عنوان: الجزائرأمام قضية التعريب...مجددًا توفيق المديني
حلقة الوصل : الجزائرأمام قضية التعريب...مجددًا توفيق المديني
الجزائرأمام قضية التعريب...مجددًا توفيق المديني
اتخذ مجلس إدارة مؤسسة بريد الجزائر قرارًا يقضي بإلغاء اللغة الفرنسية من جميع الوثائق والمحررات الرسمية الصادرة عن المؤسسة، وتعويضها بوثائق محرّرة باللغة الوطنية، وتعهد بوضع الآليات اللازمة لتطبيق القرار على أرض الواقع، وإعلام وزيرة القطاع بتفاصيل تنفيذه. ووفقًا للوثيقة التي وزعها مجلس إدارة البريد لأجهزة الإعلام الجزائرية، فإنّه سيتم تحرير الوثائق الإدارية باللغة الوطنية من دون الإشارة إن كانت عربية أو أمازيغية سواء العقود أو القرارات أو غيرهما، كمانصت الوثيقة بصريح العبارة على «أن استعمال اللغة الوطنية في تحرير الوثائق الرسمية سيكون لتعويض اللغة الفرنسية المستعملة حاليا».
ورغم أن وزيرة البريد وتكنولوجيا الإعلام والاتصال هدى إيمان فرعون التي تشغل هذا المنصب منذ عام 2015، وقعت على القرار المذكور في 4حزيران/يونيو الماضي،غير أنّه إلى حدِّ هذا اليوم لم يتم تطبيق أي نقطة من ذلك القرار. ورغم أمر الحكومة السابقة باستعمال اللغة العربية في المراسلات والطعون وكافة التعاملات، وتعميم استعمالها على كافة المنشآت وهيئات الحالة المدنية، ورغم محاولات بعض مسؤولي القطاعات، إلزام موظفي قطاعاتهم بتحرير المراسلات والتقارير باللغة العربية، فقد ظلت كل هذه المحاولات محتشمة لحفظ ماء وجه اللغة العربية، في ظل الهيمنة الكبيرة للغة الفرنسية على مختلف مفاصل الإدارة الجزائرية .
لقد وصف العديد من المفكرين والباحثين والسياسيين الجزائريين المدافعين عن سيادة اللغة الوطنية ، والحال هذه العربية ،قرارالوزيرة الجزائرية بتعميم استعمال اللغة العربية في إدارة مؤسسة البريد وفي كل مراسلاتها وتقاريرها،بالشّجاع والفريد من نوعه،لأنّه من شأنه أن يُسْهِمَ في تسهيل تعامل الجزائريين مع مؤسسة يرتادها يوميًا ملايين المواطنين لقضاء مصالحهم المالية،وأجْمَعُوا على أنّ موضوع التخلص من عقدة اللغة الفرنسية يحتاج لإرادة سياسيّة حقيقية.
صدام مع اللوبي الفرنكوفوني
فقد طرح قرار وزيرة البريد و تكنولوجيا الإعلام والاتصال الجزائرية ،وكذلك قانون تعميم استعمال اللغة العربية الذي صدر بالجزائر عام 1991،ووقعه الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، لكن القانون جُمِّدَ لغاية 21 ديسمبر/كانون الأول 1996، تلاه الرئيس اليامين زروال الذي أصدر مرسومًا يلغي فيه التجميد، وبعد مغادرته الحكم، جاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 1999 وترك القانون مجمّدا من دون مرسوم رئاسي، مسألتين في غاية الأهمية ،ولكنهما مترابطتان :
الأولى : لقد تحول الدفاع عن خيار التعريب إلى مسألة قومية لها علاقة عضوية بالهوية العربية الاسلامية للجزائر،وتحولت مقاومة التعريب إلى دفاع عن اللغة الفرنسية في شكل دفاع عن « الثقافة الشعبية » من جانب الحركة البربرية ،هي صنيع الفرانكوفونية في الجزائر.فاللوبي الفرنكوفوني المسيطر على الدولة الجزائرية ،يهاجم اللغة العربية ويحاول القضاء عليها لا سيما في الإدارة، وهو من يقف في وجه التعريب .وعندما أصدر البرلمان الفرنسي قانون تمجيد الاستعمار بالجزائر في 2005، ورغم محاولات النواب الجزائريين ،إصدار قانون مضاد لتجريم الاستعمار الفرنسي، فإنّ اللوبي الفرنكفوني المتحكم في الدولة، منع صدوره.
الثانية : إنّ خيار التعريب له علاقة بسياسة الدولة في مجال التعليم والاقتصاد والسياســة عامة . فالحركة البربرية التي أسست لخدمة الفرنكوفونية أكثر من خمسة أحزاب سياسية إلى حد الآن في الجزائر، هي التي تناصب العداء لخيارالتعريب،وما حققه من استقلال لغوي وثقافي عن اللغة الفرنسية في جميع مراحل التعليم و تخصصاته.و لايزال قانون تعميم اللغة العربية مجمّد ًامنذ عهد المجلس الأعلى الذي ترأسه علي كافي، ولا شيء يلزم التعامل بالعربية ما عدا المجلس الشعبي الوطني(البرلمان)،الذي يلزم أن تكون المناقشات والمراسلات بالعربية، فيما تتعامل عموم المؤسسات الخاصة والعمومية للدولة الجزائرية باللغة الفرنسية.
الحقيقة أن موضوع التعريب كان ولا يزال موضوع صراع بين طرفين متصادمين في تكوينهما الثقافي و الأيديولوجي و السياسي ، وفي رؤيتهما للمشروع الثقافي على صعيد الجزائر،وفي جو خلا من الحوار الموضوعي و الديمقراطي طيلة السنوات الطويلة الماضية ، تحول النقاش الى حوار طرشان ، وبحجج أيديولوجية مسبقة و جاهزة يغلب عليها الطابع العاطفي ، إذ إن كل طرف ينشد بوعي أو من دونه وبما يتوقعه أنه يخدم المصلحة العامة ،على صعيد الثقافة الشعبية .
و من الواضح أن الدفاع عن خيار التعريب باعتباره خيارا ً قوميا ً و ديمقراطيا ً، بصرف النظر عن الجهات التي تقف وراءه وخلفياتها الأيديولوجية و السياسية – هل هي منساقة و منخرطة مع هذا الخيار أم هي تستخدمه لأغراض سياسية – قد قابله مجموعة من التيارات المقاومة لخيار التعريب الذي يصب في المحصلة النهائية في موقع الدفاع عن اللغة الفرنسية في شكل الدفاع عن الثقافة الشعبية ، خاصة من الأحزاب السياسية البربرية ، و أبرزها «حزب التجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية » . وبدوره أرجع البروفيسور في علم النفس، أحمد قوراية، ظاهرة التشبث باللغة الفرنسية، إلى ذهنية ونفسية كثير من الجزائريين، والذين انبطحوا حسب وصفه «انبطاحا للفرنسية ومن دون تفكير ومن دون غربلة، وأيضا إلى الرواسب الاستعمارية، حيث تركت فرنسا وراءها نخبة تعمل للحفاظ على لغتها حيّة وفاعلة بالجزائر، وتتحاشى اللغة الوطنية» واعتبر قوراية،أن التعامل بالفرنسية خاصة في الإدارة الجزائرية، هو استعمار ثقافي واجتماعي للجزائريين
إعادة بناء الدولة الوطنية
إن خيار التعريب في الجزائر لا يهم الشعب الجزائري فحسب، بل كل الشعوب العربية ،و هذا يقتضي توضيح المسائل التالية :
أولا : إن اللغة الفرنسية أدخلها الاستعمار الفرنسي إلى الجزائر باعتبارها إحدى أسلحته الإيديولوجية و الثقافية ، لتسلخ الشعب الجزائري عن لغته الوطنية العربية ، و حرمانه طيلة أكثر من قرن ، الأمر الذي جعل الجزائر تعيش حالة من الانقطاع التاريخي على صعيد التواصل الثقافي و الوطني .و من هذا المنطلق فاللغة الفرنسية التي تمكنت من الاستحواذ على قسم مهم من أبناء الشعب الجزائري ، بوساطة حرمانهم من ثقافتهم و لغتهم الوطنية ألا و هي العربية ، هي لغة دخيلة على الشعب الجزائري ، و لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها جزءا ً لا يتجزأ من الثقافة الشعبية ..
ثانيا : إن تأجيل قانون التعريب ،وبالتالي التراجع عن خطة التعريب من جانب الدولة الجزائرية ، يخدم أحد أهداف الحلم الاستعماري الفرنسي الكبير في الجزائر،الذي كان ولا يزال يمارس ضغوطات متعددة على السلطة الجزائرية (بواسطة اللوبي المصنوع لهذا الهدف في الجزائر ألا و هي الحركة البربرية ) من أجل الإبقاء على سيادة اللغة الفرنسية في كل المرافق الاستراتيجية للدولة:الإدارية ،والاقتصادية ، والعلمية ،والإعلامية ،والعسكرية ،كما هوالحال للبلدان الإفريقية الفرانكوفونية أي الناطقة بالفرنسية كلغة رسمية سائدة ، و التي اختارت لغة الإستعمار الفرنسي فجر استقلالها ، لأنها لا تملك لغة وطنية سائدة على مستوى أقطارها .
و من هذا المنظار فإن خيار التعريب له علاقة عضوية مباشرة بخيار التعليم ، ولأن التعليم إذا قيض له أن يسهم إسهاما ً حقيقيا ً في تكوين الإنسان من المدرسة إلى الجامعة ، باعتباره إنتاجا ً للبشر،الذي لا يعطي ثمارا ً إلا بعد سنوات طويلة ، حيث تمتص المجالات المتعددة الاقتصادية والسياسية و الثقافية كل الكوادر المقتدرة و الموهوبة ، يتطلب أن يكون ضمن سياسة وطنية ثورية و قومية ديمقراطية شاملة للحياة الاقتصادية ، والاجتماعية ، والسياسية ،والوطنية في الوطن العربي عامة ،وفي بلدان المغرب العربي خاصة ، أولا يكون .إذا ً،فالتعريب في البلاد العربية عامة ،والجزائر خاصة ،هو مسألة لها علاقة عضوية مباشرة باهتمام الدولة الوطنية بسياسة المواطن ماديا ً،وفكريا ً،أولا ًوأساسا ً.فالتعريب ليس مجرد برنامج يطبقه هذا الوزير أو ذاك ، بل هو اختيار إيديولوجي و سياسي وثقافي واعي للأمة العربية ، لكي تخوض المعركة الفكرية و الثقافية و التعليمية ،بين الثقافة العربية الإسلامية ،والثقافة الغربية المهيمنة ،علمًا أن سلاحنا في هذه المعركة ( نحن دعاة التعريب ) ضعيف بحكم قانون التفاوت في التطور على صعيد الإمكانات الثقافية والحضارية بيننا و بين الغرب .
ثالثا:إن طابع التخلف الذي يطبع لغتنا العربية عامة ،وخيار التعريب في المغرب العربي خاصة ، نابع بشكل أساس من التأخر التاريخي لمجتمعاتناالعربية .ولما كانت اللغة العربية ،عبر مسارها التاريخي بنية تحتية أسست لظهور المجتمع المدني ،وتبلور فكرة الأمة ،ضد كل التوصيفات الماركسية التي تعتبرها جزءا ًمن البنية الفوقية فقط ،فإنها تشكل الآن أكثر من أي وقت سبق المعبر الرئيس الذي تنتقل به المجتمعات العربية من حالة التأخر التاريخي إلى التقدم ، ومن القعود إلى النهوض .والحال هذه، فإنّ اللغة العربية ليست عاجزة عن استيعاب و تعلم العلوم الدقيقة ،لاسيما الرياضيات العليا ،والفيزياء النووية ،والهندسة الوراثية ، والميكانيك المعقدة. ولأن هذه العلوم و الرياضيات عبارة عن مصطلحات وأرقام ورموز تترجم أحيانا ً إلى اللغات الآخذة ،وتنقل كما هي أحيانا ً أخرى من اللغات المأخوذة عندما تكون أسماء عالمية تستعمل بنفس اللفظ أو الرمز في جميع اللغات.واللغة العربية لكي تكتسب كل خصائص اللغات العلمية الحية و المعاصرة و الحديثة ،وتدخل حلبة التنافس ،تحتاج الى التأهيل العلمي واللغة والمستوى العلمي مترابطان ، إذا لا يمكن للإنسان العربي أن يعيش بعقله في جهل القرون الوسطى ، وعصورالانحطاط ، بينما في لسانه يعيش في عصر الذرة والكمبيوترو الأنترنت. فحياة اللغة العربية ،مرتبطة بالتحرر الراديكالي للأمة العربية في كل مجالاته أولا ،وبحياة الفكر و الثقافة المبدعين ثانيا ً .
و هكذا تبدو حياة اللغة العربية مرتبطة بالثورة الفكرية والثقافية الشاملة ،على الصعيد العربي ،وبالثورة السياسية ،التي تؤسس لبناء مجتمع مدني حديث ،بالتلازم مع بناء دولة الحق والقانون.ومن هذا المنظار تصبح حياة اللغة العربية هي تحقيق تحرر وحرية الشعوب العربية من الاستبداد و التبعية والتخلف.
إن خيار التعريب كل لا يتجزأ،فهو لا يتم في التعليم وحده ،و لا في اللغة على انفراد،بل يتم في جميع مؤسسات المجتمع ، تسيره قوانين حازمة بعيدة عن التمتع بالرخاوة البرجوازية و الثقافة الأمريكية المهيمنة . إنه ليس سؤالا ً ثقافيا ً، و لا سؤال يهم فقط المثقفين العرب و في مقدمتهم القائمين بعلم الاجتماع واللغة العربية ، لكي تحقق قفزة نوعية في تطورها التاريخي ، و لكي تتجاوز تأخرها التاريخي ، حيث أن التعريب على صعيد المناهج العلمية و التكنولوجية ، خيار واحد من المعضلات الأساسية التي تواجه القوى القومية ، و الديمقراطية العربية ، و يتطلب حلا ً ثوريا ً صحيحا ً.
هناك تلازم بين اللغة ،باعتبارها أهم و أخطر أعضائنا العقلية ،و بين محتواها الفكري والحضاري،والسياسي،والاقتصادي،والاجتماعي،ولهذا فإنّ اللغة ،والمجتمع المدني ،ودولة الحق والقانون مقولات تتقدم معا ً،وتتراجع معا ً أيضا ً.ولكي تسهم اللغة العربية في الإنتاج العلمي و التكنولوجي ، يترتب على المثقفين العرب باللغات الانكليزية والفرنسية والألمانية و غيرها من اللغات الحية ،أن لا تنحصر مهمتهم العلمية ،في نقل المصطلحات الأجنبية و شرحها للطلاب فقط ،بل إن مهمتهم الأساسية هي توخي استراتيجية للترجمة طويلة الأمد لنقل الروح العلمية و التخليق التكنولوجي إلى اللغة العربية ، لكي تصبح لغتنا العربية ،بعد أن تهضم هذه الترجمة بالتوازي مع مواكبتها لتطور العلوم الدقيقة والتكنولوجية،قادرة على عملية التخليق العلمي و التكنولوجي ،على الرغم من الصعوبات البنيوية الناتجة عن طبيعة مجتمعاتناالعربية المتأخرة تاريخيا ،والمتسمة بالفوضى و الإهمال ...
وهكذا المادة الجزائرأمام قضية التعريب...مجددًا توفيق المديني
هذا هو كل المقالات الجزائرأمام قضية التعريب...مجددًا توفيق المديني هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال الجزائرأمام قضية التعريب...مجددًا توفيق المديني عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/08/blog-post_14.html
0 Response to "الجزائرأمام قضية التعريب...مجددًا توفيق المديني"
إرسال تعليق