عنوان: خطير جدا :فرنسا تضبط استراتيجية ومناهج التعليم في تونس بقلم أ.د. أحمد بوعزّي
حلقة الوصل : خطير جدا :فرنسا تضبط استراتيجية ومناهج التعليم في تونس بقلم أ.د. أحمد بوعزّي
خطير جدا :فرنسا تضبط استراتيجية ومناهج التعليم في تونس بقلم أ.د. أحمد بوعزّي
لكن أين يوجد هذا المكتب الدولي التابع للأمم المتّحدة. بحثنا عنه بحثا معمّقا فلم نجده ، لكن يظهر أن هناك من أقنع وزارة التربية بوجوده والوزارة أقنعت بدورها متفقّدي التعليم في تونس واتحاد الشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان بأن الخبراء الذين استجلبتهم لتكوين المتفقّدين في تقنيات إدماج كفايات القرن الواحد والعشرين في المناهج المدرسية التونسية هم تابعون للأمم المتّحدة وأنهم سيعلّمونهم ذلك حسب "معايير كونية" (كذا) في التربية والبيداغوجيات الحديثة.
في الحقيقة ما يُسمّى "المكتب الدولي عن الأمم المتحدة" هو مجرد انتحال صفة حسب التعبير القانوني التونسي وهو مركز دراسات فرنسي تابع لوزارة التربية الفرنسية ، وكل ما في الأمر أنها عملية احتيال من طرف السلطات الفرنسية لتمرير أجندتها في تونس ، ولست أدري إلى أي مدى وإلى أي مستوى يبلغ تورّط المسؤولين التونسيين في هذه المغالطة التي ابتدأت سنة 2013. المركز الذي يتدخّل في الشأن التونسي والذي ينتمي إليه الخبراء الذين ينتحلون صفة خبراء من الأمم المتحدة وهم ليسوا كذلك هو المركز الدولي للدراسات البيداغوجية الفرنسي (CIEP) وهدفه كما يدل عليه موقعه على النات هو العمل "لمصلحة التربية واللغة الفرنسية في العالم". وهو أداة ترسيخ الفرنكفونية في المستعمرات الفرنسية. وقد حصل هذا المركز على تمويل من اليونيسيف ليقوم بتطوير المناهج التونسية واستعمل مصدر الأموال لتصنيف نفسه – مغالطة - بكونه تابع للأمم المتحدة.
ويمكن الاستنتاج من تصفّح موقع هذا المركز على الواب بأنه يتدخّل كثيرا في تونس ممّا سيؤدّي حتما إلى تعطّل تطوّر التعليم وتدنّي خدماته. فقد أصبح منذ 2014 يعوّض تقريبا وزارة التربية في ضبط استراتيجيات الدولة التونسية ويقصي أي خبير تونسي حتى في الميادين التي يتفوق فيها الخبراء التونسيون على الفرنسيين حول العالم. وقد أنجز هذا المركز إلى حدّ الآن 6 برامج فيهم واحد فقط يحق له أن يديره وهو برنامج "تقديم الدعم لحيازة وتنفيذ برامج التدريب، والدعم والتدريب للمكوّنين وموظفي الإشراف والدعم لمركز الامتياز في حرف الفضاء الجوي (CEMIA) في المغيرة" الذي ابتدأ سنة 2015 والذي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية.
أحد البرامج التي يشتغل عليها المركز الفرنسي استرعى انتباه الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية وهو بعنوان "تقديم الدعم لإصلاح المناهج الدراسية، وإعادة النظر في منظومة التدريب المستمرّ للمعلمين" وهو كما قلنا مموّل من طرف اليونيسيف ويمتد على سنتي 2016-2017 وموضوعه "بناء القدرات للمسؤولين عن المناهج الدراسية، وإدماج المهارات الحياتية ومهارات القرن الحادي والعشرين في المناهج الجديدة، وتعزيز منظومة التدريب المستمرّ للمعلّمين." وقد نظّم الائتلاف ندوة صحفية يوم 31 جويلية الماضي بنزل أريحا بعنوان "فساد علمي في إصلاح المناهج التربوية" بهدف جلب انتباه أصحاب القرار الى المخاطر التي تتهدد الأجيال القادمة ، وانتقد الائتلاف في الندوة التي حضرها عديد الصحافيين منهجية إصلاح المناهج التعليمية وما اعتراها من انحرافات إيبستمولوجية وعلمية في ذات الوقت. فلقد تبيّن من خلال تحليل لوثائق أعدّها خبيران لا يتقنان اللغة العربية جاء بهما المركز الى تونس واستخدماها لتكوين عدد من المتفقّدين سيوكل إليهم إصلاح المناهج التعليمية، وجود إخلالات وأخطاء علمية في مضامينها تؤدّي عند تطبيقها، إلى مناهج لا تنسجم مع أهداف الإصلاح، ويمكن أن تفسد مجمل الإصلاح للمنظومة التربوية من خلال الأثر السالب الذي قد تتسبّب فيه ؛ فيصبح إصلاح المكوّنات الأخرى للمنظومة التربوية داعما لفساد المناهج ولتدنّي النتائج المدرسية.
البرامج الأخرى التي قرّرها المركز الفرنسي وفرضها على تونس هي :
• برنامج "تنفيذ الخطة الرقمية للتعليم" وهو مموّل من طرف البنك العالمي ويمتدّ على سنتي 2016-2017 وموضوعه "تصميم السياسات الوطنية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتنفيذ هذه السياسات". المؤسف حقا أن الخبراء التونسيين في هذا الميدان أحسن من الخبراء الفرنسيين وأعرف شخصيا خبيرا تونسيا كلفه البنك العالمي بتصميم وتنفيذ الخطة الرقمية لدولةٍ بطمّ طميمها في أمريكا الوسطى كما أعرف خبيرا تونسيا آخر صمّم الخطة الرقمية لبنك التنمية الكندي ويشرف حاليا على تنفيذها ، ولو بحثت الوزارة لمدة ثلاثة أيام فقط لوجدت عشرين خبيرا تونسيا قادرين على القيام بهذا البرنامج أحسن من الخبراء الفرنسيين. لكن غياب الكفاءة وعقدة "بوبرطلّة" هي من يجعل الوزارة تطيع أوامر من خارج تونس ولا تحاول تطوير نفسها بنفسها.
• برنامج "تقديم المساعدة التقنية لوزارة التعليم العالي ، في إطار برنامج لدعم التربية والتدريب والتعليم العالي وفرص العمل للخريجين (PEFESE)" وتموله المفوضية الأوروبية لسنتي 2014-2015 وموضوعه "تحديد استراتيجية لإعادة إطلاق الشراكة بين التعليم العالي والعالم المهني". أتساءل هنا أيضا ، كيف لجامعة غير قادرة على ضبط استراتيجيتها لربط الجامعة بالمحيط أن تكون قادرة على تنفيذ استراتيجية يضبطها "خبراء" أجانب لا يتقنون لغة البلاد ويعتقدون أو يقع إقناعهم بأن المسؤولين التونسيين الذين يتعاملون معهم متخلفون ولديهم قابلية الاستعمار ومقتنعين بعدم كفاءتهم.
• برنامج "دراسة إنشاء التربّصات المهنية في الوسط المهني المتنقّل في الإطار الأورو متوسطي" وهم ممول من أيراسموس لسنة 2015 ويخصّ التربّصات في الشركات والحراك الدولي بين بلدان 5 + 5 (بلدان غرب البحر الأبيض المتوسط).
• برنامج "جودة التعليم العالي الزراعي في منطقة البحر الأبيض المتوسط (QESAMED) وتموّله المفوضية الأوروبية لسنوات 2013-2016 ويعتني بمهن التدريب في مجال الهندسة الزراعية.
قد يتساءل الفرد ما الذي يجعل المسؤولين في وزارتي التربية والتعليم العالي قابلين لهذه الحالة التي تذكّرنا بعهد الاستعمار عندما كانت فرنسا ترسل لنا خبراءها ليضبطوا استراتيجيتنا ومخططاتنا ونحن ننفّذ تحت أوامرهم بما في ذلك من مهانة واحتقار. الجواب في موقع المركز الفرنسي على الواب إذ يعطي قائمة في الوفود التونسية المستقبلة في فرنسا من "كبار المسؤولين من الإدارة المركزية وإطارات التعليم" (كذا) بالمناسبات التالية :
• تنظيم الامتحانات (2014، 2016 و 2017)
• إدارة المناخ المدرسي (2016)
• المعاهد في المناطق الصعبة (2016)
• التخطيط الإقليمي واللامركزية،
• توجيه وتقييم الأداء (2014)
عندما يطّلع التونسي على هذه المعلومات يحير ، فهو يرى أن فرنسا أصبحت منذ 2014 تتدخّل مباشرة في ضبط السياسة التربوية التونسية. هل سيصبح الإنسان يتحسّر على عهد بن علي وعهد الترويكا. كيف لوزارة التربية أن تدير ظهرها للتوانسة وتتوجّه للفرنسيين الذي لا همّ لهم إلاّ دعم الفرنكفونية ودعم تعليم خاصّ تونسي يدير برامجه وزير التربية الفرنسي. وما اعتماد ثمان مدارس خاصة في تونس من طرف الحكومة الفرنسية هذه السنة إلاّ بداية لسيطرة فرنسا على المنظومة التربوية الخاصة على ترابنا ونبقى نحن مغلوبين على أمرنا لا نعرف ماذا يدرس التلاميذ التونسيون في هذه المدارس التي تتّبع المناهج الفرنسية والتي وقّعت اتفاق شراكة مع وكالة التعليم الفرنسي في الخارج وهو اتفاق يحدد العلاقات المالية التي تربطهم مع الوكالة ، فضلا عن الفوائد التي يمكن أن ينتفعوا بها، ولا سيما من حيث التدريب المستمر لموظفيها والتفقّد والهندسة التربوية والاستشارات الإدارية والحوكمة ، والتوجيه المدرسي، واستخدام الخدمات والأدوات التي أنشأتها الوكالة.
لست أدري ما هو رأي المعهد العربي لحقوق الإنسان الذي ألصقه ناجي جلّول بالإصلاح التربوي وما هو رأي اتحاد الشغّالين ، هل يقبلون هذه الوضعية ، ولست أدري ماذا بقي لوزارة التربية التونسية في علاقتها مع المدارس التونسية الخاصة وكيف ستحل مشكلتها مع إجبارية التعليم (الفصل 39 من الدستور) التي تعني أن كل التونسيين الذين لم يبلغوا السابعة عشرة من العمر مجبورون على اتباع برامج التعليم التونسي. ووزارتنا مسؤولة على تطبيق الإجبارية لكنها لن تستطيع الدخول إلى هذه المدارس لتسدي للتلاميذ تعليما رسميا يحترم ثقافتهم ولغتهم الرسمية وحبّهم لوطنهم كما يقع في أي بلاد ذات سيادة. هذه المدارس تنعم اليوم بحق التواجد خارج حدود الدولة (extraterritorialité) إذ تسيّرها القوانين الفرنسية وتموّلها جزئيا الميزانية الفرنسية ويشرف عليها متفقدون فرنسيون. الشيء الذي جعل كثيرا من المعلّقين على صفحات التواصل الاجتماعي يضْفون رتبة "المقيم العام" التي خلناها انتهت سنة 1956 على سفير فرنسا الذي يُمضي على الاتفاقيات بين الدولة الفرنسية وهذه المدارس.
لم تكتف وزارة التربية بنزع سيادتها من على عدد من المدارس الخاصة التي يؤمّها خيرة القوم من أثرياء البلاد ، بل تركت لفرنسا أيضا سلطة ضبط الاستراتيجية الوطنية في أغلب الأمور الحسّاسة في تعليمنا العمومي.
هل من وطنيّ غيّور على السيادة الوطنية في قمّة هرم الدولة من بين الذين أقسموا على احترام الدستور ليعي بأن مستقبل أبنائنا في خطر ومنظومتنا التعليمية ستصبح فاشلة تماما وغير قادرة على تكوين من سيساهم بنجاعة في تنمية البلاد وإنقاذ اقتصادها وحمايتها من المخاطر.
ألا يوجد في تونس من هو قادر على تسيير وزارة التربية دون طاعة أوامر وزير التربية الفرنسي. أما آن لهذه الوزارة أن تستقلّ عن السفارة الفرنسية وتصبح خططها وبرامجها وقراراتها تونسية.
أ.د. أحمد بوعزّي
جامعي وناشط سياسي
وهكذا المادة خطير جدا :فرنسا تضبط استراتيجية ومناهج التعليم في تونس بقلم أ.د. أحمد بوعزّي
هذا هو كل المقالات خطير جدا :فرنسا تضبط استراتيجية ومناهج التعليم في تونس بقلم أ.د. أحمد بوعزّي هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال خطير جدا :فرنسا تضبط استراتيجية ومناهج التعليم في تونس بقلم أ.د. أحمد بوعزّي عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/10/blog-post_185.html
0 Response to "خطير جدا :فرنسا تضبط استراتيجية ومناهج التعليم في تونس بقلم أ.د. أحمد بوعزّي"
إرسال تعليق