او البدعة التونسية في كيفية تبييض الفساد من الاستقلال  الى الثورة…
 ينص  مشروع القانون الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب يوم امس  والمرتبط بالمصالحة الادارية  انه  ينتفع بهذا القانون الموظفون وأشباههم الذين مارسوا وظائف من غرة جويلية 1955 إلى 14 جانفي 2011
ويعني هذا التحيد  انه ينتفع بالقانون كل من كان يتقاضى أجرا او منحة من الدولة في الرئاسة او الحكومة او الوزارات او الدواوين او الشركات العمومية او القضاء او الأمن…الخ…

سينتفعون  به حتى و إن كانوا محل مؤاخذة قضائية او كانت ملفاتهم محل نظر هيئة مكافحة الفساد..التي ان احالتها  للقضاء فسينتفعون به….أو كانت ملفاتهم لدى هيئة العدالة الانتقالية…التي تقلصت الملفات لديها بمقتضى القانون….

هؤلاء جميعا يتمتعون بالعفو التشريعي العام ولا يمكن مؤاخذتهم جزائيا…
أما بالنسبة لمن ثبتت ضدهم جريمة…وصدرت ضدهم أحكام بالسجن او الغرامة وبجبر الضرر المادي للدولة لإرجاع المنافع الفاسدة التي تحصلوا عليها، فإنهم يتمتعون بعفو تشريعي في كل ذلك….يعني أنهم يتمتعون بموجب ذلك بحقوقهم المدنية والسياسية…ويحتقظون بمحصول سرقاتهم من أموال الشعب….
ومن صودرت املاكهم…لهم الحق في استرجاعها…وهكذا تخسر الدولة المليارات لفائدة مجرمين كبار من الصنف المسمى بالفرنسية criminels en col blanc ادينوا قضائيا….

وزيادة على ذلك….فالقانون يتجاهل الفُسّاد الأذكياء…ويعتبرهم ضمنيا خارج نطاق المساءلة…بالتظاهر بأنه لا يشملهم…ولكنه يشملهم…..
فبالنسبة لمن تحصلوا على منافع لفائدة أحد أفراد عائلاتهم… او لفائدة الغير بمقابل (يُرجع لهم مقابل خدماتهم الفاسدة مثلا في شكل بناء فيلا أو أرض فلاحية او صالحة للبناء أو اقتناء سيارة فخمة او اية منافع أخرى نقدية أو عينية…وهذه الحالة الأكثر رواجا)… أو قبضوا اموالا نقدا لا يمكن إثباتها….أو قبضوا منافع أودعت في حسابات في الخارج باسم أفراد عائلاتهم او باسم شركات تابعة لهم و لا تظهر فيها أسماؤهم…الخ…
فالقانون يعتبرهم ضمنيا خارج نطاق المساءلة…لانه لو أصبحوا محل متابعة…فإنهم سيتمتعون بالعفو…لان القانون لم يحدد كما هو العادة في مثل هذه القوانين اجالا لطلب العفو…..والفترة الزمنية التي تتعلق بها تلك الأحكام القضائية….وترك كل تلكم الآجال مفتوحة…
وهذه من الغرائب في مجال العفو التشريعي العام…الذي لا ينطبق مبدئيا إلا على مافات من أحكام قضائية ولا على ما قد يأتي منها في المستقبل….ولم يحصل هذا حسب  علمنا  إلا في تونس….بمقتضى هذا القانون…

أما حقوق ضحايا هذا الفساد طيلة دولة الاستقلال…الى الثورة….فستذهب في خبر كان…لان  الدولة ليست  وحدها  الضحية …
فكثير من المواطنين الضعفاء والعديد من الشركات التونسية المرتبطة  بمشاريع انمائية وتنموية…ومنها من افلست بسبب ذلك…. تضرروا زمن الاستبداد بالتبعية….في املاكهم وأعمالهم …من جراء هذا الفساد…وعددهم لا يحصى…والعديد من ملفاتهم موجودة الآن لدى القضاء أو هيئة الحقيقة والكرامة أو هيئة مقاومة الفساد…التي أخرجها القانون جميعا من صلاحياتها…
ولن يظفر هؤلاء بحقوقهم ولو مدنيا….خصوصا لمرور الآجال القانونية ولشبه استحالة إثبات حقوقهم في المادة المدنية…خلافا لما هو الأمر في المادة الجزائية او في العدالة الانتقالية….

ما لا يمكن السكوت عنه أخيرا…. أن من بادر بهذا القانون ومن تفاوض حوله ومن ساهم في تحريره ومن دافع عنه في اللجنة البرلمانية وفي المجلس… هم .محامون  (لا أقول كلهم ) .و هؤلاء لا يشرفني انتماؤهم معي لنفس المهنة النبيلة التي أمارسها…التي من واجبها ومن صميم رسالتها … أخلاقيا وتاريخيا ودستوريا…الدفاع عن الحقوق والحريات والمساهمة في إقامة العدل…لتمكين ضحايا الفساد والاستبداد من حقوقهم المشروعة…
أنور القوصري..
.محام.