عنوان: المشير والخديوي توفيق وسر «العاصمة الخضراء»! محمد عبد الحكم دياب
حلقة الوصل : المشير والخديوي توفيق وسر «العاصمة الخضراء»! محمد عبد الحكم دياب
المشير والخديوي توفيق وسر «العاصمة الخضراء»! محمد عبد الحكم دياب
بريد الحرية -نبدأ بالقول رغم التعتيم الواضح والاختراق شبه المؤكد من جانب جماعات مسلحة أمكنها تنفيذ عملية إرهابية كبيرة في صحراء مصر الغربية ومحيط الواحات البحرية؛ التابعة لمحافظة الجيزة، وامتداد جنوب غربي وشمال غربي محافظة القاهرة. وتمت هذه العملية بتنظيم وحجم غير مسبوق؛ أدى إلى إحساس عام وطاغ بالحزن والإحباط الشديد بين قطاعات عريضة من المواطنين؛ من مختلف الأوساط في ربوع الوادي والدلتا، وفي هذا الظرف المأساوي لا يسعنا إلا أن نقدم خالص العزاء إلى أهالي وذوي الضحايا؛ من رجال أمن ومدنيين، ومشاركتهم أحزانهم وأتراحهم، والدعاء لهم بأن يتغمدهم الله بواسع رحمته وأن يغفر لهم، ويعوضهم خيرا.
وكم بحت أصوات وهي تنبه إلى خطورة وحدانية الحلول الأمنية والاعتماد المطلق عليها.. وهو ما رسخ ما وصفناه بنهج «التأديب والانتقام والتضييق» في تعامل «المشير» مع مختلف القوى الوطنية والشعبية بلا استثناء، وعادت الدولة إلى أسوأ مما كانت عليه أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وتجاوزت في وطأتها ما كان يجري تحت إدارة ثلاثي حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق، وجمال مبارك «الرئيس الموازي»، واحمد عز أمين تنظيم «الحزب الوطني المنحل» وامبراطور الحديد ومزور انتخابات 2010، التي عجلت بقيام الثورة. والحلول الأمنية أتت بنتائج عكسية؛ من موت السياسة وغياب الرشد الوطني وفقدان الحس الاجتماعي والشعور الإنساني، وبسبب ذلك استمر توالد الفشل وكانت وما زالت كل مصيبة تلد أخرى.
ومن الواضح أن سقوط هؤلاء الضحايا لم يكن قصورا فرديا، وكانوا ضحايا إدارة فاشلة ودولة عاجزة؛ تعاند الحق والشعب والتاريخ والمنطق والقانون؛ كانوا ضحايا ذلك قبل أن يكونوا ضحايا الإرهاب والعنف المسلح.. وتعَوَّد الناس على أن ذلك العناد لا يقبل نصحا ولا فهما أو مراجعة، ولا تصحيحا أو محاسبة.. ولهذا تكرر وسوف يتكرر ما بقي الوضع على ما هو عليه. وهم لا يحسبون حسابا لشعب أو قانون أو رأي عام أو صراخ أو شكوى، فكل ذلك من الممنوعات؛ ليبقى هناك صوت واحد وشخص واحد يستحوذ على كل المشهد الرسمي والإعلامي؟
وكما أشرنا في مقال «المشير في الأمم المتحدة.. سياحة أم سياسة؟!» الشهر الماضي بأن «المشير»أعطى الأولوية للسياحة على السياسة في رحلاته الكثيرة، ولم تتأجل زيارته الأخيرة لفرنسا؛ تعبيرا عن أي قدر من المشاركة في الأحزان على من سقطوا غدرا، ولم يتحمل الانتظار حتى يبرد دم الضحايا، كما يقول أهلنا البسطاء الطيبون، وذهب وكأن شيئا لم يكن، والجهد المبذول لإحلال السياحة محل السياسة يكتمل مع جهد آخر لتشويه التاريخ وإلغاء الذاكرة الوطنية، وهناك فريق من مدعي العمل الجامعي والأكاديمي يتولى هذه المهمة في نصف القرن الأخير، وآخرهم «أكاديمي» تخصص في الطعن في التاريخ، ويتبنى مقولات الحقبة الاستعمارية، ومولع بلغة ومفردات الغزاة والمحتلين وطابورهم الخامس، وفرغ من مدة من الطعن في الدين المسيحي ليثير ضجة اتهم فيها الناصر صلاح الدين الأيوبي بأنه من أحقر شخصيات التاريخ، واستدار على الزعيم أحمد عرابي، وادعى أنه «لم يقف أمام الخديوي ولم يقل لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا عبيدا، وأن عرابي سبب احتلال مصر 70 عامًا». ولم يسأل نفسه عن أسباب الحكم على الزعيم أحمد عرابي بالسجن المؤبد، والنفي إلى جزيرة «سرنديب» بسيلان (سريلانكا الآن).
والحقيقة أن عرابي وقف ضد اضطهاد الضباط والعسكريين المصريين، وضد سوء الأحوال الاقتصادية، وعبء فوائد الديون الباهظة التي تسددها مصر للدول الأجنبية، وقاوم التدخل الأجنبي في شؤون مصر الداخلية والخارجية، ورفض نظم المراقبة الثنائية (الفرنسية البريطانية) على «الميزانية الخديوية»؛ بحجة تسديد الديون. وتأسس «صندوق الدين» نتيجة ضغوط فرنسية لتحصيل المبالغ المطلوبة من المصالح الحكومية والمديريات مباشرة؛ ضرائب الدخان، ومكوس الملح، وإيرادات الأطيان (الأراضي الزراعية)، ورسوم عبور الجسور والكبارى وعائد النقل النهري، وهكذا. وهو نفس الدور الذي يقوم به «صندوق النقد الدولي» في إفلاس مصر وإخضاعها للنفوذ الأجنبي.
و«صندوق الدين» أول مؤسسة استعمارية أوروبية؛ تنشأ بغرض التدخل فى شؤون مصر وفرض الوصاية عليها، وكان دولة داخل الدولة. وفى أيار/مايو 1876 أصدر الخديوي مرسوماً بتحويل ديون مصر وديون الدائرة السنية إلى دين واحد سمى بالدين الموحد وقدره 91 مليون جنيه إسترليني بفائدة 7في المئة وكانت ديونا طويلة الأجل؛ أُضيفت إلى الديون قصيرة الأجل؛ في نفس الوقت صدر مرسوم آخر بانشاء «مجلس أعلى للمالية»؛ نصفه من الأجانب والنصف الآخر من المصريين، وعددهم عشرة أعضاء، ورئيس يعينه الخديوى، ويراقب ذلك المجلس إيرادات ومصروفات الحكومة، ويدقق حساباتها، ووضع هذا النظام السكك الحديدية وميناء الإسكندرية تحت إدارة لجنة مختلطة، وفرض رقابة أوروبية كاملة على الميزانية المصرية. وما أشبه الليلة بالبارحة!، وكان ذلك من أسباب اندلاع الثورة العرابية.
وهكذا كانت وقفة عرابي الخالدة في مواجهة الخديوي توفيق وخطبته الشهيرة ورد عليها الخديوي بعنجهية قائلا: «هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما انتم إلا عبيد إحساناتنا». وكان رد احمد عرابي: «لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم». ثم يأتي من يتحدى التاريخ المدون والموثق مساهمة منه في إلغاء الذاكرة الوطنية وطمس الهوية القومية.
وإذا ما تأملنا الصورة نجد النهج التوفيقي (نسبة إلى الخديوي توفيق)، الذي استمر على خطى والده محملا بالديون، ونهجه شبيه إلى حد كبير بنهج «المشير»، الذي يمد يده لكل من هب ودب طلبا للمال، وقام بالفعل برهن البلاد ومستقبل الأجيال الحاضرة والقادمة لحساب «صندوق النقد الدولي»، وكان«صندوق الدين» خطوة مهدت للاحتلال البريطاني، وعليه لم يكن عرابي هو السبب، وكانت سياسات التبديد الحمقاء والديون المفتوحة بلا سقف هي التي أدت إلى كارثة الاحتلال، ووقتها كانت هناك امبراطورية عثمانية تحتضر، ومصر تخضع لها اسميا، وكانت «القارة العربية» من مشرقها إلى مغربها قسمة بين دول أوروبا، وفاز بها في النهاية الثنائي البريطاني الفرنسي، وكان قد بدأ بالاستيطان الفرنسي للجزائر في 1830. بعد مناوشات دموية بين القوتين العظميين في ذلك الوقت.
إهانات «المشير» وما يقوم به من «تأديب وانتقام وتضييق» تجاوز الحدود، وفاق ما قام به الخديوي توفيق.. وما حفلت به أحاديث «المشير» الفرنسية تخطى كلام الخديوي بكثير. و«المشير» دائم التحقير من شأن المصريين، ورغم ذلك يقيم من جيوبهم؛ سواء بالدفع المباشر أو بالاقتراض «عاصمة خضراء» أخرى؛ على غرار المنطقة أو «العاصمة الخضراء» لعراق ما بعد الغزو، وهدفها إبعاد الغزاة ورجالهم عن الشعب وحمايتهم من غضبه.. وأعتاد «المشير» إقامة مشاريع «شخصية»؛ توصف بالمشاريع القومية والتنموية!!.. أليس هو مَن دمر العملة الوطنية وأفقر أكثر من نصف الشعب بقرار واحد صدر في لحظة، ويبدو أنه يلعب دور غورباتشوف؛ آخر رئيس سوفييتي، وكانت مهمته إسقاط الإتحاد السوفييتي السابق.
وهكذا المادة المشير والخديوي توفيق وسر «العاصمة الخضراء»! محمد عبد الحكم دياب
هذا هو كل المقالات المشير والخديوي توفيق وسر «العاصمة الخضراء»! محمد عبد الحكم دياب هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال المشير والخديوي توفيق وسر «العاصمة الخضراء»! محمد عبد الحكم دياب عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/10/blog-post_1631.html
0 Response to "المشير والخديوي توفيق وسر «العاصمة الخضراء»! محمد عبد الحكم دياب"
إرسال تعليق