عنوان: تونس.. إصلاح ديني أم إملاء خارجي؟ سالم لبيض
حلقة الوصل : تونس.. إصلاح ديني أم إملاء خارجي؟ سالم لبيض
تونس.. إصلاح ديني أم إملاء خارجي؟ سالم لبيض
وصف بعضهم قرار الرئيس السبسي الذي لا يخلو من اليوتوبيا والتبشيرية، بالثورة الثانية التي ستهز البشر والحجر، وستصعد بروح تونس، بعد تنقيتها من الأساطير الدينية البالية القديمة، للتحليق في المراتب الحداثية العليا التي بلغها العالم الحرّ في أوروبا وأميركا الشمالية واليابان، حتى لقّب بالمصلح ورجل الإصلاح، فقارنه بعض مريديه بالراهب الألماني، مارتان لوثر، رائد الإصلاح الديني في أوروبا في القرن السادس عشر الميلادي. والحال أن الرجل لم ينتج فكراً، وهو قليل الدراية بالحركات الإصلاحية، وبمرجعياتها، وأفكار أصحابها، من قبيل لوثر نفسه وماكس فيبر الألمانيين أو محمد عبده والأفغاني العربيين وغيره. لم يُعرف للباجي قائد السبسي
يقارنه بعضهم ببورقيبة الذي كثيراً ما يتشبّه به حتى في مستوى الشكل، والحال أن بورقيبة استمدّ شرعيته من نضال الحركة الوطنية التي قاومت الاستعمار عشرات السنين، ومن الحركة الإصلاحية التونسية التي بدأت في الظهور منذ تأسيس صحيفة الحاضرة في نهاية القرن التاسع عشر، وزيارة محمد عبده تونس في مطلع القرن العشرين، واستطاع توظيف كل الموروث النضالي والسياسي والإصلاحي، ليخدم به مشروعه السلطوي. ولما جاء إلى الحكم سنة 1956، بعد أن قضى على كل نفسٍ معارض، وجد مجلة الأحوال الشخصية جاهزة، صاغ نسختها الأولى بعض شيوخ جامع الزيتونة الأعظم، وحظيت بما يكفي من النقاش والجدل في أوساط النخب التونسية آنذاك، فأضاف إليها إلغاء تعدّد الزوجات، ولم يجد هذا الأمر مقاومةً تُذكر، لأن السائد لدى الفئة الغالبة من التونسيين هو الزواج من واحدة، أما التعدّد فكان استثناء. وبالتالي، قننت مجلة الأحوال الشخصية ما هو سائد من أحوال شخصية، ونظمت الأسرة التونسية على تلك القاعدة.
ولم يعد خافياً على النخب المتابعة للشأن الوطني والعالمي أن تغيير نظام الإرث في تونس هو مطلب الاتحاد الأوروبي، كما ورد ذلك بصريح النص في النقطة عدد 14 من تقرير البرلمان الأوروبي بشأن العلاقة مع تونس، الحامل مرجع (2015/2273(INI) الذي تضمن ما يلي: "تدعو(اللجنة) إلى تعزيز التوازن بين الجنسين، في سياق الإجراءات العامة، ولا سيما بإصلاح قانون الأحوال الشخصية، من أجل إلغاء القوانين التي تميز ضد المرأة، مثل التي تنظم الميراث والزواج، وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة والقطاع الخاص، وفقاً للمادة 46 من الدستور التونسي؛ تشجع، بالإضافة إلى ذلك، على وضع برامج دعم للنساء اللائي يمكن أن يكنّ قادة الغد، من أجل تعزيز وصولهن إلى مناصب المسؤولية؛ توصي بأن تلغي تونس بيانها
وقد أحدث رئيس الجمهورية، بمقتضى أمر رئاسي، مؤرخ في 13 أغسطس/ آب 2017، لجنة الحريات الفردية والمساواة، لإعداد تقرير حول الصيغ الممكنة لنص قانونٍ جديد ينظم المواريث على قاعدة المساواة التامة بين المرأة والرجل، تطبيقاً لما جاء في خطابه بمناسبة احتفالية 13 أغسطس السنوية التقليدية، التي تقام سنوياً في قصر الحكم في قرطاج منذ أيام الرئيس الأسبق بورقيبة، مروراً بخلفه بن علي وبعد ذلك المنصف المرزوقي، لكنه اختار لها فريقاً من الجامعيين والقانونيين، يؤمن أغلبهم بأنسنة القرآن، بدلاً من قراءته وتأويله نصاً مقدّساً لا يحتمل الاجتهاد في محكم آياته التي من ضمنها آيات الإرث، ما سيؤدي آلياً إلى تقديم مقترحاتٍ تصبّ في خيار تغيير القانون.
لم يمهد السبسي لمبادرته بإقامة المنتديات الفكرية، وإلقاء المحاضرات وتنظيم الندوات وتهيئة الرأي العام الشعبي، لتقبل هذا الموقف الراديكالي، إلا بخبرٍ راج في أوساط السياسيين، يتعلق بقرار مهم سيتخذه الرئيس، من دون تحديد فحواه، ما جعل مبادرته تأتي مسقطة، ولا تحظى بإجماع التونسيين. فقد نتج عنها انقسامٌ حاد في أوساط الطبقة السياسية، عاد بالبلاد إلى مراحل الاستقطاب الأيديولوجي الخطير الذي صاحب مرحلة كتابة الدستور وانتخابات 2011 و2014. لكن هذه المرّة لم يتعرّض رئيس الجمهورية لانتقادات مشتغلين في المجال الديني من زيتونيين (نسبة إلى جامع الزيتونة وجامعة الزيتونة)، كل على حدة، فقط، على الرغم من الصمت المطبق لحركة النهضة ذات الخلفية الإسلامية، أو التأييد الحذر من بعض قياداتها، وإنما أحدث إرباكاً في الأوساط الشعبية التي تتميز بتديّنها غير المسيس، وغير المرتبط بأجندات حزبية، فهؤلاء لا يرون تناقضاً بين التزامهم بالمواريث، كما جاء بها القرآن الكريم، وحقوق المرأة في المساواة والعدل بينها وبين الرجل. هم يعتقدون أن ذلك هو شرع الله الذي يستوجب التطبيق، وليس رغبةً جامحةً منهم، ونهماً في الاستيلاء ظلماً وزوراً على ثروات شقيقاتهم وقريباتهم وأملاكهن وأموالهن، وهذا هو جوهر المعادلة الصعبة التي وضع فيها الرئيس السبسي التونسيين والتونسيات.
بات الآن جلياً أن تغيير قانون الإرث، وإلغاء المنشور عدد 73، لا يتعلق بفكرة إصلاحية أو باجتهاد من داخل الحقل الثقافي العربي الإسلامي، يأتي ضمن مقاربة ثورية، كما ذهبت إلى ذلك نخبٌ عربية، لاسيما النسوية منها، فثمّنته وأثنت عليه وأشادت به، وإنما هو استجابة لضغوط قوى خارجية، تستغل كل مرّة الأزمة المالية والاقتصادية لتونس، لتحدد للدولة التونسية أولوياتها واستراتيجيتها وسياستها، وتسلب منها سيادتها.
وهكذا المادة تونس.. إصلاح ديني أم إملاء خارجي؟ سالم لبيض
هذا هو كل المقالات تونس.. إصلاح ديني أم إملاء خارجي؟ سالم لبيض هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال تونس.. إصلاح ديني أم إملاء خارجي؟ سالم لبيض عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/08/blog-post_456.html
0 Response to "تونس.. إصلاح ديني أم إملاء خارجي؟ سالم لبيض"
إرسال تعليق