عنوان: الحكاّم العرب: ركضٌ وراء سراب السّلام وانقلابٌ في فقه الأولويّات د. مصباح الشيباني
حلقة الوصل : الحكاّم العرب: ركضٌ وراء سراب السّلام وانقلابٌ في فقه الأولويّات د. مصباح الشيباني
الحكاّم العرب: ركضٌ وراء سراب السّلام وانقلابٌ في فقه الأولويّات د. مصباح الشيباني
بريد الحرية - لقد اعتمدت الحركة الصّهيونية منذ و"عد بلفور" في 02 نوفمبر عام 1917 خطة استراتيجية واضحة للاستيلاء على فلسطين وبناء مشروعها الاستيطاني والإمبراطوري في المنطقة العربية عموما عبر مختلف الوسائل والمخططات والخدع والأساطير السياسية وعبر مقولة :" ما أصبح في يدنا هو لنا، وما يزال في يد العرب هو المطلوب".
ولتحقيق هذا الهدف ألاستراتيجي تحالف العدو الصّهيوني مع الإقليمية العربية قبل قيام دولة "إسرائيل" وبعده. ومنذ عشرينيات القرن الماضي، طرحت عديد المشروعات والمبادرات للتّسوية وللتفويت في الأرض العربية في فلسطين وفي غيرها من الأقطار العربية. وبدأ التّطبيل والتهليل، وعبر مختلف وسائل الدّعاية، من قبل النّظام العربي لوأد الثورات العربية والحروب مع العدو وفرض منطق التعايش السلمي معه. وقد انطلق هذا المشروع الاستسلامي منذ أن كانت فلسطين خاضعة إلى الانتداب البريطاني إثر الحرب العالمية الأولى عام 1918.
فقد قاوم الشّعب العربي في فلسطين سياسة التّهويد والاستيطان على أرضهم منذ قيام ثورة البراق في 22 أوت 1929، وتكرّرت مرة أخرى إثر اندلاع ثورة 15 أفريل 1936 عندما شكلت بعض القوى الفلسطينية "اللّجنة العربية العليا" التي قرّرت الإضراب العام وطالبت بتحقيق أهدافها ثلاثة أساسية وهي: (إيقاف الهجرة ومنعها منعا تاما ـ منع انتقال الأراضي العربية لليهودـ إنشاء حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي منتخب).
لقد استخدم الاستعمار البريطاني جميع أنواع القوة وآليات القمع لإخماد هذه الثّورة، لكنّه لم يفلح في ذلك، فالتجأ إلى الحكّام والملوك العرب بهدف الضّغط على الفلسطينيين والعرب، فأصدروا نداء يوم 8 أكتوبر 1936 جاء فيه: " لقد تألمنا كثيرا للحالة السائدة في فلسطين، فنحن بالاتفاق مع إخواننا ملوك العرب والأمير عبدالله ندعوكم إلى الإخلاء إلى السّكينة حقناً للدّماء معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل". فهذا البيان الصّغير استطاع أن ينهي ثورة دامت ستة أشهر.
ولم تكن ثورة الشّعب العربي في فلسطين المحتلة يوم السّبت 30 مارس 1976 مصادفة (الذي أصبح يطلق عليه "يوم الأرض)، بل كانت وليدة تأزم الوضع الذي أصبح يعانيه الفلسطينيون في ظل سياسة التهويد الذي سلكه الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948.
ومنذ سنة 1970، بعد رحيل الزعيم الرّاحل "جمال عبد الناصر" بدأت الهزائم الكمية أمام العدو الصهيوني تتحول إلى هزائم كيفية أو نوعية، وبات الحراك الشعبي العربي وقواه المقاومة يواجهان تحديا لإخراجهما من المشهد السياسي، ووضعهما بين فكّي كمّاشة الأنظمة العربية الرجعيّة والهجمة الاستعمارية الغربية والصهيونية. ودخلت الأمة العربية في مرحلة أكثر خطورة في التطبيع والتعايش السّلمي والمناخ "التطبيعي" العلني والخفي بين الأنظمة العربية والعدو الصهيوني.
لقد أصبح الهدف الاستراتيجي لهذا التحالف العلني أحيانا والمتخفي أحيانا أخرى، هو إجهاض أي حراك شعبي عربي أو فلسطيني مقاوم للعدو وقمعه استجابة للضغوط الخارجية أولا، وتحسبا من تداعياته في السّاحات العربية الأخرى ثانيا. ولتحقيق هذه الأهداف اعتمد كلاهما ـ الحكام العرب والصهاينة ـ جميع أصناف الحملات والتشويه الإعلامية والثقافية لطبيعة الصراع القائم بيننا وبين الصّهيونية، ومحاولة إظهاره على أنّه صراع حدود وليس صراع وجود.
كما انخرطت أغلب الأنظمة العربية التي قبلت مسرحية "المفاوضات" مع العدو ووفق شروطه في النكبة العربية في فلسطين، وأصبحت حليفا رئيسيا في تصفية المقاومة العربية والفلسطينية بالاغتيالات لرموزها تارة وبالسّكوت عن حروب الإبادة الجماعية التي تتعرّض لها الأرض العربية في فلسطين وفي غيرها من الأقطار العربية تارة أخرى. فعندما نقرأ اتفاق "أوسلو" في العمق يتضح أنه اتفاق إذعان من قبل قيادة عربية مسكونة حتى النّخاع بثقافة الهزيمة والاستسلام وباتت مشغولة فكرا وممارسة بالدّفاع عن مصالحها الذاتية والعمل على مراكمة ثرواتها على حساب طموحات شعوبها في التنمية.
إذاً، منذ توقيع اتفاقيات "كامب ديفيد" بين مصر والكيان الصهيوني عام 1979، ثم مع اتفاقيات وادي عربة بين الأردن والعدو، ومن خلال تبادل التمثيل الدّيبلوماسي مع النّظام المغربي وموريتانيا وأخيرا مع "اتفاقيات "أوسلو" عام 1993، وعبر افتتاح مكاتب تجارية في أكثر من قطر عربي آخر، كل هذه الاتفاقيات هي على غاية من الخطورة تمت من قبل النظام العربي الرّسمي في اتجاه المزيد من التنازلات عن الحق العربي في مقاومة الاحتلال الصهيوني، ومحاولة يائسة منه في وضع النّهاية الحاسمة لصراعنا معه، وكذلك الإسراع في بناء مشروع إقامة دولة "إسرائيل الكبرى" ومنحها مشروعية احتلالها للأرض العربية بأياد عربية.
وفي ظل الأحداث الاعصارية والنزاعية الرّاهنة، التي هزّت المنطقة العربية منذ سبع سنوات أو أكثر، عادت هذه الأنظمة لتقوم بقفزة قاتلة قد تفني بعضها وتمحيها من الخارطة السياسية وتقوم بقلب معادلات الإشتباك وعناوينها مع العدو، وقلب مسار التسوية العربية ـ الإسرائيلية والتخلي حتى على منطق أو سلاح "المقايضة" بالقضية الفلسطينية وتغيير "ثوابت تطبيعها" السّابقة دون أي موجب أو سبب سوى الرّقص وراء سراب التسوية ومحاولة لتركيع الشعب وتغيير وجهة النضال والمقاومة نحو عدو وهمي .
فهذا المسار الجديد التي تعمل الأنظمة العربية، بقيادة النظام السعودي، على فرضه سوف يلوّث المشهد العربي ويجعله مفتوحا على عديد الاحتمالات قد تكون منها القاتلة للقضية الفلسطينية. ولعل أهم هذه الاحتمالات في المستقبل هي تنامي ظاهرة "سرطانية التطبيع" مع العدو، وتنامي الاختراق الأمني للمنطقة وإطلاق سطوة مختلف أشكال معاول التخريب والتهديم "العنيف" و"الناعم" لوحدة شعوب الأمة واتساع "مدارات الفوضى" فيها. وهي كلها محاولات لـ "أقزمة" مسارات التسوية مع العدو ولتهيئة الطريق نحو التخريب "الظاهر" و"الخفي" للأرض والبشر معا.
لكن في النهاية، نعتقد أن كل هذه المحاولات التي تركض وراء سراب السلام والتطبيع بمختلف أشكاله مع "إسرائيل"، ومهما كانت "فاشيتها" ( عبر الإرهاب) أو "نعومتها" ( عبر الاقتصاد) سيكون مآلها الفشل مثلما فشلت محاولات سابقة، ولن ينعم العدو الصهيوني بالإستقرار على الأرض العربية، لأن الشعب العربي، يقرأ التاريخ جيدا، ولا يمكنه أن يتحطم أو يخضع إلى انجراف "الحكام الأغبياء" الذين تملكهم كابوس الخوف من شعوبهم قبل الأعداء. وكذلك، يدرك الشعب العربي أن هذه التسويات سوف تكون أشد ألما في نفوس الناس واستلابا لعقول الشباب وتخريبا للأوطان من الحروب العسكرية التي يخوضها في مختلف الساحات وما يزال.
إنّ هذه الاستراتيجية الجديدة أو "المسلك" الأخير للتطبيع التي وضعت منذ قمة "جامعة الدول العربية" الأخيرة في الأردن ( الدورة العادية عدد28)، استهدفت أساسا تحويل وجهة النضال العربي ومقاومته المسلحة للعدو الصهيوني، وتغيير أساليب الاحتواء لهذه المقاومة عبر آليات سلطوية جديدة مثل: الاستبعاد والتشويه والحصار المادي والإعلامي والرمزي، في محاولة منها لترميم قواعد أنظمتها التي أصبحت متهالكة وآيلة للسقوط والاندثار في كل حين ولحظة، وهي مسلوبة الإرادة والسيادة حتى على المقاعد التي تجلس عليها في مكاتبها، وهي تدرك أن " الشجرة الميّتة لا توفّر ملاذا، ولا يُعطي الجندب ( بمختلف معانيه) راحة، ولا تصدر الصّخرة الجافّة خرير ماء".
وهكذا المادة الحكاّم العرب: ركضٌ وراء سراب السّلام وانقلابٌ في فقه الأولويّات د. مصباح الشيباني
هذا هو كل المقالات الحكاّم العرب: ركضٌ وراء سراب السّلام وانقلابٌ في فقه الأولويّات د. مصباح الشيباني هذه المرة، ونأمل أن توفر فوائد لكم جميعا. حسنا، أراك في وظيفة أخرى المقال.
كنت تقرأ الآن المقال الحكاّم العرب: ركضٌ وراء سراب السّلام وانقلابٌ في فقه الأولويّات د. مصباح الشيباني عنوان الرابط https://notscrets.blogspot.com/2017/10/blog-post_9777.html
0 Response to "الحكاّم العرب: ركضٌ وراء سراب السّلام وانقلابٌ في فقه الأولويّات د. مصباح الشيباني"
إرسال تعليق