلى تصفيات بين مراكز القوى في الجيش السوري ثم آلت إلى صراع بين أطراف الحزب الحاكم ، ومن سوريا إلى العراق حيث وقع انقلاب على عبد الكريم قاسم وتجدد نفس السيناريو بين مراكز القوى في الجيش العراقي ثم بين أطراف الحزب الحاكم. ورغم ما حصل من وفاق على إقامة وحدة ثلاثية بين مصر وسوريا والعراق إلا أن الصراعات الحزبية العسكرية عطلت الإرادة الشعبية ، ثم انتهى الأمر بحزب البعث ــ الذي كان له الفضل في تحويل الإرادة الوحدوية إلى فعل شعبي ـــ للانشطار لحزبين بعثيين يدّعي كل منهما الشرعية ، فتولى كل منهما تصفية رفاقه داخل القطر وعلى الساحة العربية. ورغم ما بذله كل منهما من تنموية قطرية فإنهما أضاعا الرسالة الوحدوية وشوّها صورة النضال الوحدوي الذي صار مرتبطا بالعنف وبالعسكر، ورغم هذه الدروس الأليمة فإن الوحدويين كانوا مع العراق في مواجهته للغزو الأمريكي ومع سوريا في مواجهة الإرهاب لأن الوحدة في أعمق أعماق الأمة ، فغرناطة لا يجب أن تسقط مرة ثانية.
3 ـــ أول استفزاز وحدوي ، بن بلة : نحن عرب ... نحن عرب ... نحن عرب
ما أن وُقّعت اتفاقية استقلال الجزائر1962 حتى أطلق سراح الأحرار الخمسة (أحمد بن بلة، أية أحمد، رابح بيطاط ، محمد خيضرومحمد بوضياف ) الذين اختطفت طائرتهم المخابرات الفرنسية 1956 وهم في طريقهم من المغرب لتونس لمناقشة نتائج المفاوضات فاستقبلتهم الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة يوسف بن خدة 14 أفريل1962 والحكومة التونسية برئاسة بورقيبة. وفي أول اجتماع شعبي أخذ ابن بلة الكلمة ليستهل خطابه بثلاث جمل << نحن عرب ... نحن عرب ... نحن عرب>> كررها ثلاث مرات ، استفزت الحاضرين وخاصة بورقيبة الذي بادر إلى معطفه ليلبسه ويغادر، غير أن ابن خدة ساعده في لبسه وأثناه عن المغادرة، ولم يفهم المتابعون ما هي الرسالة التي أراد أن يبعث بها من هذه الأثافي ولمن ؟ ثم أتضح أنها تتضمن قناعته بخيار الثورة الجزائرية فمصيرها لا يمكن أن يكون إلا ضمن الأمة العربية. أما لمن وجّه هذا الخطاب فهناك قراءات متعددة ويمكن إجمالها في ثلاث:
1 ــــ أنصار الظهير لبربري1930
هذا الظهير هو مشروع استعماري كانت تسعى فرنسا من خلاله إلى فرنسة المغرب العربي استنادا لمقولة سيبيون الروماني الإفريقي << فرق تسد>> وهو أخطر على الأمة العربية والمغرب العربي من المشروع الصهيوني لو كتب له النجاح ، وكان هذا المشروع نتيجة لدراسة أعدها الراهب الباحث شارل دي فوكولد (1858/1916)FOUCAULD وقدمها للأكاديمية العسكرية الاستعمارية. وتنهض هذه الدراسة على إحصائية للسكان البربر في أقطار المغرب العربي، فهم يتوزعون كالتالي 1 في المائة في تونس 25 في الجزائر و45 في المغرب. وبناء على هذه الإحصائية قررت فرنسا أن يكون المغرب نقطة ارتكاز المشروع. ويقوم الظهير على الفصل بين المخزن (وهم العرب الذين يسكنون المدن وهم الأقرب للسلطة) والسيبة(وهم سكان الريف المغربي وهم الأقرب للتمرد) ويكون الفصل على أساس المرجعية التشريعية فالمخزن يحتكم للشريعة الإسلامية ، أما السيبة فتكون مرجعيتهم الأـساسية هي العرف البربري لأن الإسلام عقيدة سطحية لديهم . وإذا لم يجدوا فليلتجئوا إلى القانون الفرنسي. وقد أدرك المغاربة الهدف الخفي لهذا المشروع فقاوموه انطلاقا من جامع سيلا بالمغرب رافعين شعار الله أكبر...نحن أمة واحدة. وقد عمل فوكولد FOUCAULDعلى إعداد مقومات الأمة وهي اللغة والتاريخ والامتداد الجغرافي فأعد قاموسا لغويا بحروف تُقرأ من اليمن إلى اليسار والعكس كما بحث في تاريخ البربر وسجل عدّة محطات، وكانت ردود الفعل على هذا المشروع بداية تشكّل الوعي الوطني، فظهرت العديد من الأحزاب المطالبة بالاستقلال. وقد لعب المفكر اللبناني القومي المقيم في سويسرا شكيب أرسلان دورا فاعلا في توعية النخبة المغربية. ومن الذين تصدوا لهذا المشروع في الجزائر جمعية العلماء التي ظهرت في نفس الفترة تقريبا وطرحت مشروعا ثقافيا سياسيا فرفعت شعارا بثلاث نقاط : الجزائر وطني،الإسلام ديني والعربية لغتي.فخلفية رسالة ابن بلة هي أن استقلال الجزائر هو إعلان عن سقوط مشروع الفرنسة الذي راهنت عليه فرنسا من خلال الظهير وغيره .
2 ـــ مؤتمر الصومام انحراف عن بيان 1نوفمبر 1954
هو المؤتمر الاول الذي عقدته جبهة التحرير الجزائرية بعد عامين من الثورة بقيادة العربي بن مهيدي وعبان رمضان وكريم قاسم وغيرهم داخل الجزائر بمنطقة بجاية على وادي نهر الصمام في 20 أوت 1956 في غياب عدة قيادات تاريخية من داخل الجزائر ومن خارجها، ومن أبرزهم أحمد بن بلة الذي رفض الالتحاق بالمؤتمر واضعا نقطة استفهام حول خلفيته السياسية ، ويبدو أن المؤتمر بالرغم من نجاحه في بعث عدة مؤسسات للثورة وإعادة هيكلتها وتنظيمها ، إلا أنه أخذ اتجاها تصالحا مع الفعاليات السياسية التي لم تقطع مع فرنسا مثل مجموعة مصالي الحاج وحزب فرحات عباس الذين كانا رافضين للعمل المسلح ، كما أن القيادات المبادرة بالمؤتمر لها توجّه إقليمي يعزل الجزائر عن محيطها العربي، معاد لبيان 1 نوفمبر 1954 وهذا ما اعتبره الرافضون للمؤتمر<< خيانة للتوجهات العربية الاسلامية للثورة الجزائرية وخنجرا في صدرها وبداية للاغتيالات >>. ومن نتائج هذا المؤتمر تكوين الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة ابن خدة( حزب انتصار الحريات) وتولي فرحات عباس (حزب البيان) رئاسة الجمهورية، وبالتالي فإن هذه الكلمة قد تكون رسالة موجّة لمن أفرزهم مؤتمر الصمام مثل ابن خدة وعباس.
3 ـــ بورقيبة: خصم التوجه الوحدوي
حل ابن بلة والصراع بين المشروع الوحدوي والمشروع الإقليمي لم يحسم بشكل نهائي فدماء صالح بن يوصف الذي اعترف بورقيبة باغتياله 12 أوت 1961 لم تجف بعد،ُ فليس من المستبعد إذن أن يكون بورقيبة هو المستهدف الثالث .
ثالثا ـــ وحدتان مجهضتان
طوال عقدين لم يترك بورقيبة أية وسيلة لقمع الوحدويين إلا ومارسها : فسجن وقتل وشرّد وعذّب بل وحارب التاريخ والجغرافيا وقد اعتبرت القوى الداعمة له في الداخل والخارج هذه الممارسة عملا مشروعا . غير أن الزعيم ــ تعرض زمن المبادرات الوحدوية ـــ إلى أزمتين من أجل الوحدة :الأولى كانت مع الجزائر والثانية مع ليبيا . فأين يتجلى ذلك ؟
1 ـــ مشروع الوحدة التونسية الجزائرية المجهض
تحدث الطاهر بلخوجة عن لقاء جمع قيادتي البلدين، تم بالكاف يومي 11 و 12 ماي 1973 بمناسبة إحياء ذكرى شهداء الاعتداء الفرنسي على ساقية سيدي يوسف سنة 1958 عقابا لتونس التي دعمت الثورة الجزائرية ، أثناء هذا اللقاء طلب بورقيبة من بومدين أن تشتري تونس بترول الجزائر بأسعار تفاضلية أي أقل من السعر العالمي، وبعد مشاورات قدم له هواري بومدين مقترحا اشد إغراء ينهض على قيام وحدة بين الدولتين برئاسة بورقيبة ويشتري التونسيون والجزائريون البترول بنفس الأسعار. كان المقترح مفاجئا فطلب الوفد التونسي تأجيل الرد إلى الغد،عند استئناف المحادثات عرض بورقيبة مبادرة أكثر غرابة حيث قبل بالمشروع الوحدوي، لكنه لاحظ أن التفاوت السكاني بين البلدين بعيد جدا، واقترح أن يقع إلحاق منطقة قسنطينة بتونس حتى يقع التوازن السكاني بين القطرين فضحك بومدين ورد قائلا <<اتضح أن تونس غير ناضجة لمشروع الوحدة >> ولم ينظر الطرفان في مسألة البترول. ولم يقع الاعلان عن هذه المساومة بين الحكومتين .
2 ـــ الجمهورية العربية الإسلامية : خطيئة بورقيبة التي لا تُغتفر
ارتكب بورقيبة بعد عشرين سنة من الحكم خطأ بل خطيئة لا تغتفر ـــ في نظر الفرنسيين والأمريكان وأنصاره بتونس استوجبت تجميد نشاطه ؟ فما قصة هذه الخطيئة؟
بعد اللقاء الساخن الذي حصل في قاعة البالماريوم بتونس سنة 1972 والذي اتهم فيه بورقيبة القذافي بالتسرّع في مشاريعه الوحدوية وتحدى القوى العظمى، أمضى معه بعد عامين اتفاقية الجمهورية العربية الإسلامية بمدينة جربة يوم 12 جانفي 1974 في غفلة من الطاقم الحكومي الذي كان متغيبا ولم يحضر من العناصر الفاعلة غير وزير الخارجية المصمودي الذي اتُّهم فيما بعدُ بأنه مهندس الوحدة . وبمجرد أن أعلن عن الاتفاق حتى خرجت الجماهير في البلدين مرحبة بالحدث بكل عفوية ،أما الفعاليات الوطنية بما في ذلك النقابيون حيث كنا في المجلس الوطني ، فبقدر ما غمرتنا الفرحة إلا أن عقولنا أبت أن تصدق ما سمعته آذاننا ، وكان مساعد مدير الحزب الحاكم معنا عامر بن عائشة ، وهو أشد اندهاشا . وسرعان ما تدارك امره وقال : إن بورقيبة رجل متبصر ويعرف ما يفعل ويسير في اتجاه التاريخ ، ولم تدم الحيرة طويلا ، فقد تجندت من الغد كل القوى محليا وإقليميا وعالميا للضغط على بورقيبة للتراجع عن خطيئته ، فزوجته وسيلة ــ التي كانت في الخليج ـــ تضغط بل تدعو هواري بومدين للضغط قائلة << اضغط اضغط فبورقيبة خواف >> وهذا ما جعله يرد على دعوة بورقيبة للالتحاق بالاتفاقية << بأن الجزائر لا تركب القطار وهو يسير>> وقد وجد الفرصة ليردّ على فشل الوحدة بين تونس والجزائر. نفس المواقف صدرت عن رئيس الحكومة ومدير الحزب ، أما الضغوط الاستعمارية وخاصة الفرنسية والأمريكية فكانت أشد ، فهذه الوحدة ستجمع بين الثروات الليبية الهائلة والطاقات البشرية التونسية الخلاقة ، وهذا يتناقض مع استراتيجية التجزئة التي رسمتها وجندت من أجلها وكلاءها ، لذا اعتبرت الأوساط الاستعمارية الاتفاقية مفاجأة غير سارة وعبرت عن خيبة أملها ، ولم تحترم شيخوخته فسلطت عليه كل الضغوط داخليا وإقليميا وعالميا ــ بالرغم من أنه في خريف العمرـــ للتراجع وسحب وثيقة الوحدة ، وهذا ما فعله ، فلم تعمّر الاتفاقية أكثر من 24 ساعة، عاد بعدها بورقيبة ليعبر عن ندمه ويرجو من القذافي أن يسلمه النسخة الأصلية من وثيقة الخطيئة الكبرى ، بل إنه وسّط الحبيب عاشور لاستعادتها. وحاول المتابعون أن يفهموا سرّ هذا التحول المفاجئ لبورقيبة ؟ ماذا وراء الأكمة ؟ قيل الكثير، منها: إنها صحوة أدرك فيها بورقيبة أهمية الوحدة بين البلدين، لكن أهم ما تسرّب هو أن المصمودي ضرب على وتره الحساس(تضخم الأنا) فقال له:<< إنك كنت رائدا في معركة التحرير وحققت الاستقلال ، فلماذا لا تكون رائدا للوحدة وتنجح حيث فشل الآخرون >> فبادر على التوّ بدعوة القذافي إلى جربة وأمضى معه الوثيقة في غياب طاقمه وبعيدا عن أنظار السفارات.ورغم هذا التراجع فقد وقع تجميد نشاطه ولم يقع استحضاره إلا في مناسبتين أليمتين كانت الأولى في 26 جانفي 1978 لتغطية مجزرة الخميس الأسود وكانت الثانية يوم27 جافي1980 لمجابهة أحداث قفصة. وواصلت الحكومة التونسية عجزها وخوفها في الخلاف الذي ظهر حول استغلال بترول الجرف القاري فقد رفضت تونس مقترح ليبيا سنة 1976 بالاستغلال المشترك وأصرت على الاحتكام إلى محكمة لاهاي الدولية اعتقادا منها أنها ستحكم لفائدة حكومة تونس الطفل المدلل ، وعلى العكس كانت النتيجة وخرجنا بخفيْ حنين وفازت ليبيا بالجرف استنادا إلى اتفاقية بين إيطاليا والدولة العثمانية . ولم يسترجع بورقيبة نفوذه إلا مع هجوم قفصة( جقتت) وخروج الهادي نويرة من السلطة وتكليف محمد مزالي الذي كان في حاجة إلى شرعيته لتثبيت أقدامه في مواجهة إدارة الحزب. فكان التراجع عن الوثيقة إضافة أخرى للصراع التاريخي الذي شهدته الساحة القومية بين الانفصاليين الذين يحاربون الوحدة ويعتبرونها هيمنة ناصرية مصرية ، والوحدويين الذين يعتبرون الوحدة حبل النجاة للأمة ، فهي السبيل الوحيد للتخلص من الفقر والجهل والمرض وهي الآفات المزمنة ولرفع التحديات المعاصرة: مقاومة الصهيونية إرساء دعائم العدالة الاجتماعية ، حرية الوطن والمواطن، بناء دولة الوحدة. ومن خلال هذه الدعائم تتمكن الأمة من تحقيق مناعتها والمساهمة في بناء الحضارة الانسانية .كل هذا القصور والتقصيرــ في إدراك أهمية الوحدة ودورهاـ وقع في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تضمّد جراحها بعد معركتين عالميتين خسرت فيهما ما لا يقل عن خمسين مليون نسمة وتدعو لتجاوز الماضي وبناء وحدة أوروبية تنافس المعسكر الأمريكي والمعسكر السوفييتي.
وهكذا المادة الوحدة والانفصال في الوطن العربي بقلم سالم الحداد
هذا هو كل المقالات الوحدة والانفصال في الوطن العربي بقلم سالم الحداد هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال الوحدة والانفصال في الوطن العربي بقلم سالم الحداد عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/10/blog-post_2465.html
0 Response to "الوحدة والانفصال في الوطن العربي بقلم سالم الحداد"
إرسال تعليق