عنوان: البحر الأحمر وهو يتحول إلى بحيرة صهيونية!
حلقة الوصل : البحر الأحمر وهو يتحول إلى بحيرة صهيونية!
البحر الأحمر وهو يتحول إلى بحيرة صهيونية!
بقلم : محمد عبد الحكم دياب
وضع «المشير السيسي» توقيعه على وثيقة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير بصفته رئيسا للجمهورية، وتعتبره الغالبية العظمى من الشعب أنه توقيع شخصي لا يعبر عنهم؛ بعد مناشدات وإلحاح بتأجيل التوقيع حتى صدور حكم المحكمة الدستورية العليا.. ولو لم تكن قبضة الأمن غاشمة ومتوحشة لخرج المواطنون احتجاجا وثورة.
وتصديق «المشير السيسي» على التنازل تترتب عليه نتائج وخيمة ليست في صالح استمراره، وفي غير صالح المملكة العربية السعودية، وتنطبق على اندفاع «المشير» واستعجاله غير المبرر قاعدة «أعطى من لا يملك حقا لمن لا يستحق»، في انحياز واضح ضد حق وطني مشروع لدولة صاحبة ولاية وسيادة على أرضها، وهذا التنازل أحدث شرخا وصَدْعا، ما كان له أن يكون، في وقت زادت فيه «القارة العربية» اشتعالا بحروب طائفية ومذهبية وعشائرية طاحنة؛ في خدمة التقسيم والتفتيت والتحول إلى هياكل مفرغة لا تقوى على شيء.
كان على السعودية ومصر أن تكونا أقل تورطا وأكثر اتزاانا وإحساسا بالعواقب، وإن كانت المسؤولية الأكبر في ذلك تقع على ولي العهد محمد بن سالمان، حين ربط بين وراثته للعرش بتهديد مصر في شخص «المشير السيسي»، الذي سلم بتهديداته، وتمكن ولي العهد في سلبه «أعز ما يملك» مسؤول رسمي، وهو شرف الحفاظ على الأرض وحمايتها، وهذه أعراف الفلاحين ومجتمعات الريف، وما زالت سائدة في التجمعات الحَضَرية والزراعية في الدلتا وصعيد مصر، ويشبه عميد المسرح الراحل يوسف وهبي الشرف بـ«عود الكبريت»، الذي يشتعل لمرة واحدة، ولا يعود كما كان، والتنازل عن الأرض ضياع لشرف لا يُسْتَرد، وهذا فهم غالب على الثقافة الشعبية المصرية، وغائر في عمق الشخصية الوطنية، فالتنازل عن الأرض والتفريط فيها جالب للعار مدى الحياة. وفي مواجهة عار التنازل عن الأرض استعادت الذاكرة الوطنية «شخصية عواد» في التراث الشعبي المعاصر؛ هو ذلك الفلاح الذي باع أرضه، بعد أن اقترن براقصة وبدد أرضه على تدليلها وإرضائها، ونفدت أمواله وأصبح مفلسا؛ بلا أرض يفلحها ويعتاش منها، وأصابه الجنون، وكان يهذي، وأطفال القرية يلاحقونه بـ«التجريس» والقذف بالطوب؛ مرددين: «عواد باع أرضه يا ولاد.. شوفوا طوله وعرضه يا ولاد.. عواد غنوا له يا ولاد.. علـي عرضه وطوله يا ولاد».. وتحولت قصة عواد إلى «أوبريت» عنوانه «عواد باع أرضه» في ستينيات القرن الماضي؛ أداء سعاد مكاوي وسيد اسماعيل، كلمات مرسي جميل عزيز، ألحان كمال الطويل، وكان من روائع التراث الإذاعي المصري، وأدته فرق الفنون الشعبية في لوحات غنائية جماعية، انتشرت في الأفراح والموالد والمناسبات الوطنية.
كانت هذه سطور توضح أبعادا ثقافية واجتماعية ونفسية وأخلاقية لعلاقة الشرف بالأرض في العقل الجمعي المصري، وما حدث لا يُمكن حصره في تصرف شخص مهما علا منصبه، ولا في سلوك عائلة أو أسرة أو موقف منطقة؛ إنه خدش لقيم وتاريخ وأعراف استقرت، وضَرْب في عصب وطن، وطعن في أخلاق شعب عاش بها وتوارثها جيلا بعد جيل؛ منذ «اختراع الوطن» كمستقر وملاذ آمن للبشر.
هذه المقدمة لم تبعدنا عن جوهر الموضوع، وكانت ضرورية لفهم العرب لبعضهم البعض، وتفسير سلوك قد يبدو غريبا في بيئات عربية غير مصرية؛ لا تُعطي الأرض كل هذه القيمة المقرونة بالشرف الشخصي والاجتماعي والوطني. وأثر تنازل «المشير السيسي» عن الجزيرتين شديد على مختلف المجالات، وعلى الأمن القومي العربي، وعلى أمن الإقليم كله، وعلى دول الجوار الأورو أسيوي والافريقي.
وفي القرون الأخيرة يتعامل العالم مع البحر الأحمر باعتباره بحرا عربيا خالصا، ومنذ المسعودي (896 ـ 957م) صاحب «مروج الذهب»، والمعروف بهيرودوث العرب؛ المولود في بغداد، وحين شب عن الطوق كان كثير الأسفار، واستقر به المقام في مصر، نظر إلى هذا البحر كخليج باسم البحر الحبشي، ويبدأ من باب المندب إلى ميناء القلزم، وأطلق عليه إبن خلدون إسم بحر القلزم، والقلزم ميناء مصري قديم؛ يحمل اسم السويس حاليا، وربط باحثون محدثون إسم البحر بخواصه الطبيعية، وزيادة الطحالب البُنِّية المائلة للحمرة فيه، ووجود شعب مرجانية بألوانها المتعددة والمتداخلة.
والبحر الأحمر يقع حاليا في قلب عواصف وأعاصير سياسية وعسكرية وإرهابية وصهيونية والأخيرة تضع لمساتها الأخيرة على مشروعها الإمبراطوري؛ المسمي بـ«إسرائيل الكبرى» الواقعة بين الفرات والنيل، ودخلت مرحلة أخرى من التوسع تحت رايات إمبراطورية أكبر تقع بين الخليج المحيط. وأعدت المنظومة الصهيو أمريكية عدتها بمشروعات وبدائل جاهزة؛ تتحين الفرص للتنفيذ؛ وفق آلية القضم المرحلي الممنهج، والاعتماد على القوة والقدرات المتنامية، واستغلال خلل موازين القوى الإقليمية والدولية طوال القرن العشرين وإلى الآن.
لن تترك تل أبيب فرصة تسليم الجزيرتين للرياض دون ابتزاز وسوف تطلب التزاما سعوديا مكتوبا وترتيبات أمنية خاصة، وتعمل على توقيع «اتفاقية سلام» معها، وهذا هو جوهر «صفقة القرن» الصهيو أمريكية. وزيادة وتيرة «التطبيع» مع الدول التي ترى في إيران وليس الدولة الصهيونية خطرا أكبر. وتقر بتحويل مضيق تيران إلى ممر مائي دولي، فالمسافة بينه وبين السواحل السعودية لا تُدْخله ضمن نطاقها الإقليمي؛ عكس الوضع بالنسبة لمصر. وإذا ما تم لتل أبيب ذلك تتحكم في المدخل الشمالي للبحر الأحمر، ومشروعاتها جاهزة في النقل البري والبحري والسكك الحديدية لخنق قناة السويس.
وهناك احتمال أن يجد الحل الصهيوني للقضية الفلسطينية فرصته في التطبيق، إذا ما استمرت المباركات العربية الخليجية وغير الخليجية، ومعها الرئاسة المصرية؛ بإقامة «غزة الكبرى»، واقتطاع جزء من سيناء، وأشرنا إلى ذلك في مقال الأسبوع الماضي. وستتحكم تل أبيب في المدخل الشمالي للبحر الأحمر، بعد تمكنها من الوجود الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي في جنوبه؛ في القرن الإفريقي وباب المندب، ويكتمل تحكمها في طول البحر وعرضه؛ حتى لا يبقى بحرا عربيا خالصا، ويتحول إلى بحر صهيوني، وركيزة كبرى في مشروع الشرق الأوسط (الصهيوني) الجديد، فيحتضن الامبراطورية الصهيونية الكبرى بوضعها المرتقب الممتد من المحيط إلى الخليج! وتتبناها إدارة ترامب؛ كي تضمن استمرار الحروب المذهبية الكبرى واقتتال الأخوة الأعداء، وتصبح الطريق سالكة ليتقدم الأمير محمد بن سلمان فيعتلي العرش السعودي، ويصبح بذلك ملكا مطاعا!
ونعتقد أن الأمر لن يسير بسهولة في «قارة عربية» حبلى بالمفاجآت، ولم تخبو فيها جذوة المقاومة بعد، وتعددت فيها الإرادات والأطماع الكبرى والصغرى، وطموحات السعودية وإيران وتركيا، وأطماع الدولة الصهيونية ومستقبل الأكراد والفلسطينيين؛ كل ذلك يتقاطع ويتوازى ويشتبك ويتصادم، والقوى الكبرى تتلاعب بالجميع؛ تتحين فرص، تحيي أحلامها الاستعمارية القديمة، وتتصور أنها ما زالت ممسكة بكل الخيوط، ووصل الغرور بشخصية بدهاء ومكر هنري كيسنجر فتقول من لا يسمع طبول الحرب العالمية الثالثة في الشرق الأوسط فهو أصم، ويبدو أنه هو الأعمى الذي لا يرى النار التي تمسك بتلابيب أباطرة العصر!.
وهكذا المادة البحر الأحمر وهو يتحول إلى بحيرة صهيونية!
هذا هو كل المقالات البحر الأحمر وهو يتحول إلى بحيرة صهيونية! هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال البحر الأحمر وهو يتحول إلى بحيرة صهيونية! عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/07/blog-post_128.html
0 Response to "البحر الأحمر وهو يتحول إلى بحيرة صهيونية!"
إرسال تعليق