عنوان: هل من سبيل لكتلة تاريخية تتصدى للثورة المضادة ؟ بقلم سالم الحداد
حلقة الوصل : هل من سبيل لكتلة تاريخية تتصدى للثورة المضادة ؟ بقلم سالم الحداد
هل من سبيل لكتلة تاريخية تتصدى للثورة المضادة ؟ بقلم سالم الحداد
I ـــ مشروع المصالحة من العفو الشامل إلى العفو المحدود
استمر الجدل حول قانون المصالحة المالية أكثر من سنتين بداية من 2015 حيث رفضته الفعاليات المجتمعية والسياسية مرتين متتاليتين وكان الهدف منه الانقلاب على قانون العدالة الانتقالية لهيئة الحقيقة والكرامة التي وضعت ثلاثية للتصالح فلا بد للمتهم أن يمر بثلاثة مراحل : المساءلة والمحاسبة ثم المصالحة ،غير أن مشروع الرئاسة قفز على كل ذلك ومرّ مباشرة إلى العفو على أطياف الفساد الذين ضخوا أموالهم لدعمه في الانتخابات . وبعد هذا الرفض الواسع تغيّر المشروع من قانون المصالحة المالية ــ الذي شمل الفاسدين من كل الاصناف والذي ضم 40 فصلا ـــ لينحصر في العفو عن الفاسدين من أعوان الإدارة الذي ضم 8 فصول فقط . ويهدف القانون إلى وقف التتبعات القضائية ضد الإداريين المتهمين بالفساد الإداري ومصالحتهم وقد سبق لعماد الطرابلسي ، أن أكد ــ من سجنه ــ دور هؤلاء في تعميق ظاهرة الفساد فهم ليسوا أدوات تنفيذ فحسب بل هم طرف فاعل ومؤثر ،خبير بآليات العمل وكيفية تسخيرها لتحقيق مصالحه.
وقد حدد الحيز الزمني للفساد بداية من غرة جوان 1955 إلى14جوان2011 على غرار قانون العدالة الانتقالية ،وهو إقرار واضح من السيد الباجي بأن الفساد لم يبدأ مع التحول بل ظهر مع التأسيس. .ولحد الآن ليس هناك عدد محدد لهؤلاء المتهمين فهناك من يرفعه إلى 2000 وهناك من يحصره في حوالي500 . وكانت تعلة العفو على الفاسدين أن هؤلاء يطبقون تعليمات رؤسائهم ، وقد عملت المعارضة جاهدة على رفضه، لكن كتلة النداء وقسم من نواب النهضة أصروا على تمريره في جلسة تاريخية استفزازية صاخبة ، رفعت فيها المعارضة عدة شعارات على غرار<<أوفياء أوفياء لدماء الشهداء ، لا تصالح مع الفاسدين،الشعب ضاق ذرعا بالطرابلسية الجدد >> ومقابل ذلك أنشد أنصار المشروع النشيد الوطني وأخيرا تمت المصادقة بأغلبية 117 صوت واحتفاظ 1 ورفض8. وكان التصويت كالتالي: النداء 50 ، النهضة 31 ، الكتلة الحرة لمشروع تونس 14 ، الكتلة الوطنية 7 ، االوطني الحر 6 ،حزب آفاق 5 ،غير المنتمين 4. والأحزاب المصوتة على المصالحة بهذه الطريقة هي التي تجسد بشكل عملي الثورة المضادة وهي مستعدة للسير أبعد نحو عودة النظام الرئاسي الاستبدادي الذي ما لبث السيد الباجي يدعو له لأنه يريد<< أن يحكم وحده>> ويرى في الهيئات الدستورية المستقلة عائقا أمام انفراده بالسلطة، وهذا ما بدأ النداء في جلساته الخاصة والعامة يحشد له.
II ــــ تمرير المشروع : انتصار أم هزيمة؟
إن السؤوال العفوي هو: هل يُعدّ تمرير المشروع انتصارا للسيد الرئيس أم هزيمة له؟
علق الباجي الابن على هذه المصادقة قائلا <<:"هذا اليوم سيكون منعرجا فاصلا في تاريخ تونس العزيزة وحياة الشعب التونسي:تونس ما قبل قانون المصالحة وتونس ما بعد قانون المصالحة".>> وهي نفس العبارة التي علق بها أحد مستشاري الرئيس حول تمرير قانون الزطلة.
غير أن السيد الباجي علّق بنفسه قائلا :<<أن المشروع الذي وقع تمريره ليس مشروعي >>وهو يشير بذلك إلى عمق التعديلات التي أدخلت عليه فقد تحول من مشروع شامل لكل عناصر الفساد من رجال الأعمال والإداريين الذين وقفوا إلى جانبه إلى فئة محدودة من الإداريين وهو ما لا يحقق الهدف البعيد الذي يسعى إليه وهو رفع العقاب عنهم واحتضانهم والاستفادة منهم، فمن هذه الزاوية يكون المشروع قد فشل فشلا ذريعا . غير أن المدرسة التي ينتمي السيد الباجي لا تعترف بالخطأ ولا تقر بالفشل بل كثيرا ما تحوّل الهزيمة إلى انتصار ، فالأسد الجريح يفترس أول ضفدعة تقترب منه ، لذا لا نستغرب أن يعتبر المقربون من القصر تمرير المشروع ــ على ضحالته ــ انتصارا ، المهم هو أنهم تغلبوا على المعارضة .
ولا اعتقد أن المستثمرين في الدول الخارجية ـــ الذين طالما اشتكوا من فساد الإدارة وتعقيدات الإجراءات والذين يفكرون في ضخ أموالهم بتونس بعد الثورة ـــ سيرحبون بسياسة الإفلات من العقاب وتبييض الفساد.
III ـــ تداعيات المصادقة على قانون المصالحة مع الفساد الإداري
أولا ــــ المسيرات الشعبية
كان شباب <<مانيش مسامح>> هم أول من قام بتحشيد شعبي أمام البرلمان واعتصموا لمدة يومين ورفعوا شعارات رافضة لقانون المصالحة وتصدى لهم البوليس بعنف. وبعد تمريره واصلوا عملية الحشد عبر عدة ولايات بداية من مسيرة في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تحت شعار << الثبات ضد حكم المافيات>> اشتركت فيها العديد من الفعاليات بالسياسية ومنها الجبهة الشعبية ، التيار الديمقراطي و حركة الشعب وغيرها.غير أن هذه الردود كانت محدودة جدا وليست في مستوى الهجمة الارتدادية التي تشنها الثورة المضادة على مكتسبات الشعب التونسي بعد الثورة، نعم مُرّر هذا المشروع بالديمقراطية ، لكن أي إجراء ديمقراطي لا يجب أن يكون على حساب قيم الثورة. وبالرغم من أن بعض المنظمات كالاتحاد والرابطة والمنتدى الاجتماعي وغيرها أبدت نقدها للمشروع إلا إنها في الحقيقة لم تخرج عن تسجيل مواقف لا ترتقي إلى مستوى الفعل المؤثر ولا إلى مستوى فهم أبعاد المشروع الذي تسعى إليه الثورة المضادة وهو العودة إلى النظام الرئاسي الاستبدادي أم الكوار. وهذا يدفع إلى التساؤل : أين المجتمع المدني؟ هل ترهل؟ هل سقط من يده مشعل الثورة؟
ثانيا ــــ الطعن في المصادقة
من داخل المجلس واصلت المعارضة المتجذرة رفضها للمشروع وأعدت عريضة طعن في عدم دستورية قانون المصالحة ، لتتقدم بها للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين جمعت 38 نائبا ( انسحب منهم 3من الوطني الحر)متجاوزة الحد القانوني بخمسة، خاصة بعد أن غفل أو تغافل أصحاب المشروع عن استشارتها لإبداء رأيها سلبا أو إيجابا.
ثالثا ــــ صحوة أم خوف في صفوف النهضة؟
وإذا كان من الطبيعي جدا أن يقف اليسار بكل أطيافه ضد قانون المصالحة مع الفعاليات الرأسمالية الفاسدة وخاصة التي أثرت في دولة الاستبداد والفساد بعهديها ، فبماذا نفسر وقوف قسم هام من نواب النهضة( 31) ضد المشروع سواء بالتغيب أوالتصويت ، وكان الشيخ راشد هو عرّاب سياسة الوفاق بين الحزبين الحاكمين، فلأول مرّة تقريبا يتمرد مثل هذا العدد على الشيخ بل إن القيادي نذير بن عمو النائب عن النهضة في البرلمان قدم استقالته ، فهل كان ذلك نتيجة لصحوة ضمير ولعودة الوعي أم خوفا على مصداقية الحركة ؟ وأعتقد أن هذا التمرد لا ينحصر في رفض قانون المصالحة بل يتجاوزه إلى التوجه التبعي الذي توخاه الشيخ راشد في كل الأزمات إزاء السيد الباجي ، فهو ينتهج سياسة الأيدي المرتعشة التي تقدم التنازلات كلما لاح خطر يُشعر الحركة أنها مهددة في وجودها ، ونتيجة لهذه التنازلات صارت رصيدا انتخابيا برلمانيا احتياطيا لمشاريع ساكن عرين قرطاج. وكل من تابع تحركات النهضة في السنوات الأخيرة يعرف أنها تعيش انشطارا اسياسيا داخليا حول كيفية التعاطي مع النداء وخاصة مع السيد الباجي، فهناك شطر يقوده الشيخ الغنوشي كان يتحاشى أي صدام معه بالرغم من أنه كان يستفزها ويعلن تمايزه عنها وأن لقاءه معها هو لقاء الضرورة وأنه أخطأ في الوثوق بها فخيبت أمله ، أما الشطر الثاني فبقدر كان حريصا على وحدة الصف النهضوي وعلى الانضباط للشيخ المؤسس، فإنه كان أحرص على مصداقيتها وعلى استقلاليتها ،وقد وجد في قانون العفو على الفاسدين ـــ الذي تكاد تجمع كل منظمات المجتمع المدني على رفضه ــ الفرصة السانحة للإصداع برأيه ولو كان ذلك على حساب الشيخ. فهل ستواصل هذا التوجه أم سيعلن التوبة؟
رابعا : حملة إعلامية ضد الجبهة وحمة وحركة الشعب
لم يقبل اليسار بكل أطيافه تمرير المصالحة مع الفساد بكل أشكاله الإدارية وغير الإدارية وقد دفع هذا الإحباط حمة الهمامي ــ الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية ـــ إلى تقديم قراءة لما يجري على الساحة فقال << إن أصل مشاكل تونس هو الباجي قايد السبسي وراشد الغنوشي وإن الشغل الشاغل لرئيس الجمهورية هو العودة للنظام الرئاسي لذلك فإنه قبل أن يقع تنزيل النظام السياسي قيد التطبيق وطالب بأن يقع تغيير منظومة الحكم وهو المخطط الرئيسي للانقلاب على الثورة وعلى الدستور وضرورة التعاطي مع مسألة التوريث بجدية ، فالواضح أن قايد السبسي يحاول تمهيد الطريق لابنه >> ، وفي اعتقادي أنها القراءة الشعبوية السائدة لدى العديد من السياسيين ولدى بعض الفئات الشعبية لكنها بعيدة الاحتمال لأسباب سأوضحها لاحقا.
وقد ردّ السيد الباجي بحملة إعلامية لا تليق بمقام الرئاسة فقد اتهم الجبهة بالتخريب وحمة بالفسوق واستخف بحركة الشعب باعتبارها أقلية وهنا لابد من توضيح النقاط التالية:
1 ـــ الجبهة الشعبية: "مخربة"
من حق الجبهة أن تعتز بأنها الجبهة الوحيدة التي بقيت صامدة متماسكة رغم بعض العواصف لعدة أسباب منها:
ـــ أن مكوناتها في معظمهم من الذين عاشوا سنوات الجمر
ــ أنهم أدركوا عواقب التشرذم
ـــ أن لهم حمولة فكرية تقدمية يناضلون من أجلها
هذه العوامل شكلت الصمغ الذي وطّد العلاقة بين مكوناتها فهي ليست عالقة باللعاب كما شأن العديد من الجبهات أو مشاريع الجبهات التي انهارت مثل جبهة الإنقاذ أو الانقضاض على الثورة وجبهة الإنقاذ والتقدم ومشروع العائلة الدستورية وغيرها.
ولعل هذه الحملة تذكّر الجبهة عموما بالخطأ الذي لن ينساه التاريخ وهو أنها هي التي شرعنت عودة الثورة المضادة بقيادة السبسي وكانت العمود الفقري لجبهة الإنقاذ أو جبهة الانقضاض على الثورة ،ولم تدرك طبيعة التحولات التاريخية التي تحتم التخلص أولا من رواسب الماضي الذي قامت عليه الثورة ثم المرور إلى فرز الصفوف.
2 ـــ حمة الهمامي: "فاسق "
استحضر السيد الباجي من مخزونه السياسي الدستوري الصراع الذي دار في بداية الثلاثينات بين الحزب الدستوري( الديوان السياسي) والحزب الدستوري (اللجنة التنفيذية) حيث جابه هذا الأخير دعوة بورقيبة للانفصال عن الحزب الأم بالآية التي أطلقها الباجي على حمة الهمامي <<وإذا جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين >> وقد رد المنشقون عن الحزب بآية قرآنية << وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون>>فتوظيف القرآن والتلاعب بمشاعر المواطنين هو قديم جديد لدى الدستوريين :قدامى وجددا.
فهذا "الفاسق" ـــ لم يكن ملاكا ولا يخلو من الأخطاء السياسية ــــ هو الذي قضى زهرة شبابه مثل الرفاق المناضلين إما في السجن أو في داموس من الدواميس بعيدا عن أنظار السلطة التي كانت تلاحقه وتلاحق كل من له علاقة به في الوقت الذي كان فيه السيد الباجي على أرائك السلطة .
حركة الشعب: ليس لها ثقل سياسي
قال عنها السيد الباجي <<أنها لا ثقل سياسي لها >>،وهذا نفس ما ذكره أحد كبار السياسيين في الائتلاف الثلاثي السابق عند ما سئل في فيانا أثناء مؤتمر الاشتراكية الدولية عن مطالبة القوميين بتجريم التطبيع بالدستور فقال <<إنه تيار أقلي لا وزن سياسي له>> غير أن التاريخ أبى إلا أن يغيب الأغلبي، ويصمد الأقلي بل ويتنامى في المجتمع المدني والسياسي. وتكفي السيد الباجي لحظة ارتدادية في ذاكرته التي مازلت حية ليعود إلى الضربات الموجعة التي تلقاها هذا التيار طوال عقود لسبب بسيط، أنه ملح هذه الأرض متجذّر في أعمق أعماق هذه التربة ومن ينابيعها يرتوي، وليس منبتّا يتغذى بالحقنات الاصطناعية التي بدونها يتهاوى ويخرج من الساحة الوطنية كما شأن العديد الأعشاب الطفيلية . ولذا كانت حركة الشعب تعرّف نفسها بأنها رافعة التيار القومي التقدمي ،أقدامها في تونس وعيونها على الوطن العربي، ولا تحتكر لا العروبة ولا الإسلام ولا الحداثة ، فهذه ملك مشاع بين أطياف الساحة الوطنية والقومية بل بين الأجيال المتعاقبة، ولا يهمها أن تكون أغلبية أو أقلية. فما هو أقلي اليوم قد يتحول إلى أغلبي غدا، والعكس صحيح أيضا ، المهم أن تحافظ على الرسالة وأن تكدح من أجلها عبر الزمن الذي لا تتوقف عجلاته عن السير إلى الأمام.
خامسا : الباجي من استفزاز النهضة إلى تأكيد التواصل معها
في حديث الباجي مع جريدة الصحافة قيّم السيد الباجي علاقته بالنهضة تقييما سلبيا فقد اعتبرها مخيبة للآمال، فهي لم تدخل خانة التمدن أو على الأقل بما فيه الكفاية وفي لقائه مع سفيان فرحات انحرفت الزاوية لتصبح النهضة وسطية معتدلة ضمنت استقرار البلاد عن طريق سياسة الوفاق وكذلك أمينها العام علي العريض مناضلا وطنيا ، ولم يكن في اللقاء الأول ينوى فك الارتباط بها، ولم يكن في الثاني يسعى لترميم الجسور معها، ويخطئ من يعتقد خلاف ذلك ، والتواصل بينهما سيستمر طوال عهدتين نيابيتين على الأقل ، لأنه لا نجاح لمشاريع النداء في غياب النهضة ولا حامي للنهضة غير الباجي في هذه المرحلة الحرجة ،فكل منهما وجد ضالته في الآخر ولن تتغير هذه العلاقة إلا بعد تحوّل استراتيجي عميق على مستوى العلاقات الأفقية بين فعاليات الساحة الوطنية. وكان الباجي مدركا لطبيعة هذه العلاقة ، وكل ما أراده هو استفزازها لمزيد من الانصياع خاصة أنه يستعد لتمرير مشروع أخطر وهو تعديل الدستور في اتجاه النظام الرئاسي الاستبدادي الذي تجرع منه الشعب الويلات مع الرئيس الأول والرئيس الثاني، وكان الشيخ راشد أعمق إدراكا لضرورة استمرارية العلاقة وكذلك للرياح الإقليمية والدولية التي تهبّ في غير ما تشتهي سفن النهضة والحركات الإسلامية عموما ، لذا لم يصدر عنه أي رد فعل عن الاستفزاز بل أعلن دعمه المطلق له وصوتت الأغلبية للمشروع ، ولو لم تصوّت النهضة لما فاز المشروع، لذا فالعلاقة بينهما تقوم على تبادل المصالح عبر الصفقات. وتستجيب أيضا لرغبة دولية تجسدت منذ لقاء باريس بين الشيخين منذ 2013.
سادسا :عودة الابن غير الضال إلى الحاضنة
في تقديري أن السيد حمة قد أخطأ في تحديد الخليفة، فإذا تأملنا بشيء من العمق فالسيد حافظ ــ مع احترامي له ــ ليس مؤهلا لهذه المهمة ، فقد فشل في إدارة الحزب وشرذمه بل وطرد كل الروافد التي احتمت به لمقاومة النهضة ، فكيف يمكن أن ينجح في إدارة دولة ؟ كما أن القوى الفاعلة في العالم والمتحكمة في القرار الوطني لا يمكن لها أن تعوّل على عناصر لم تؤهلها رغم تأكدها من ولائها ، فالخلافة ــــ بالنسبة للثورة المضادة ــ لا تخرج عن ثلاثة :
1ـــ خلافة الباجي لنفسه وهذه ليست غريبة عن ثقافة الفكر الدستوري التجمعي فقد مارسها بورقيبة بشكل صريح ومارسها ابن علي عن طريق المناشدة ولم ينكر الباجي هذا الأمر، لكنه تركها للقدر الذي قد يكون له خيار آخر.
2 ـــ خلافة يوسف الشاهد للباجي وهو استمرار للعائلة وضمانة للدولة العميقة التي استرجعت الحكم بعد الثورة ، لكنه لحد الآن لم يثبت جدارته بإدارة الدولة والتعامل مع القوى الفاعلة فيها ، فالمهندس الفعلي لإدارة الشأن العام هو السيد الباجي.
3 ـــ خلافة المزروب للباجي فهو ابن النداء ورقم2 بعد أن أزاح الطيب البكوش ورقص صحبة العيادي لفوز الباجي على إيقاع BEJI PRESIDENT ولم ينفصل عنه إلا بعد أن عجز عن التموقع داخل السلطة ، وقد خرج من النافدة لأن مفاتيح الحزب كانت عند الرئيس المؤسس، وها هو الآن يعود بحمولة يتحكّم في دواليبها لكن فاعليتها محدودة ، وقد وجد فرصته في مشروع المصالحة ليؤكد ثوابته حيث كان متحمسا للمشروع حتى في صيغته الشاملة "العفو على كل المفسدين ".فعندما كان يتولى مهمة مستشار الرئيس والأمين العام للنداء <<دعا إلى استعمال قانون الطوارئ المعمول به ، ضد كل من تخول نفسه بالتظاهر في الشارع ضد المشروع ، بدوره اعتبر رضا بلحاج مدير الديوان الرئاسي المعترضين لقانون المصالحة أقلية منهزمة في الانتخابات وانتقد دعوات التجييش والنزول للشوارع ضد مؤسسات منتخبة >>.
ومع مشروع المصالحة الإدارية كان اشد حماسا واندفاعا لدعمه أكثر من النداء فقد صوت أعضاء كتلته(14) لفائدة المشروع .وعلى المستوى الإعلامي وجد الفرصة الثانية ليؤكد مساندته له بل أسبقيته في المبادرة به حيث قسّمه إلى مستويين إداري ومالي، لكن رأيه لم يؤخذ بعين الاعتبار.وهو يلتقي مع السيد الباجي في ضرورة عودة النظام الرئاسي الاستبدادي. وكان الإعلام الضال المضلل في مستوى التقاط الرسالة فأفردت له السيدة مريم بلقاضي حيزا إعلاميا هاما. بل وصل إلى تبادل الغزل غير المباح مع الأخ نورالدين الطبوبي ليلفت الانتباه إلى علاقته الوطيدة بالاتحاد وهو أمر بعيد المنال ، فالاتحاد عصيّ عن المناورة والغزل.وهو في كل ذلك يؤكد خياراته الاقتصادية والسياسية لكل القوى الفاعلة إقليميا ودوليا، لذا فهو الخليفة الموثوق به لدى القوى الإقليمية المناهضة للإخوان المسلمين وهي مستعدة لدعمه كما دعمت السيد عبد الفتاح السيسي في مصر، لكن ليس دون مقابل. وفي انتظار اليوم الموعود فهل سيتغير الواقع في تونس لفائدته ؟ إن هذا ليس بالأمر اليسير. فأمامه طموحات قيادات النداء وتخوفات النهضة ، وها قد بدأ يعدّل أوتاره مع أأنغام هذين الفريقين .
IV ـــ هل من سبيل لكتلة تاريخية تعيد الأمل للشعب التونسي ؟
إن التجاذبات بل والصراعات ـــ التي واكبت وأعقبت التصويت على المشروع المصالحة وتأجيل الانتخابات ـــ كفيلة بأن تدفع الفعاليات السياسية والاجتماعية إلى قراءة نقدية في أساليب عملها وإلى إعادة النظر في خارطة العلاقات المجتمعية بين مكوناتها ، وكما يقول السياسيون المحترفون " فلا سبيل لعداوات دائمة ولا صداقات دائمة." وليس هناك من سبيل اليوم للتغلب على الثورة المضادة غيرُ الكتلة التاريخية التي تجمع كل الفرقاء المناضلين والتي استطاعت أن تواجه نظام ابن علي في أحلك الظروف. ويمكن الانطلاق من الأحزاب والنواب (ال 35)الذين رفضوا المصالحة ووقّعوا عريضة الطعن، فمن هؤلاء تتشكل النواة الأولى للكتلة بعد مشاورات جادة. وتكون مفتوحة على بقية مكونات المجتمع المدني والسياسي. والكتلة التاريخية ليست مسقطة على العمل النضالي بتونس، فعلى أساسها تأسست جامعة عموم العملة التونسية الأولى التي ضمت 4 روافد : محمد علي العائد لتوه من ألمانيا ، الشـــــــــباب الزيتـــــــــوني ( الطاهر الحداد ورفاقه) ، الحزب الدستوري ( اللجنة التنفيذية) والحزب الشــــــيوعي ( الأممية الثالثة أممية موسكو 1919 وممثلها فينيدوري) وكان هذا التعاون، قبل أن تتبلور نظرية غرامشي حول الكتلة التاريخية. وشيء من هذا ، حصل مع الاتحاد العام عبر عدة محطات نضالية بما في ذلك محطة التأسيس، وكذلك الأحزاب والشخصيات المعارضة سنة 2005.
ومن طبيعة الكتلة التاريخية أن تتوفر لنجاحها مجموعة من الضمانات :
أولا ــ تخفيض المنسوب الإيديولوجي لكل مكوّن فلا سبيل لأن يتشبّث كلّ فصيل بمخزون حقيبته العقائدية ليفرضه على الآخرين، والبلاد تغرق في الفساد ومهددة بعودة الاستبداد.
ثانيا ـ التركيز على التناقضات الأساسية وهي مناهضة الثورة المضادة التي احتفظت بالثروة واختطفت الثورة وتعمل على الانقضاض عليها.
ثالثا ـــ محاولة تقليص فاعلية الأنا الزعامتية والأنا الحزبية فشطحات دونكيشوت لا ينخدع بها إلا المغفلون ولوقت قصير ، فالعمل الجماعي المحسوب والمدروس هو الكفيل بالنجاح ولو بعد حين.
رابعا ـــ أن تكون العلاقات الأفقية بين مكونات الكتلة قائمة على الاحترام المتبادل والتنافس النزيه بعيدا عن التخوين والتكفير، مما يمكّن كل فصيل من الاحتفاظ بهويته الفكرية والسياسية ،وتتفق على هدف وهو دعم المرشح الذي يعطيه الشعب الأسبقية في مواجهة الثورة المضادة.
وتستند أرضيتها إلى ثلاثة أبعاد أساسية : البعد الوطني والبعد القومي والبعد الإنساني والتأكيد على هذه الأبعاد أمر ضروري حتى لا تتحول الكتلة إلى حوانيت شاغرة لا تفتح إلا لتغلق، كما تكونت جبهة الانقاذ (جبهة الانقضاض على الثورة) مهزلة جبهة الإنقاذ والتقدم والعائلة الدستورية .بهذه الكتلة يمكن أن نحقق مجموعة من الاهداف :
1ـــ استعادة الثورة لمسيرتها المعطلة
2 ـــ المحافظة على استقلالية الوطن وتخليصه من التبعية
3 ـــ استئناف المسار الديمقراطي
4 ـــ السعي لإرساء العدالة الاجتماعية بين الأفراد والشرائح والجهات
5 ــ التصدي لمشروع عودة النظام الرئاسي الاستبدادي
تلك هي في تقديري بعض ملامح الأرضية التي يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار لاستعادة الثورة من مختطفيها واستئناف مسيرتها الديمقراطية.
سالم الحداد زرمدين / المنستير 25/ 9/ 2017
وهكذا المادة هل من سبيل لكتلة تاريخية تتصدى للثورة المضادة ؟ بقلم سالم الحداد
هذا هو كل المقالات هل من سبيل لكتلة تاريخية تتصدى للثورة المضادة ؟ بقلم سالم الحداد هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال هل من سبيل لكتلة تاريخية تتصدى للثورة المضادة ؟ بقلم سالم الحداد عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/09/blog-post_1641.html
0 Response to "هل من سبيل لكتلة تاريخية تتصدى للثورة المضادة ؟ بقلم سالم الحداد"
إرسال تعليق