عنوان: التحوير الوزاري و لعبة الديمينو فوق موائد الأحزاب بقلم رضا لاغة
حلقة الوصل : التحوير الوزاري و لعبة الديمينو فوق موائد الأحزاب بقلم رضا لاغة
التحوير الوزاري و لعبة الديمينو فوق موائد الأحزاب بقلم رضا لاغة
في مراحل الانهيارات الاقتصادية ، أحد أكثر الجوانب إثارة في تجربة الحكم هو فشل الأحزاب في تشكيل نهج مبدئي يفسّر علاقة الحزب بالدولة .و يعرف هذا في لغة السياسة بالتطويق الذي يَتّخذ شكل تحالفات مع الأحزاب التي تعلن صراحة بكون الدولة هي بمنزلة الحصن الذي ينبغي احتواؤه من المحاصصات الحزبية و حرصا على استمرار الدولة التي بدونها تنتفي أصلا الممارسة السياسية.إن مصطلح التطويق لا يمارس في فراغ لأنه يعكس شعورا منتشرا لدى قادة الأحزاب بأن هناك ظروفا مشؤومة تدفع لها البلاد دفعا. نحن نرى ذلك في المخاوف الضاغطة لاستنساخ المشهد السريالي اليوناني الذي جعل من الحراك الثوري محصلته صفرا . هناك العديد من العجائب . و ليس من بينها ما هو أكثر عجبا و غرابة أن تثور الشعوب ضد الفقر و الجوع فتزداد فقرا و جوعا و تهميشا...
في خضمّ هذه الأخطار التي ابتلينا بها ، تتوالد بالتوازي مخاوف ضاغطة على الأحزاب الي تجعل من الدولة ضرورة و ليست لعبة للسمسرة .علينا أن نتوخى هنا قدرا من الحذر ،إذ هناك قدر متنام لدى كل الأحزاب للحديث عن اسمرار الدولة و المصلحة الوطنية. إن التشابه الخادع يطرأ متى لم نميز بين المناورة السياسية و الضغط الحزبي لخلق توازن في المشهد السياسي. إن قواعد الأحزاب أفرادا و جماعات يسعون أثناء مزاولة الضغط من قياداتهم الحزبية باستهجان بعض المواقف التي تصدر عنهم لأنهم كقادة يحتاجون لتبجيل خدمة السياسي و الذي يبدو كإغارة على ما هو ايديولوجي. لذلك من المهم على كل قيادة أن تواجه بمسؤولية محاولات التشكيك التي تحركها عدة عقول تفتقد القدرة على التقدير السياسي الصحيح.
و لأن حركة الشعب حزب وطني معني بما يحدث سياسيا في الداخل القطري فهي بحاجة أن تبحث في المناقشات التي تتوسع تدريجيا حول التحوير الوزاري المرتقب .
ومن هذه الزاوية من المهم أن نستحضر استراتيجيات المناورة الليبرالية .سوف لن نجد في الفلسفة السياسية الحديثة أفضل تمثيلا لما طرحه جون ميرزهايمر في كتابه "مأساة القوى العظمى" .
إن النهج المتَّبَع هنا هو الهجوم ، أي القدرة على فرض الخيارات على الأطراف الفاعلة الأخرى في الداخل(في علاقة بالأحزاب)و في الخارج ( في علاقة بالدول).
في الطّرف الآخر من استراتيجية المناورة نجد نهج الدفاع الذي شرحه باستفاضة كل من ستيفان فان إيفار و تشارل غليسر و كورفمان و ستيفان والت.وهي تفترض وجود جهات فاعلة عقلانية تجعل من الأمن أولوية قصوى.و الأمن هنا يعني داخليا الهروب من اتخاذ موقف سياسي من قبل القادة بذريعة الوحدة التنظيمية. وهو مفهوم زئبقي إذ لم يحدث أن تعاطى كل قواعد حزب ما على موقف سياسي محدد و إنما يلجأون لمقارعة بالحجة و الترجيح الأغلبي.ان الاعتقاد في جزيرة تنظيمية هادئة لا يتدفق اليها أدنى توتر هو مجرد وهم ،إن طبيعته ترجع إلى اليوتوبيا السياسية .
إن استعراضنا للنهجين :الهجوم /الدفاع يتّضح في أداء الأحزاب على مرّ الحكومات السياسية المتعاقبة في تونس.نحن إذن نبحث عن تصنيفات الأحزاب الوطنية و قدرتها على تشكيل معايير المواجهة في أوضاع سياسية معقدة.و سنركّز اهتمامنا على حكومة السيد يوسف الشاهد .
طبعا الكل يقرّ بأن هناك توجّه وشيك لإجراء تحوير وزاري.و لكن المشكلة ليست كما يخيّل للبعض مسألة سدّ شغور و انتهى. الأمر أعمق من ذلك بكثير.و لعل الأحزاب الليبرالية ( النهضة و النداء حصريا)توخّت استراتيجية هجومية كمناورة لخلق جزءمن التوتر الذي قد يربك من أداء السيد يوسف الشاهد.
كلنا يتذكر كيف ناورت هذه الأحزاب المذكورة أعلاه لإقالة السيد الحبيب الصيد سابقا،و الْيَوْمَ هاهي تشدد الخناق على السيد يوسف الشاهد .كان المظهر الأكثر بروزا هو الخروج غير الموفق للسيد راشد الغنوشي الذي اشترط صراحة اعلان السيد يوسف الشاهد عن عدم نيته للترشح في انتخابات ٢٠١٩.النداء بدوره مارس ضغطا مباشرا من خلال القائمة الإسمية للوزراء المقترحين و الذين وضعوا فوق الطاولة لا للتشاور بل للتنفيذ.
إلى هذا الحد نحن نلاحظ بداية انهيار ثمرة الاستقطاب الثنائي :منازعة و عدم رضى لطريقة حكم السيد يوسف الشاهد الذي نجح نسبيا في رفع الوصاية التي فرضت عليه من النداء و النهضة.لقدصرّح قائلا:قلت ببساطة إن التحوير الوزاري شأن يخص رئيس الحكومة.
هل نتّجه إلى نوع جديد من التموقع السياسي يكون فيه السيد يوسف الشاهد ركيزة ثالثة تحاول قدر الإمكان الافلات من وصاية هذا الثنائي؟
لو جاز ذلك ينبغي لنا أن نتساءل ما هو النهج المتَّبَع من قبل المعارضة؟
كالعادة انقسمت المعارضة على نفسها إلى قسمين:
قسم أول تمثّله الجبهة الشعبية التي اختارت الانسحاب من العملية السياسية و ظلت تغرد بعيدا مستحضرة اليوتوبيا و الأمل في الخلاص ربما بانتخابات رئاسية مبكرة يكون فيها الرفيق حمه منقذا للعباد و البلاد.كما أنكرت على المعسكر الثاني للمعارضة تورطه في ماراتون المشاورات التي انتهت بولادة وثيقة قرطاج و حكومة السيد الشاهد.نحن هنا نتحدث عن الجمهوري و المسار و حركة الشعب و إن كان بدرجة أقل لأنها اختارت عدم المشاركة .لقد كانت المهمة آنذاك هي تقليص نفوذ و تغوّل حزبي النهضة و النداء ، و من ثمة إنهاء الخارطة الانتخابية لسنة ٢٠١٤و الحكم وفق محددات الممكن لحماية و استمرار الدولة.غير ان الصعوبة المباشرة كانت :و هل من الممكن أن تؤدي حكومة السيد يوسف الشاهد إلى تقليص نفوذ الأحزاب السالفة و النأي عن منطق المحاصصة؟
طبعا معيار اختبار ذلك يتضح من خلال زاويتين:
١-وجود مساندة حزبية للسيد يوسف الشاهد
٢-سخط الأحزاب التي صادقت على حكومته
إذا راعينا هذين المعنيين فلن يدهشنا القول بأن الموقف السليم سياسيا و المتاح حاليا هو دعم تصور السيد يوسف الشاهد حول رؤيته للتحوير دون السقوط في منطق الولاء لشخص السيد يوسف الشاهد.
في هذا الإطار لاحظنا تلكأ قسم المعارضة لإنجاز هكذا خطوة.فبات من الضروري أن نسأل:لما كانت المعارضة و أعني هنا القسم الثاني و يا حبَّذا للجبهة الشعبية أن تراجع موقفها ، ليست في موقع الهجوم (إذ يقتضي ذلك أن تكون طرفا في صنع المشهد السياسي الجديد)فهل هذا يعني أنها في موقع الدفاع؟
لو صح أنها في وضعية الدفاع ، فما نوع الأهداف التي ينبغي أن تسعى لحمايتها؟
كنّا في السابق كمعارضة ندافع عن شعارات ثورة ١٧ ديسمبر التي قلنا أنها استبيحت و لكننا سياسيا نحتاج أن نترجم هذه الغايات وفقا لأهداف متواضعة و عينية.
سأطرح سؤالا في سبيل التعرف على هذه الأهداف المتواضعة:هل أن حكومة السيد يوسف الشاهد الْيَوْمَ و بالرغم من ولادتها التي اشتملت على منهجية حوار أبوية ، يمكن أن تكون مظلة لتفاهمات سياسية تنسب من شعارات المعارضة؟
من يراقب عن كثب يدرك أن النهضة و النداء يحرصون على تغيير معايير المواجهة كل بطريقته.
بالنسبة للنداء خياراته واضحة:املاء شروط مباشرة على السيد رئيس الحكومة،و إلى حد الآن لم يفلح،
بالنسبة للنهضة استبدلت الهجوم بالدفاع،هي قالت المرحلة تحتاج الى سد الغور.كلنا يعلم ان هذا الموقف لا يعكس حقيقة انتظاراتهم،هم كانوا يريدون تغييرا شاملا و عند استحالته ادركوا ان المطالبة الشاملة عندما لا تتحقق فهذا ايذان بخروجهم من صنع القرار السياسي ،و هذا خطير،
و لكن لماذا سد الشغور؟
الكواليس كلها تشير الى رغبة السيد رئيس الحكومة الى سد الشغور ،اَي نعم و لكن الأهم ادخال تعديل هيكلي جزئي لوزارة الجارة و ضمها كالمعتاد الى وزارة الصناعة، وهذا فيه تهديد لمنصب أمينها العام كوزير كل المعطيات تقول بأنه الفشل بعينه .و إذا أضفنا الى ذلك وزير الداخلية المدعوم من النهضة و المساس به بمثابة خط أحمر،الشيء الذي أثار حفيظة السيد رئيس الجمهورية الذي قال بلكنة تونسية:بالازمة لعاد يضرب فيها ضربة.
سد الشغور إذن هو مجرد مناورة لعكس قوة الضغط من كونها محمولة على النهضة الى السيد رئيس الحكوم:يتعين عليك سد الشغور و كفى ،أما التحوير الشامل فهو هدف مؤجل الى حين نسيطر على المجالس البلدية.
في ظل هذه الظروف أطرح بعض التكهنات كمحاولة لفهم الثوب الجديد للتوتر السياسي،
من منا ينفي وجود شرخ بين حزبي النهضة و النداء في علاقة بالسيد يوسف الشاهد، و نظن ان المشكلة الأكثر خطورة هي ليست كيف سيتعامل السيد رئيس الحكومة مع هذا التنازع في الصلاحيات و إنما كيف سيكون سلوك الأحزاب المعارضة أخص بالذكر هنا حركة الشعب؟
الخطوة الاولى هي ان نوضح المصطلحات:ما هو على وجه الدقةوالاختلاف بين تحوير وزاري بقطع النظر عن طبيعته سواء كان جزئيا أو شاملا ، و تحوير وزاري بعد الانتخابات البلدية؟
ولكن السؤال يبدو عديم الفائدة لو أن الانتخابات البلدية تأجلت،اجل نحن نسير في طريق مسدود ،لا شك ان الدولة العميقة تقدر فيه أن الأوضاع على ما هي عليه في صالح الاسلام السياسي، و بالتالي نحن ازاء إمكانية خطيرة لا تقبلهالجغرافيا و لا الاقتصاد الوطني يحتمل إمكانية حدوثها،
طبعا يهمنا أن نقول هنا ان مثل هذا التقدير مرده ليس مزيد انتشار النهضة، على العكس هي تتآكل و شعبيتها تراجعت بشكل كبير و لكن عزوف المواطن للمشاركة في هذا الحدث الانتخابي و الانقسام الذي ينخر المعارضة هو الذي يعطي الانطباع بحدوث هكذا نتيجة.
إن الملخص الختامي للحراك القاعدي استعدادا للانتخابات البلدية مثلما يمنح النهضة المركز الاول يمنح أيضا حركة الشعب و التيار الديمقراطي و الجبهة الشعبية في حال التوافق على تحالف حزئي و سياسي في بعض مراكز الولايات العريقة ، في المركز الثاني. وهذا وحده من شأنه أن يدفع البلاد الى صفيح ساخن لأنه سيؤجج الصراع الايديولوجي من جديد،وهو ما يبدو فوق طاقة البلاد،
و الغريب في الامر ان الاعلام التعيس يقتني في كل مرة من المعارضة لقمة طازجة تعلن فيها المعارضة عن رغبتها للتأجيل وهي الأوفر حظا من الدولة العميقة التي باتت شبه مشلولة.
إن الدولة تميل الى التأجيل و لكن بلسان حال المعارضة،و بقطع النظر عن الخلفيات التي تحكم كل جهة فان التأجيل ضرورة وطنية عند الأحزاب الوطنية و اجراء وقائي لتسوية في الأفق عند الدولة العميقة.
للأسف أقولها بمرارة تبدو أحزاب المعرضة كالأطرش في الزفّة ،فهي من جهة تتخوّف من مساندة رؤية السيد يوسف الشاه د حول التحوير الوزاري الوشيك باعتبار أن اللعب أصبح بالمكشوف ، هناك عجز في إدارة دواليب الدولة و نحن أبناء حركة الشعب ، أبناء الفكر القومي المؤسس للدولة الوطنية في الدول العربية ، ولا أريد أن أذكر هنا كفاءة الأخ سالم الأبيض حين مسك وزارة التربية و لا بالاخ مبروك كرشيد الذي نجح في إرجاع ١٧ الف هكتار من املاك الدولة
ربما لن يعجب البعض ما كتبت و لكنني هكذا أرى القوميين ،سكان أصليين في نظرية الحكم للدولة الحديثة ،نحن لا نظفر بحماية الدولة بل نحن حماتها .سكان أصليين مقابل أقلية في التاريخ و الطموح،
و لأنها دولتنا و لأنه وطننا نحتاج أن نرى أنفسنا شريحة ضامنة لعدم انهيار الدولة تماما كما كان أسلافنا الذين مارسوا دورا مهما في القتال من اجل استقلال و بناء الدولة"
لكل هذا أَجِد نفسي معنيا بالتحرير الوزاري القادم و لا أتحرّج في أن أعزّز من مربع الممانعة للسيد رئيس الحكومة أمام كل ضروب المحاصصة و التغول،ببساطة لأن مجتمع ما بعد الدولة في بلادنا العربية هو مجتمع عنيف، وهو جزء من البوليتيكا السياسية عند الغرب.
وهكذا المادة التحوير الوزاري و لعبة الديمينو فوق موائد الأحزاب بقلم رضا لاغة
هذا هو كل المقالات التحوير الوزاري و لعبة الديمينو فوق موائد الأحزاب بقلم رضا لاغة هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال التحوير الوزاري و لعبة الديمينو فوق موائد الأحزاب بقلم رضا لاغة عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/08/blog-post_363.html
0 Response to "التحوير الوزاري و لعبة الديمينو فوق موائد الأحزاب بقلم رضا لاغة"
إرسال تعليق