عنوان: افريقيا، ميدان تنافُس رأسمالي: اعداد الطاهر المعز
حلقة الوصل : افريقيا، ميدان تنافُس رأسمالي: اعداد الطاهر المعز
افريقيا، ميدان تنافُس رأسمالي: اعداد الطاهر المعز
استغلت الصين هذا الوضع، خصوصًا منذ سنة 2000 لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية مع نحو 45 دولة افريقية (من إجمالي 53) فنمت التجارة الثنائية بينهما من 10,6 مليارات دولار سنة 2000 إلى 160 مليار دولار سنة 2011، وحوالي 200 مليار دولارا سنة 2015، خلافًا للدول الأوروبية التي تفرض سيطرتها في افريقيا عبر اللغة (الإنغليزية والفرنسية) والقواعد العسكرية والتدخل في الشؤون الداخلية وتنظيم الإنقلابات، والتركيز على بعض القطاعات التي لا تستفيد منها سوى الشركات الأوروبية، وارتفعت حصة الصين في مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا إلى أكثر من الضِّعْف سنة 2016، وارتفعت قيمة الاستثمارات الصينية وقيمة التجارة بين الصين وإفريقيا بنسبة 16,8% خلال الربع الأول من سنة 2017.
أما من جهة المُنافس المُباشر للصين على صعيد الإستراتيجية العالمية (أي الولايات المتحدة) فقد وضعت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما خطّة لتعزيز العلاقات الإقتصادية والتجارية مع افريقيا، والتزمت الشركات الأمريكية باستثمار حوالي سبعة مليارات دولار في افريقيا في الفترة ما بين 2009 و2016 وفي نفس الفترة زادت وكالة الاستثمار والتموين من أعمالها في إفريقيا على هيئة منح ومساعدات لمشاريع البنية التحتية، وزادت الصادرات الأمريكية بما لا يقل عن 2,5 مليار دولار، وارتفع حجم الاستثمار الأمريكي المباشر في إفريقيا بأكثر من 70% من 2008 إلى 2015 لكن إدارة خَلَفِهِ "دونالد ترامب" ترغب في التّخلّص من مثل هذه المشاريع، بينما تُظْهِرُ بيانات البنك الدولي ومكاتب الإستشارات الأمريكية ان مشاريع البنية التحتية في افريقيا مكّنت الشركات الصينية من جَنْيِ عائدات بقيمة 50 مليار دولار سنويا، وتترجم بشكل مباشر وغير مباشر إلى أكثر من مليون وظيفة للمواطنين الصينيين...
كانت الصين تعتمد خلال فترة الستينيات من القرن العشرين سياسة خارجية أخرى، أي قبل "الإنفتاح" الإقتصادي الصيني وقبل اعتماد "اقتصاد السوق الإجتماعي" (أي الرأسمالية تحت اسم آخر أُضِيفَت له اعتِباطًا عبارة "الإجتماعي")، وكان الخطاب الرّسمي يُؤَكِّدُ على مناهضة الإستعمار وعلى التضامن مع الشعوب الإفريقية ضد الاحتلال، وقام الصين الفقيرة آنذاك ببناء خط سكة حديد تنزانيا الذي يبلغ طوله قرابة 1900 كيلومتر، ويربط بين زامبيا والساحل التنزاني، وتغيرت نظرة حكام الصين الحاليين إلى افريقيا، وأصبحت منطقة تُوَفِّرُ الفرص التجارية المُرْبِحَة والمواد الأولية التي تحتاجها الصين وتستغلها الشركات الصينية في افريقيا مثل النفط والنحاس والكوبالت وخام الحديد، فأصبح للصين أسواق لشركاتها في دول القارة، ما زاد من النفوذ الإستراتيجي الصيني على مستوى العالم، وتوسّع نشاط الشركات الصينية في افريقيا ليشمل شراء أو تأجير الأراضي واستخراج المعادن مقابل إنجاز بعض مشاريع البنية التحتية والمالية، وكثيرًا ما اشتكى السكان والنقابات من الشركات الصينية التي توظف عددا قليلا جدا من السكان المحليين وتبالغ في استغلالهم وإذلالهم وإساءة معاملتهم، مع التلويث المُفْرِط للمحيط وعدم الاهتمام بالبيئة، ومع ذلك تعزز نفوذ الصين مع مشروع "طريق الحرير الجديد" الذي يتضمن استثمارات ضخمة لبناء الطرقات والموانئ والسكك الحديدية، وشكّلت افريقيا مُخْتَبَرًا لمخططات الصين التوسعية على الصعيد العالمي، حيث كانت شركاتها تستغل النفط من أنغولا ونيجيريا والسودان والنحاس من زامبيا والكونغو الديمقراطية واليورانيوم من ناميبيا، والكوبالت (الضرورى لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية) من الكونغو (أكبر منتج في العالم) وزادت مؤخرا من استثماراتها في ليبيا وزامبيا وغانا وموزمبيق إضافة إلى استغلال وتهريب الأخشاب القديمة من الغابات أو النفط أو الذهب أو العاج بشكل غير قانوني...
في شرق افريقيا، افتتحت الصين مؤخرًا في "جيبوتي" أول قاعدة عسكرية رسمية لها في الخارج، ولكن الشركات الصينية كثّفت الإستثمار في الحبشة (ذات الموقع الإستراتيجي الهام) منذ سنة 2000 وأصبحت الحبشة ثاني أكبر مستفيد من القروض الصينية لإفريقيا، حيث فاقت مبالغ قروض تمويل السدود والطرقات والسكك الحديدية والمصانع 12,3 مليار دولار، وفق مصادر أمريكية، كما أنشأت الصين المقر الجديد للإتحاد الإفريقي في العاصمة "أديس أبابا" بقيمة 200 مليون دولارا...
حازت المنتوجات الصينية التي تُباع في أسواق افريقيا -والبلدان الفقيرة الأخرى- على سمعة سيئة، بسبب ضعف الجودة، وبعد اشتداد عود الرأسمالية الصينية انتقلت إلى مجالات أخرى مثل الإتصالات والتكنولوجيا الحديثة،وتسَوِّقُ حاليا منتجات وخدمات جديدة، وبلغ استثمار الشركات الصينية في قطاع التكنولوجيا في افريقيا ثلاثة مليارات دولارا، منها شركة للهواتف "الذكية" ترانس سيون هولدينغز وشركة الإتصالات "ست" وشركة "هواوي" للحواسيب التي تبيع في جنوب افريقيا وكذلك في مصر والمغرب بدائل أرخص من منتجات منافسيها الأمريكيين والأوروبيين، في بلدان لا يتمتع سكانها (وشبابها) بمستوى مرتفع من الدّخل، وأنشأت شركة الهاتف المحمول الصينية متعددة الجنسيات "ست" مركزًا ضخمًا للتسوق في "أديس أباب" سنة 2015 ثم في نيجيريا سنة 2016، وأصبحت أهم شركة لتجارة الهاتف المحمول في افريقيا منذ 2015 بإنتاج مُوَجّه خصِّيصًا للسوق الإفريقية، وأورد تقرير لشركة "ماكينزي" الاستشارية الأمريكية "طرحت نحو نصف الشركات الصينية في إفريقيا منتجا جديدا أو خدمة جديدة للسوق المحلي وأدْخَلَ أكثر من ثلثها تكنولوجيا جديدة" فاستحوذت على حصة تفوق 40% من سوق الهاتف المحمول في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بمبيعات زادت عن 246 مليون هاتف ثنائي سيم، أو الهواتف التي يمكن أن تعقد اثنين من بطاقات سيم، وشيئا فشيئا بدأت الشركات الصينية تُسَيْطِرُ على شبكات البث ومراكز البيانات ومبيعات الهواتف "الذكية" منذ 2016.
بدأت الهند تهتم بالإستثمار في قطاع الزراعة في القارة الإفريقية بناء على دراسات هندية تتوقع أن تصبح الزراعة أهم قطاعات الاستثمار في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بحلول سنة 2030، وفق صحيفة "ذا إيكونوميك تايمز" الهندية، وركّزت الشركات الهندية على منطقة المجموعة الإقليمية الإنمائية لمنطقة الجنوب الإفريقي (سادك)، وكثفت من استثماراتها في قطاع الزراعة والصناعات الغذائية لبلدان مثل زامبيا وبوتسوانا وتنزانيا وجنوب إفريقيا... للهند كما للدول الأخرى أهداف خاصة من وراء الإستثمار في افريقيا، ومنها الحصول على النفط وعلى الغذاء بأقل التكاليف (وهذا مُتَوفّر في افريقيا) في ظل تنامي الصناعة الهندية وتنامي حاجة السكان إلى الغذاء، وتحذو الهند حذو الصين في إنجاز دراسات متأنية ودقيقة لاحتياجات السوق الإفريقية، والبحث عن مناطق وقطاعات تُجَنِّبُها منافسة ومواجَهَة الشركات الأمريكية والأوروبية، أو حتى منافسة الصين واليابان؛ لذلك ركزت على مجال الزراعة كمدخَل للتغلغل المتدرج تحت غطاء "العلاقة القائمة على الشراكة المتوازنة" وهي شعارات ديماغوجية من دولة تحاول احتذاء المثال الصيني للتغلغل "النّاعم"، استغلالاً لإرث "عدم الإنحياز" ومساندة حركات التحرر الذي تخلصت منه الصين كما الهند منذ أكثر من رُبُع قَرْنٍ... مجمل البيانات الواردة في هذه الورقة موجودة في تقارير صادرة عن شركة الإستشارات الأمريكية "ماكنزي" أو عن شركة "إرنست أند يونغ" الإستشارية الأمريكية أيضًا، خلال سنتي 2016 و 2017، كما وردت مجمل البيانات أيضًا في أعداد سابقة من نشرة الإقتصاد السياسي .
كنعان :النشرة الاقتصادية
اعداد الطاهر المعز
وهكذا المادة افريقيا، ميدان تنافُس رأسمالي: اعداد الطاهر المعز
هذا هو كل المقالات افريقيا، ميدان تنافُس رأسمالي: اعداد الطاهر المعز هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال افريقيا، ميدان تنافُس رأسمالي: اعداد الطاهر المعز عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/08/blog-post_5266.html
0 Response to "افريقيا، ميدان تنافُس رأسمالي: اعداد الطاهر المعز"
إرسال تعليق