عنوان: خفايا الأزمة السياسية فى ميانمار " بورما ". بقلم : السيد شبل
حلقة الوصل : خفايا الأزمة السياسية فى ميانمار " بورما ". بقلم : السيد شبل
خفايا الأزمة السياسية فى ميانمار " بورما ". بقلم : السيد شبل
يا جماعة نستأذنكم قليل من التقوى والأمانة والعلميّة.. لا يوجد أحد في العالم كله، طوله وعرضه، يسمي ما جرى في في 1784 من ضم أسرة كونباونغ البورمية، لإقليم آراكان (ذا الأغلبية البوذيّة).. بالاحتلال، اليوم، سوى بريطانيا، ولمطامع استعمارية صريحة، لأنها كانت صاحبة مصلحة في فصل الإقليم عن بورما، بعد انتصارها بالحرب الأنجلو بورمية الأولى من 1824 ولـ 1826، وحتى أتمّ الإنجليز السيطرة على بورما كلها في 1885، كان البورميّون ينظرون لأراكان وبورما السفلى (جنوب بورما، التي تم احتلالها هي الأخرى بعد الحرب الثانية في 1853)، كمناطق محتلة، ويقاومون لاستردادها، بينما كان البريطانيون يحاججون بأنكم -كبورمييين- الأسبق في احتلالها!، ولم يكن أحد يدري أنه بعد هذه التواريخ بنحو قرن ونصف، سينهض "المشايخ" الأفّاقون، لتلفيق أشياء مشابهة، خدمة لنفس المنظومة الاستعمارية، مروّجين هذه المرة لحكاية أن آركان كانت مملكة مسلمة، قبل أن تقوم أسرة كونباونغ البورميّة بضمها (بالمناسبة، الحرب الأنجلو-برومية الثالثة، تحديدًا، خرّبت مشروع وطني وحداثي واقتصادي كان ينهض في بورما وكان بإمكانه أن يغير مصير البلد كله).
الحقيقة أن المملكة التي كانت موجودة قبل تاريخ 1784، في آراكان، من الفترة 1430، لم تكن مسلمة، وحكمها 49 ملك جميعهم يتبعون البوذيّة، وجميعهم اهتموا بتشييد معابد بوذية لا تزال موجودة كتحف معماريّة تراثيّة إلى اليوم في العاصمة مروق يو، أو ماروك يو mraouk u، وهي اسم المملكة ايضًا، وهو يعني الإنجاز الأول، وهي موجودة إلى اليوم في ولاية أراكان (راخين)، هذا لا ينفي أنها كانت ذات صلة بالإسلام والمسلمين، ولكنها لم تكن "مملكة مسلمة".. هذا بالضبط، المُستهدف نفيه. تقاطعها مع الإسلام جاء في أنها بأول (مئة عام) من تأسيسها، تأثرت بسلطنة البنغال المسلمة المجاورة لها، تأثر حضاري وربما تبعية واتصال سياسي، بحكم دعم سلطنة بنغال للملك البوذي المؤسس "مين ساو مون" في الانتصار بمعركته وصراعه على السلطة وحكم آراكان، التي كانت بهذا الوقت تتبع مملكة آفا البورمية، وصل التقاطع إلى حد التقليد في الملابس والأسماء واستخدام العملة، وقام ملوكها بتعيين عدد من المسلمين كمسؤولين كبار ومستشارين، لكن السلطة كانت في يد البوذيين، والشعب كان في أغلبه بوذي (وإلى اليوم ولاية آركان أو راخين ذات أغلبية بوذية إلى جوار المليون روهينجي المسلم)، واستمر الحال كما هو عليه حتى سقطت سلطنة البنغال المسلمة في القرن السادس عشر، التي هي أصلا انشقاق عن سلطنة دلهي المسلمة، على يد المغول المسلمين أيضًا، بقيادة جلال الدين أكبر (في صراعات نفوذ وسلطة تقليدية.. وهذا لا ينفي تحضّرهم بالمناسبة، وجلال أكبر، هذا له إسهامات حضارية شيّقة يجدر قراءتها)، المهم.. أنه بعد سقوط سلطنة البنغال، صارت مملكة "مروق يو" أكثر استقلالية عن بنجلاديش، وإن احتفظت بتعيين بعض المسلمين كمسؤوليين ومستشارين، في هذا الوقت تحديدًا أي في القرن السادس عشر، بدأ وفود البرتغاليين إلى المنطقة، بعد اكتشافهم طريق رأس الرجاء الصالح، وبدأت سيطرتهم على مناطق بالخليج العربي والبحر الأحمر والمحيط الهندي وخليج البنغال، وهذا جرّهم لعلاقة قوية مع مملكة "مروق يو"، إلى حد ما صار لهم شبه كلمة وتأثير عليها، ويُقال أنهم جلبوا العديد من البنغاليين المسلمين للعمل فيها، وهذا تسبب برفع عددهم، ومن الحضور البرتغالي، إلى الحضور الهولندي في القرن السابع عشر الميلادي، والهولنديون جاءوا إلى تلك المنطقة، كمستعمرين، وأسسوا "شركة الهند الشرقية الهولندية" وبدأوا في منافسة البرتغاليين ضمن الصراع الاستعماري المعروف، ولهم آثار في أراكان حتى اليوم (هذه المرحلة "مروق يو" يُنظر لها على أنها العصر الذهبي لأركان، حيث نشطت تجاريًا، حتى أن الأوروبيين انشدوا لها ولمعابدها البوذية، وكتبوا عنها..). واستمر الأمر على هذا النحو، مملكة بوذية تلعب دور تجاري عالمي بإدارة أوروبية، حتى قويت أسرة كونباونغ وقامت بضم أراكان في 1784 إلى بقية مناطق بورما، بمعنى آخر أعادت (توحيد البلد)، واستعادة فترات القوة والسعي نحو الوحدة التي مرّت بها البلاد، سواء في مملكة باغان 849-1297، أو مملكة آفا.
كانت آراكان، إذن، منطقة طرفيّة حساسة بالنسبة لبورما، باعتبارها بعيدة عن المركز، تضمّها في زمن قوتها وحين تأخذ شكلها الطبيعي، او تسعى نحو ذلك، وتخسرها كما تخسر غيرها من الأقاليم عند ضعفها، كما هي عادة كل العصور القديمة، وكل نظم الحكم (وحتى اليوم.. هل تتصور أننا كنا سنخسر تيران وصنافير، لو كنّا أكثر قوة وقدرة على التحدي؟). ومملكة "مروق يو" التي يدور الحديث عنها، هي مملكة بوذية في الأساس، وورثتها الحقيقيين هم عرقيّة الراخين، الذين يمثّلون حوالي 2,3 مليون من تعداد ولاية أركان حسب تقديرات 2010، وهؤلاء طبعًا مع البقاء ضمن الوحدة، وكل من يبني على فصل أراكان، اليوم، عن البلد هناك، هو بالضبط، كمن يتحدث عن فصل سيناء والنوبة عن مصر، ويجادل في أمور تاريخية، أو مراحل ضعف.. والهدف الاستعماري الدائم، هو فرّق تسد.. والحل الدائم، المقابل، هو دعم المواطنة، ووأد الخطاب العنصري والانفصالي، معًا، وقطع الطريق على الاستثمار الخارجي.
#ملحوظة_أخيرة بورما، نتيجة، للاستعمار الأجنبي، والتدخلات الأوروبية منذ البرتغاليين، إلى الهولنديين إلى الفرنسيين والإنجليز، ولأسباب داخلية أخرى، لم تأخذ راحتها، في إتمام وحدتها القوميّة (فرنسا، مثلًا، حرّضت ولاية باغو bago، على الانفصال عن حكم سلالة تانغو، وبالتالي ساهمت في إسقاط دولتهم التي استمرت من 1486 – 1752)، لذا فحتى اليوم تتورط حكومتها المركزية في معارك مع ميليشيات انفصالية هنا وهناك، مؤسسة على أفكار إثنية وقبلية، حتى جماعة "المون" التي، يُعتقد في أنها من أقدم الأعراق هناك، وأدخلت البوذية تقريبًا لهذا البلد، كانت تحارب حتى وقت قريب للانفصال، وكذلك هناك جماعات انفصالية "مسيحية" في ولايتي كاشين وتشين، ويتعرّضون لتدخلات من الجيش.. لو أننا في عالم بضمير حي فعلا، وعلى نهج أممي سليم، لكانت الأيادي ممدودة لهذا البلد، لانتشاله من هذا الواقع الصعب، ومساعدة شعبه على الدخول إلى عصر الدولة الوطنية.. لا أن يجلس الجميع ليستثمر في آلامهم، ويدعم الفكر "الأقلّاوي" ويوسّع مجاله، ويروّج في سياق تعاطفه المسموم إلى مشاريع انفصالية.
#كلمة_أخيرة العالم الغربي لا يشاهد أحداث بورما أو ميانمار دون أن يحرّك ساكنًا، كما يروج نشطاء "الإسلام السياسي"، العالم الغربي هو صانع تلك الفوضى التي تجري هناك، وهو المستثمر فيها، وهو، عبر الخليج، من يحرض الوهابيين الذين ينتشرون بين الروهينجا اليوم، و"الجهاد" حاصل فعلا هناك.. و"بريطانيا" تتحرك لاستصدار إدانات من مجلس الأمن للنظام هناك منذ بداية الألفية الثانية وحتى الأسبوع الماضى، وما يعطّل الأمر فقط، هو التدخل الصيني ثم الروسي الذي يعرقل المخطط الخارجي، لمن لا يعلم، بورما، كان العالم الغربي "يبكيها" (وارجعوا لأرشيف البي بي سي) منذ الألفينات متهمين حكومتها بالاستبداد وسجن المعارضين، وطحن "الرهبان البوذيين" وتكميم أفواه المعارضة، أثناء محاولة الحكومة، النجاة من الثورة الملوّنة التي أنتجت هناك في 2007.. والأمر لا يعني أننا نقدّم شهادة في صالح النظام بأي شكل، وهو مدان في العشرات من الملفّات، لكن الأمور يجب أن تُرى كما هي.
#بالمناسبة نحن قد انتكسنا "علميّا" إلى الحد الذي لم يعد فيه مصادر بالعربية لمثل تلك القضايا على الشبكة العنكوبية (وأي قضية عالمية صارت تستدعي البحث بالإنجليزية).. نحن صرنا في الحضيض، وأساتذة التاريخ والجغرافيا، والمدرسين بالمعاهد الآسيوية يستحقون المحاكمة على جهلهم أولا، ثم كسلهم ثانيًا.. هذا إن افترضنا أن ثمة حكومات وطنية عربية، تريد أن تستخلص من "هذا الفقر البحثي" دلالة على الفشل!.
وهكذا المادة خفايا الأزمة السياسية فى ميانمار " بورما ". بقلم : السيد شبل
هذا هو كل المقالات خفايا الأزمة السياسية فى ميانمار " بورما ". بقلم : السيد شبل هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال خفايا الأزمة السياسية فى ميانمار " بورما ". بقلم : السيد شبل عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/09/blog-post_489.html
0 Response to "خفايا الأزمة السياسية فى ميانمار " بورما ". بقلم : السيد شبل"
إرسال تعليق